د. رزان إبراهيم
كاتبة وناقدة فلسطينية / أستاذ الأدب الحديث في جامعة البترا
“ إن موت أي إنسان ينقصني أنا
لأنني داخل في الجنس البشري
لذا لا ترسل من يستطلع “ لمن تقرع الأجراس؟”
إنها تقرع لك أنت” الشاعر جون دون
استناداً إلى توصية كان وزير التخطيط الإسرائيلي إيهود برافر قد قدمها عام 2011، فإن عشرات القرى الفلسطينية قد تجد نفسها واقعة تحت وطأة تهجير قصري من صحراء النقب بغرض تجميع سكانها وقذفهم في ما يعرف باسم “بلديات التركيز”. يأتي هذا الإجراء غير الإنساني منسجماً وإجراءات قمع وتمييز عنصري وهدم لمنازل ما فتئت أن تكون جزءاً لا يتجزأ من ممارسات صهيونية عشناها مراراً وتكراراً لتؤكد هذه المرة أن أحداث الحاضر هي جزء لا يتجزأ من اتجاهات كانت حية وناشطة وما زالت.
ولعلي لا أذهب بعيداً إن اعتبرت حديثاً عن تشريع فعل إبادة جماعية هو جزء لا يتجزأ من مخزون هائل، يحوي تجارب إنسانية تفسر براغماتية عنصرية اتفقت على إبادة العنصر السكاني الأصلي، حتى يبدأ المستوطنون من نقطة الصفر. ألم يكن فعل التهجير إلى أرض فلسطين في الأساس جزءاً من عداء مستفحل للتاريخ يسوغ أعمالاً عدوانية مخالفة لأي حس خلقي؟ ألم يكن كذلك حين شرّع إزاحة السكان الأصليين واستباح أراضيهم؟ إن كان الهدف من وراء هذا المشروع الاستيلاء على مئات الألوف من الأراضي، بما يترتب على هذا الأمر من تهجير لآلاف مؤلفة من سكان لا تعترف إسرائيل بهم بشراً، فإن تفكيراً باتجاه جعل هذا المشروع حال تنفيذه وجهاً من وجوه نكبة فلسطينية جديدة لا يبتعد البتة عن الصواب. والحبل على الجرار كما يقولون.
ما حدث وما يحدث حري به أن يذكرنا بأن الحاجة باتت أكثر من ملحة إلى تفاعل جموع الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج أينما كانوا. فلم يعد بالإمكان تحت أي ظرف قبول أي شكل من أشكال الانقسام في الجسم الفلسطيني بما يحمله من تداعيات خطيرة على وحدة الأرض والسكان والمؤسسات الرسمية المدنية. وحري به أيضاً بتحذيرنا أننا سنشهد مزيداً من أشكال الاستيطان ومزيداً من احتلال الأراضي إن لم يتم تدارك هذا التشرذم ويلق الرادع الذي يستوجبه. بل إن سيلاً من القهر لا تحده حدود سيدفع شعباً - شهد أبناؤه أعتى أنواع الخطط وأشدها خبثاً- باتجاه اليأس، ولذلك ثمن فادح قد يؤدي إلى أبشع ما قد يقع تحت وطأته كائناً من كان؛ وهو الشعور القاسي بالعدمية.
يبقى من المفيد هنا تذكر عبارة عن إحدى روايات واسيني الأعرج التي تحاكي الموقف أشد محاكاة. والتي يقول فيها: “فلكل عصر كولومبس وظيفته السمو الحضاري بالرعية المتخلفة بإبادتها وسرقة خيراتها وتعطيل مستقبلها”