الحدث - علا عطالله
عقب قرابة 7 سنوات من الانقسام وقعت حركتا فتح وحماس في 23 أبريل/ نيسان 2014، على اتفاق للمصالحة، صفق له الفلسطينيون طويلا، آملين في أن يتمكن هذا الاتفاق من الخروج من المأزق السياسي، ولم شمل ما أحدثتّه تلك السنوات القاسية.
اتفاق إنهاء الانقسام بين الحركتين، الذي وقع في منزل نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، ورئيس حكومة حماس السابقة، في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، ما دفع مراقبين لـتسميته "اتفاق الشاطئ"، نص على تشكيل حكومة توافق لمدة 6 شهور ومن ثم إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني بشكل متزامن.
ورأت الحكومة النور بالفعل، في 2 يونيو/حزيران، الماضي، غير أن فترة عملها المتفق عليها (6 شهور) تقترب من نهايتها دون أن تتمكن من تحقيق أي من أهدافها.
وزاد من تشاؤم الفلسطينيين، استمرار لغة التراشق الإعلامي، وتبادل الاتهامات بين الحركتين، كان أكثرها حّدة، عقب انتهاء الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، واتهام حركة حماس لرئيس السلطة الفلسطينية وزعيم حركة فتح "محمود عباس" بالتنصل من مسؤولياته تجاه القطاع.
وفي الرابع من الشهر الجاري، شنّ عضو المكتب السياسي لحركة حماس، خليل الحية هجوما لاذعا على رئيس السلطة، محمود عباس، متهما إياه بتعطيل وتأخير إعمار قطاع غزة.
وقال الحية، إن رئيس السلطة عباس أرسل وفودا للدول التي تبرعت لإعمار غزة يطالبهم بجزء من تبرعاتهم لصالح خزينة السلطة.
ووصف الحيّة "عباس" بـأنّه "فرعون جديد"، لا يقبل الشراكة مع أحد.
وزادت حدة التوتر بين الحركتين، ولغة التراشق في أعقاب التفجيرات التي طالت عدد من منازل قيادات حركة فتح في قطاع غزة، في السابع من الشهر الجاري، وما أعقبهّا من إلغاء الحركة لمهرجان إحياء الذكرى العاشرة لوفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات.
وحملّت حركة فتح حماس المسؤولية، وهو الاتهام الذي نفته الأخيرة.
وفي رام الله وفي ذكرى إحياء وفاة الزعيم (عرفات) اتهم الرئيس محمود عباس قادة من حركة حماس بالوقوف وراء التفجيرات في غزة.
فيما وصفت حركة حماس، خطاب الرئيس بالتوتيري، وبأنّه مضلل ولا يليق برئيس للشعب الفلسطيني.
واتهم عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، توفيق الطيراوي، "الجيش الشعبي" الذي شرعت في تشكيله مؤخرا كتائب القسام الجناح المسلح لحركة "حماس"، في الوقوف وراء التفجيرات، وخصت بالذكر وزير الداخلية في حكومة غزة السابقة فتحي حماد.
وهو ما نفته الحركة على لسان القيادي فيها مشير المصري، ودعت إلى التوقف عن "توزيع الاتهامات" من غير أدلة.
غير أن لغة التراشق لم تتوقف بين قادة الحركتين، فيما انشغلت وسائل الإعلام المقربة منهما بكيل الاتهامات لكل طرف.
وقال عزام الأحمد، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، ورئيس وفد المصالحة، في تصريح صحفي، إنّ الاتصالات مع حركة حماس مقطوعة.
وتحاول جهات فلسطينية، رأب الصدّع بين الحركتين، وعودتهما إلى لغة الاتفاق، والمصالحة من جديد.
وفجّر مجهولون، في السابع من الشهر الجاري، أجزاءً من عدة منازل قيادات في حركة "فتح"، ومنصة الاحتفال بذكرى رحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، (زعيم الحركة) بعبوات ناسفة، دون أن يسفر ذلك عن وقوع إصابات.
وأكدت الداخلية في قطاع غزة، أنها تُجري تحقيقات لمعرفة من يقف وراء التفجيرات، ولم تعلن حتى اللحظة أي نتائج.
وينذر استمرار الخلاف وحالة التراشق الإعلامي بين الفريقين بانهيار المصالحة الفلسطينية، ما من شأنه أن يعيق تطبيق باقي بنود المصالحة.
وفي الخامس والعشرين من سبتمبر/أيلول، وقعت حركتا فتح وحماس في القاهرة على اتفاق يقصي بتنفيذ كافة بنود تفاهمات المصالحة، بعد جلسات من الحوار دامت ليومين.
واتفقت الحركتان على تنفيذ كافة بنود اتفاق المصالحة الذي وقع عليه في نيسان/أبريل الماضي، وتجاوز جميع العقبات التي اعترضت تطبيق بنوده.
وتنص التفاهمات، الذي حصلت وكالة الأناضول على نسخة منها، على" تمكين حكومة التوافق ووزرائها كل في مجال اختصاصه من العمل" في مناطق السلطة الفلسطينية وبينها قطاع غزة، و"تذليل العقبات التي تعترض عملها وصولا إلى دمج الموظفين في كافة الوزارات".
كما أكد الطرفان، حسب التفاهمات، "دعمهما الكامل للحكومة في سعيها لإنهاء الحصار وإعادة العمل في كافة المعابر مع الجانب الإسرائيلي في قطاع غزة وعودة الموظفين العاملين في المعابر للقيام بمهامهم تسهيلا للمواطنين في تحركاتهم وفي تجارتهم وإدخال المواد المطلوبة لإعادة إعمار غزة".
غير أن تلك التفاهمات لم تر النور، ولم تتسلم حكومة الوفاق الوطني أيا من مهامها، رغم زيارة رئيس حكومة الوفاق الفلسطينية رامي الحمد الله إلى قطاع غزة، في التاسع من أكتوبر/تشرين أول الماضي.
ولم تتسلم حتى اليوم حكومة الوفاق المسؤولية الفعلية في قطاع غزة، بسبب الخلافات السياسية بين الحركتين.
ومن أبرز قضايا الخلاف بين الحركتين، اللتين تعتبران أكبر فصيلين في الساحة الفلسطينية، عدم دفع رواتب موظفي حكومة غزة السابقة، والتي نصت ورقة التفاهمات، الأخيرة التي توصلت إليها حركتا فتح وحماس، في القاهرة، مؤخراً، على مطالبة حكومة الوفاق بصرف مكافأة مالية للموظفين في قطاع غزة، لحين انتهاء "اللجنة القانونية والإدارية"، من عملها.
وشكلّت حكومة الوفاق، مطلع يونيو/ حزيران الماضي، لجنة قانونية لدراسة أوضاع الموظفين المهنية، للتوصل إلى مدى احتياج الحكومة لهم، على أن يتم البت في أمرهم بعد أربعة شهور من تشكيلها.
ويقدر عدد الموظفين الذين عينتهم حكومة حماس، بعد الانقسام الذي حصل عام 2007، بنحو 40 ألف موظف عسكري ومدني، وتبلغ فاتورة رواتبهم الشهرية قرابة 40 مليون دولار.
تلقى موظفو حكومة حماس السابقة المدنيون في قطاع غزة، نهاية شهر أكتوبر/تشرين أول الماضي دفعات مالية من رواتبهم المتأخرة، تقدر بـ1200 دولار أمريكي لكل منهم، تبرعت بها دولة قطر.
واقتصرت الدفعات المالية على موظفي الوزارات المدنية (نحو 24 ألف موظف مدني)، واستثني منها أفراد الشرطة و"قوات الأمن الوطني"، التابعة لوزارة الداخلية الذين لم يتلقوا أي دفعات من رواتبهم منذ يونيو/حزيران الماضي.
وفي العاشر من الشهر الجاري، تقاضى الموظفون العسكريون، في حكومة غزة السابقة في قطاع غزة، نصف راتب، قالت مصادر مطلعة لوكالة الأناضول أن حركة حماس وفرتها من الإيرادات المحلية.
ولم تعترف الحكومات الفلسطينية المتعاقبة بالضفة الغربية، منذ 2007، بهؤلاء الموظفين، وهو ما شكل خلاف كبير بين حركتي فتح وحماس، خلال لقاءات المصالحة الماضية.
ويوميا، تنفذ نقابات وجمعيات إضرابات جزئية، وكلية احتجاجا على عدم تلقي الرواتب، فيما تشكو الوزارات من عدم تقديم حكومة الوفاق للموازنات التشغيلية.
ويرى هاني المصري، المحلل السياسي ومدير مركز مسارات لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية في رام الله (غير حكومي) أنّه ما من خيار أمام الحركتين سوى الاتفاق، على تنفيذ بنود تفاهمات المصالحة للخروج من حالة التراشق السياسي، والإعلامي، والبدء الحقيقي في توحيد الجهود لإعمار قطاع غزة.
وأضاف المصري، لوكالة الأناضول أن على الحركتين، الإيمان المطلق، بأنّ مصالحتهما هي واجب وطني، وأن اضطرارهما نحو هذا الاتفاق رغم كل الخلافات السياسية، من شأنه أن يحول المصالحة إلى واقع ملموس.
وشدد المصري، على أنه لا يجوز لقيادات الحركتين، أمام كل أوجاع الفلسطينيين التي تتزايد يوما بعد آخر، الاستمرار في لغة التراشق وتبادل الاتهامات.
الأناضول