الانتساب لجماعة اهزم نفسك مفتوح لكل الناس، وفي كل المجالات والاهتمامات دون تمييز على أساس الدين أو الخلفية السياسية أو الأيديولوجية أو الجنس، وكلّ ما هو مطلوب للانضمام هو أن يتميّز الشخص بقدرة على صناعة الهزيمة ماديًّا ومعنويًّا رغم كلّ الصعوبات. هذه الجماعة آخذة بالاتساع في الوطن، ولها جذور عميقة في حلبات السياسة والفكر الاجتماعي ومكونة من فرق كثيرة كلها تشارك في دوري اهزم نفسك وابكِ على الوطن.
ضمن جماعة اهزم نفسك هناك فريق في فتح نجح خلال الشهرين الماضيين في تبييض صفحة خصمه السياسي، وأوصل الرأي العام إلى قناعة أنّه هو من لا يريد المصالحة أو الوحدة، رغم كل ما يطلقه من تصريحات رنانة وأخرى زنانة بعكس ذلك. هذا الفريق يعمل جاهدًا لتسديد الهدف تلو الآخر في مرماه لحساب الخصم السياسي الذي عانقه قبل أسابيع في إطار المصالحة، وتحديدًا في تسطيح مفهوم التمكين والمصالحة وتطبيق الاتفاقيات، تارة من خلال العنتريات الإعلامية والمقاربات غير الموفقة وتارة أخرى من خلال الإصرار على الضبابية والإبهام حول تفاصيل الاتفاقات، وما تشتكي فتح منه في سياق العراقيل أمام التمكين. فريق اهزم نفسك هذا ينتمي لفتح، أم الولد التي تدرك تمامًا أنَّ مصلحة الوطن والحركة تقتضي تحقيق الوحدة لمواجهة الأخطار السياسية والعينية الجسيمة التي تتربص بالكلّ الوطني والتي تحضر لنا المقصلة دون تمييز أو تفضيل؛ أخطار لا يمكن مواجهتها إلا في إطار مصالحة حقيقية تمكن الفلسطينيين من إفشال ما تتم مناقشته وإعداده من حلول تصفوية بحقهم.
يقابل هذا الفريق فريقٌ آخر من جماعة اهزم نفسك في حماس تريد تلبيس المصالحة ثوب الانتصار الفصائلي العقائدي. ولتحقيق ذلك، ينخرط فريق اهزم نفسك هذا في المزايدة والمناطحة، تارة باسم المقاومة وتارة أخرى باسم المظلومين الذين لا يزال يمنعهم من ممارسة عملهم، لكنه يتباكى على خصومات رواتبهم. هذا الفريق يحدث كل هذا الضجيج رغم إدراكه أنَّ مصلحة فصيله وبقاءه السياسي يقتضي عكس ذلك، خاصة في ظل تناقص الفضاء المتاح للإسلام السياسي في الإقليم وشروط النجاة السياسية في إطار الاصطفاف الإقليمي الحاد الذي يمزق المنطقة. لكن حليمة التي لا تستطيع إلا أن تعود لعادتها القديمة، يبدو أنها أيضًا من جماعة اهزم نفسك!
جماعة اهزم نفسك موجودة أيضًا وبقوة صارخة في أروقة السياسات المحلية، حيث يفتح أعضاء هذه الجماعة الثغرة تلو الأخرى في الحصن الداخلي الفلسطيني بشكل يسمح للاعبين دوليين متربصين بالنظام السياسي أن يخترقوا صفوف الإجماع الدولي، ويحرفوا النقاش بعيدًا عن ضرورة إنهاء الاحتلال وأقرب لقلب النظام السياسي وسياساته الداخلية. جماعة اهزم نفسك منهمكون في إحداث شرخ بين التزامات النظام السياسي السياسية والقانونية تجاه المواطن الفلسطيني بموجب القانون المحلي والمواثيق الدولية التي انضمت إليها فلسطين طواعية، فينجحون في فتح الثغرات على كلِّ الجبهات وخاصة جبهات حقوق الإنسان وسيادة القانون والنزاهة المالية واستقلال القضاء وحتى مفاهيم التسامح والمواطنة في مناهج التعليم. ثم يُفاجأ هؤلاء من الانتقادات المحلية والدولية، ويتهمون الأطراف المحتجة بالتآمر وتجاهل الاحتلال، رافضين بطبيعة الحال الاعتراف بأنَّ تصرفاتهم هي الملهاة الكبرى عن الاحتلال.
جماعة اهزم نفسك لا تميز بين الحاكم والمحكوم، فهي ناشطة ومتغلغلة في طرفي المعادلة. على الطرف الآخر من صفوف الحكم، تنشط جماعة اهزم نفسك في فرق مختلفة في الشعب والمعارضة. في المعارضة، جماعة اهزم نفسك تفضل المناكفة والشكوى على العمل بين الجماهير لاستعادة مكانتها وتأثيرها، فتحسر وجودها في البيانات السياسية وتتمترس خلف حصن "نرفض" دون أن تطرح البدائل أو الحلول العملية. وفي سياق دوري اهزم نفسك وابكِ على الوطن، تصرخ فرق الجماعة المختلفة في صفوف المعارضة حول الأخطار والمؤامرات المحدقة بالقضية الوطنية وتشتكي التهميش وتصرّ على ضرورة تبني مواقف صلبة تنبع من الوحدة الوطنية، رغم إدراك هؤلاء لافتقارهم لأِّي تأثير أو وجود على الأرض يفسر أو يبرر كل هذا الصراخ.
في صفوف الشعب، جماعة اهزم نفسك موجودون في كل الأوقات والأحوال. تراهم يتحدثون عن النزاهة والشفافية وأهمية محاربة الفساد، ثمَّ يوشوشون المسؤول الجالس قربهم لطلب وساطته في تحقيق وظيفة أو علاوة أو ترقية أو إعفاء. هم من يصرخ بصوت مدو عن الخيبات والوهن الذي أصاب الحالة الوطنية وضرورة ضخ الدماء الشابة، ثم ما يلبثون أن يصدروا البيانات الغاضبة التي تتمسك بالقائد الوطني فلان ممثلاً وحيدًا ومنقطع النظير الذي أمضى العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية متربعًا على عرش موقعه. أما أهم تجليات روح جماعة اهزم نفسك، فتتلخص بالمقولات المأثورة والمتكررة "الموضوع مرتب وخالص" و"انسَ الموضوع، ما في أمل"؛ مقولات تصر على حصر المجتمع الفلسطيني وكيانه السياسي في خانة المفعول به الذي لا يقرر من مصيره شيئًا ويسلّم بأنّ مصيره الوطني بيد المحتل وحليفه الأمريكي الأرعن وحلفائهم المتزايدين كمًّا ونوعًا من العرب المتلهفين لفرصة التطبيع والتحالف.
التغيرات الإستراتيجية التي تحدث إقليميًّا ودوليًّا ضخمة، خاصة في ظل المخاطر التي يشكلها الرئيس الأمريكي الأرعن والذي يستعد لقلب معادلة الصراع على رأسها وإقحام الدين فيه من خلال ما يشاع عن نيته الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. أمام كلّ هذه المخاطر، تقف فلسطين وحدها في مواجهة التقاء المصالح الإقليمية والأمريكية التي تقتضي على ما يبدو الانتهاء من الهم الفلسطيني بأيِّ ثمن. وعكس ما يعتقد فريق اهزم نفسك وابكِ على الوطن، هذه المعادلة رغم صعوبتها وخطورتها ليست محسومة لصالح من يريد التضحية بالحقوق الوطنية الفلسطينية على مذبح التحالف الإقليمي؛ لأنَّ قدرة الفلسطيني على قلب الطاولة بقول "لا" واضحة وموحدة كفيلة بهدم السيناريو الواهم عن غد يغيب فيه الصوت الفلسطيني المصر على العدالة والحرية. لكن، وحتى نتمكن من تبني تلك "اللا" الحاسمة وهزيمة المؤامرة، علينا أن نهزم فريق اهزم نفسك وابكِ على الوطن وننتصر لأنفسنا.