الحدث – محمد بدر
نشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي دراسة عن المخاوف الإسرائيلية المتزايدة من مخاطر التوزيع الديموغرافي داخل دولة الاحتلال جاء فيه:
منذ نشوء دولة الاحتلال الإسرائيلي، اعتمدت الحكومات الإسرائيلية سياسة استراتيجية هدفها توزيع السكان على كامل "الجغرافيا الإسرائيلية"، وعلى الرغم من الدعم الرسمي "الإسرائيلي" المتزايد لهذه السياسة؛ إلا أنه اتضح في العقدين الأخيرين أن السكان في إسرائيل يتجهون للعيش في منطقة "غوش دان" (تل أبيب الكبرى) مما يؤثر على الوجود السكاني في منطقتي النقب والجليل. ولمواجهة هذه الظاهرة سعت الحكومة الإسرائيلية إلى دعم المستوى الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في منطقتي النقب والجليل، ومع ذلك ظلت الفجوة السكانية هائلة بين الشمال والجنوب، وذلك لأسباب كثيرة، أهمها العمالة والتعليم والصحة.
وتعتبر "إسرائيل" أن توزيع السكان بشكل متساو نسبياً على كامل الجغرافيا؛ هو أمر مهم جداً لحماية الفضاء الجغرافي من الغزو من قبل الجيوش، كجزء من مفهوم "الدفاع المكاني" الذي يلعب فيه السكان دوراً مهماً في الدفاع عن الجغرافيا، وأيضاً، بالنسبة "لإسرائيل" فإن تركز السكان الفلسطينيين في الداخل المحتل في مكان ما يعتبر معضلة، وبالتالي تحاول إسرائيل تعزيز الوجود "اليهودي" في المناطق العربية كالجليل والنقب.
وحسب الإحصائيات، فإن منطقة الوسط والتي تشكل 7% من مساحة "إسرائيل" يعيش فيها ما يقارب 7% من مجموع سكان "إسرائيل"، بينما يعيش في منطقة النقب والتي تشكل 60% من مساحة "إسرائيل" فقط 8%، أما في المنطقة الشمالية التي تمتد من الحدود اللبنانية حتى وادي "يسرائيل" فتشكل 16% من أراضي "إسرائيل" ويعيش فيها 15% من سكان "إسرائيل".
والخطر الاجتماعي الذي تمثله الهجرات من مناطق الجنوب إلى مناطق الوسط، يتمثل في أن تكاليف الحياة في منطقة الوسط أعلى منها في المناطق الجنوبية، وبالتالي فإن الأسر التي تنتقل من الجنوب إلى الوسط هي فقط الأسر الغنية، أما الأسر الفقيرة فتبقى في الجنوب؛ لأنها لا تستطيع مواكبة نمط الحياة في الوسط، وهذه الظاهرة تؤدي إلى تكثيف الفجوات الاجتماعية والاقتصادية في "المجتمع الإسرائيلي"، وزيادة الشعور بالاغتراب والتجزؤ.
** والجدول التالي يوضح الفوارق في الأجور ونسب البطالة والعمالة في مناطق الجليل والنقب والوسط:
مؤشر المقارنة |
منطقة الجنوب (النقب) |
منطقة الشمال (الجليل) |
منطقة تل أبيب (الوسط) |
متوسط الأجور الشهرية |
7439 شيقل |
7035 شيقل |
9444 شيقل |
معدل البطالة |
6.6% |
6.2% |
3.7% |
نسبة الذين يتقاضون دون الحد الأدنى للأجور |
39.8% |
42.1% |
33.1% |
معدل المشاركة في القوى العاملة بالنسبة لعدد سكان المنطقة |
61.7% |
58.3% |
69.5% |
نسبة المشاركة في الوظائف النخبوية |
22.4% |
20.3% |
30.15% |
نسبة المشاركة في الوظائف التقليدية |
56% |
66% |
53.5% |
وبالنسبة لمنطقة الوسط، فإن هذه الكثافة السكانية تؤدي إلى تقلص المساحات المفتوحة فيه، كالشواطئ والمناطق الزراعية ومناطق الاستجمام، كما ويؤدي إلى بناء بنية تحتية ضخمة، وقد تصبح منطقة من أكثر المناطق ازدحاماً في العالم مما يؤدي إلى انهيار نظام النقل المحلي، وستؤدي كذلك الكثافة السكانية في الوسط إلى تدهور اجتماعي قد يعكس نفسه من خلال المظاهرات وعدم الشعور بالأمن الشخصي، وانحسار الآمال والتطلعات في العيش بنمط حياة جيد، مما يؤدي بالبعض إلى الاستثمار في الخارج على حساب الاقتصاد المحلي أو حتى الهجرة من "إسرائيل".
إن تقويض التوازن الديموغرافي في النقب والجليل يشكل تهديداً جيوسياسياً على "إسرائيل"، وهذا التهديد يمكن قراءته من خلال تاريخ الدول التي تشكلت أغلبية ديموغرافية على بقع جغرافية فيها، وهذه الأغلبية تشكلت لديها نخبة طالبت بالاستقلال إما بشكل عنيف أو بشكل سلمي، وتنبع المخاوف الإسرائيلية من أن يتحول الشعور لدى المجتمع الفلسطيني في المناطق المحتلة إلى شعور أقليات داخل "إسرائيل"، خاصة مع تذمر فلسطينيي الداخل من الأوضاع السياسية والاجتماعية والتمييز الإسرائيلي بحقهم، والتخوف الإسرائيلي الآخر، في أن تركز العرب في الجليل والنقب قد يصعّب المهمة أمام إسرائيل في إنفاذ القانون الإسرائيلي في هذه المناطق، خاصة فيما يخص البناء وأيضاً أن تصبح هذه الأقليات تطبق قوانين محلية "عشائرية" ذات صلة بالدين واللغة مما يؤثر على طابع "دولة إسرائيل" وهويتها.
** وهذا الجدول يظهر التوزيع الديموغرافي للسكان داخل مدينة بئر السبع (في الجنوب) في سياق تاريخي:
|
1948 |
1961 |
1972 |
1983 |
1995 |
2008 |
2014 |
2015 |
عدد الفلسطينيين (نسبتهم لعدد السكان) |
13000 91.6% |
18300 18.9% |
29800 18.5% |
431700 15.9% |
95800 22.8% |
219500 36.4% |
270400 39.8% |
279700 40.3% |
عدد اليهود (نسبتهم لعدد السكان |
1200 8.4% |
78900 81.1% |
171400 81.5% |
231300 84.1% |
323100 77.2% |
383000 63.6% |
409200 60.2% |
415600 59.7% |
وتحاول الحكومة الإسرائيلية إلى سدّ هذه الثغرة؛ وذلك من خلال القيام بالكثير من المشاريع الاقتصادية في النقب، ودعم الاستيطان في النقب والجليل من خلال دعم العائلات اليهودية التي تعيش في هاتين المنطقتين، وعلى المستوى القيمي؛ فإنه يتم تعريف الاستيطان في الجليل والنقب على أنه مهمة وطنية وأولوية وطنية "إسرائيلية"، وكذلك تمنح الحكومة الإسرائيلية سكان الجليل والنقب تخفيضات فيما يتعلق بالبناء والاستئجار العقاري، وأيضاً منحهم تخفيضات في الضرائب وتخفيض فوائد القروض.
وكانت الحكومة الإسرائيلية قد بدأت في سبيل معاجلة هذه الأزمة بافتتاح الكليات والمعاهد والمدارس المتخصصة في كل من الجليل والنقب، حيث افتتحت كلية للطب في صفد انتقل إليها حوالي 600 طالب من الوسط، وتدعم الحكومة الإسرائيلية كذلك المخيمات الصيفية في النقب وتعمل على بناء مشاريع خاصة بتكنولوجيا المعلومات ومراكز للعلوم والحوسبة، كما وتقوم الحكومة الإسرائيلية بنقل القواعد العسكرية الدائمة من الوسط إلى الجنوب مما أدى إلى انتقال أكثر من 3 آلاف جندي إسرائيلي وعائلاتهم للعيش في النقب.
وعلى المستوى الاقتصادي، فإن الحكومة الإسرائيلية تمنح تسهيلات للشركات الصغيرة والمتوسط، من أجل الاستثمار في مناطق النقب والجليل، بهدف تطوير هذه المناطق وزيادة العمالة فيها، وتمكين هذه الشركات من منافسة نظيراتها في الوسط.
وفيما يتعلق بقطاع النقل؛ فإن الحكومة الإسرائيلية قامت ببناء الكثير من الطرق السريعة مثل "شارع 6 " في النقب الذي يربط النقب بالوسط والشمال ويسهل من عملية التنقل، ويشجع السكان في الوسط بالعمل في مناطق الجنوب.