الحدث ــ محمد بدر
في العام 1949 أعلنت "إسرائيل" أن القدس عاصمة لها ونقلت كافة مراكزها الحكومية للقدس ما عدا وزارة الحرب التي ما زالت في تل أبيت حتى وقتنا هذا، ولكن الإعلان لم يصبح نصا في القانون الأساسي الإسرائيلي إلا في العام 1980، ومع كل خطوة إسرائيلية لتغيير الوضع القانوني والسياسي في القدس كانت المؤسسات الدولية تدين ذلك على اعتبار أن تغييرا قانونيا أو سياسيا يعني القفز عن قرارات الأمم المتحدة والمؤسسات المنبثقة عنها كمجلس الأمن واليونيسكو.
أصدرت المؤسسات الدولية أكثر من 60 قرارا دوليا حول القدس، بعضها قرارات أساسية وبعضها قرارات إدانة لسياسات إسرائيل في القدس. في كانون الثاني 1982 وقعت أمريكا اتفاقا مع إسرائيل، اشترت بموجبها أمريكا أرضا في القدس لبناء السفارة عليها، وفي العام 1995 أقرّ مجلس الشيوخ قرارا يقضي بنقل السفارة الأمريكية للقدس، ويتم تأجيل القرار مرة كل 6 أشهر تحت بند مصلحة الولايات المتحدة القومية، وبكل الأحوال فقد ذهبت أمريكا منفردة بهذا الإتجاه رغم معارضة الأوروبيين والعرب على اعتبار أن الأمر تجاوز للقانون الدولي وللشرعية الدولية.
ماذا يعني نقل السفارة؟
نقل السفارة يعني تكريس قواعد سياسية جديدة وأمر واقع قانوني وسياسي جديد يلغي فعالية المطالبة بتطبيق القوانين الدولية والتأسيس لواقع جديد على المستوى القانوني والسياسي على قاعدة "الفعل هو القانون" وهي قاعدة صهيونية مهمة، كما أن ذلك يعني تكريس الطابع السياسي في التعاطي مع القدس على حساب الطابع الديني ما يعني التعامل مع الأماكن المقدسة والجغرافيا في المدينة على أسس سياسية وليس بمنطق الحقوق الدينية، وفتح الباب أمام الاعترافات الأحادية بها كعاصمة لإسرائيل ما يعني موت القانون الدولي في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وهذا يعني أنه ليس من حق الفلسطينيين المطالبة بالقدس في المستقبل كعاصمة في أي تفاوض وإيجاد بدائل لذلك.
لماذا ذهبت أمريكا في هذا الوقت إلى هذا الإتجاه؟
أمريكا تريد من هذه الخطوة التأكيد على أن النظام الدولي ما زال أحادي القطبية، خاصة مع تقلص دورها في المنطقة العربية لحساب السياسة الخارجية الروسية، هي خطوة للتأكيد على أن أمريكا هي المشرّع في الشرق الأوسط وأنها ما زالت فوق المؤسسة الدولية، وهي الإستراتيجية التي أسس لها جورج بوش الإبن في العام 2003، والتي انفك عنها باراك أوباما، وكما يبدو فإن الرئيس دونالد ترامب يريد أن يعيد الحياة لها.
ومع تزايد الانتقادات لترامب بأن الفجوة تتسع بين شعاراته الإنتخابية وسياسته بعد الحكم، فإن ترامب وجد ضالته في القضية الفلسطينية ليثبت أنه صاحب مصداقية، هذه الخطوة من شأنها أن تعزل أمريكا أكثر وتحقق عكس ما يتمنى ترامب، فالنفور الأوروبي من ترامب أصبح عاملا مساعدا لقضيتنا وعاملا مساعدا في محاصرة السياسة الخارجية الأمريكية وتشكل تحالفات على أسس سياسية وقانونية بعيدا عن أمريكا، وستصبح السياسة الأمريكية محل انتقاد العالم، وسيخسر ترامب أهدافه من خلال أهدافه.