الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

حبٌّ عاقٌّ بقلم: سهام أبو عواد

2017-12-06 05:34:07 PM
حبٌّ عاقٌّ
بقلم: سهام أبو عواد
سهام أبو عواد

ترجّلت الرّحمةُ عن صَهوةِ قلبهِ الصّلد وهوَ يُمسكُ بيدها التي تهاوت ملامحها وهيَ تبذرُ الخيرَ في دروبهِ كي يحيا سعيداً، ثمَّ أغمضَ خوفَهُ عن عيونٍ أنهكها الدمع وهي ترتُق له كلَّ سبيلٍ مَشاهُ حتّى لا يتعثر؛ فيعودَ إليها سالِماً.

 

السبيلُ ذاتُه، ولا عيونَ تُحصي الشّقوق هناك، وصَفْقُ الحَصى تحتَ قدميهِ وهو يقودها إلى حتفها؛ يسُبُّ خُطاهُ... هي، تتلقّفُ كلَّ حَصاةٍ، تكشُّها كي لا تؤذيهِ... هُوَ، يتأفّفُ كأنّما يحملُ الطريقَ بين يديهِ! تنْهرُهُ وشْوَشةُ زوجهِ التي ابتسمت كشيطانٍ بالَ في أذُنِ مُصلٍ: هيّا، عُدْ لي بُسرعة.

 

يبتُرُ حَبْلاً... توصِلُهُ بدعائِها لَهُ... مربوطٌ إلى مِعصمها الذي نَحَتَهُ حَديدَ مَهْدهِ وهي تُهدهدهُ حتى رَسَمَ فوقَ شقوقها أثراً بدا كالأصفاد حولَ معصمِ ثائرٍ عشقَ شمْساً لن يراها.

 

سيدةٌ عَجوزٌ، يتَّسعُ الطريق كلّما انكمشت هيَ في خوفِها إلى الحدِّ الذي كادت شقوقٌ كانت ترتقها أن تبتلعها، فراحت تجهَشُ بالغناءِ، وتهزُّ يَدَها داخل عقدة الحبلِ كأنّما تُعيدُ صَريرَ المَهدِ إلى أذُن ابنها الضالّ لعلّهُ يستفيق من صلده، ثمَّ راحت تغْمزُ إلى الحَمام في ترويدةِ ما قبلَ النَّوم "بضحك على ابني تينام" فيخرج الحَمامُ من وكْرهِ مُرفرفاً بجناحيهِ علّه يُواسي خوفها... يحاول الحَمامُ سرقةَ صُرَّتها التي اختزل فيها ابنها كلَّ العمر ظانّاً أنها تحوي كلَّ أغراض أمّهِ التي قد تحتاجها في دار المسنين.

 

على عتبة الدار؛ يُفلِتُ حبلَهُ السُّريّ ويولّي هارباً، ليعودَ بعد أعوامٍ ليبحثَ عن شقٍ واحدٍ في كفّها الدافئ، فيخبره صوتٌ أجشٌ بأنها ماتت في اليومِ ذاته على عتبة الدّار، وبأنها دُفنت في مقبرة للأرقام حينَ لم يجدوا لها اسماً ولا عنواناً...

كم قالت له: لا تشترِ مِعْطفاً من بائعٍ متجولٍ كي لا يقتلكَ البرد!