الحدث ــ محمد بدر
نشر مركز القدس للدراسات تحليلا حول إعلان ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ترجمته الحدث.
فيما يلي نص التحليل مترجم:
اعتراف الولايات المتحدة التاريخي بالقدس عاصمة لإسرائيل أكبر تحول في السياسة الأمريكية منذ 70 عاما، ولكن المهم ماذا يعني هذا القرار:
1. قتل لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بتدويل قضية القدس: ترامب في الواقع سحب الولايات المتحدة للمرة الأولى منذ 70 عاما من اتفاق التقسيم 181 وقفز عن القرار، وهي المرة الأولى التي تقوم دولة بذلك، بمعنى أنه تجاوز مسألة تدويل قضية القدس. وكانت خطابات القادة الأمريكين سابقا لا تشير إلى أي انسحاب من قرارات الأمم المتحدة في هذا الخصوص، ولكن ترامب فعليا جعل من مسألة تدويل القدس تاريخا لا حاضر ومستقبل له.
أشار ترامب إلى مسألة تقسيم القدس، هذا الطرح كان قد وافق عليه من قبل إيهود أولمرت وإيهود باراك، وبل كلينتون وجورج بوش الابن، والاتحاد الأوروبي أيضا، مسألة تقسيم القدس مسألة مقبولة دوليا ومن خلال المفاوضات، وهذا الأمر أكد عليه ترامب وكان السقف بالنسبة لإسرائيل منخفضا في هذا الاتجاه.
2. القدس - لم تعد "أراض محتلة": خلال الخمسين عاما من توحيد المدينة، عرّفت الإدارة الأمريكية في بعض الأحيان على القدس بأنها "أرض محتلة"، لا يوافقون على المصطلحات في المقابل، كارتر مثلا، استخدم مصطلح أراضي فلسطينية محتلة في إشارة للقدس الشرقية، واليوم ترامب يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، بمعنى أنها لم تعد في وجهة نظر أمريكا محتلة.
3. لم يحدد ترامب أي حدود للقدس في خطابه، بمعنى لم يعد هناك حدود مقدسة بين القدس الشرقية والغربية، على الرغم أن زعماء أمريكا السابقون كانوا يشيرون لمسألة حدود القدس الشرقية والغربية. كما أن إعلان ترامب أشار بشكل واضح إلى العلاقة التاريخية بين إسرائيل والقدس.
إذا فاعتراف ترامب هو اعتراف بالوقائع التي خلقتها إسرائيل على الأرض بعد الاحتلال عام 1967، واليوم يعيش في القدس حوالي 200 ألف يهودي خارج حدود التقسيم، أي ما يقارب 40% من سكان القدس خارج حدود التقسيم بين الشرقية والغربية.
ترامب يدرك أن إسرائيل أجرت الكثير من المتغيرات في القدس، القدس اليوم مليئة بالمؤسسات الحكومية والمستشفيات وفيها الجامعة العبرية ومنطقة عطروت الصناعية، والمتنزهات، إذا فإسرائيل خلقت أمر واقع يتجاوز حتى القانون الدولي وتشريعاته من خلال العمل على الأرض.
وفي غرب القدس توجد الكنيست والمكاتب الحكومية والمحكمة العليا، واليوم تعترف أمريكا ليس فقط بالقدس الغربية، بل بكل المتغيرات التي أجرتها إسرائيل على الأرض في القدس الشرقية.
ومن الإجراءات الأمريكية التي ستتغير بعد الاعتراف، أنه سيسجل كل مواطن أمريكي يولد على أنه ولد في القدس عاصمة إسرائيل، في السابق كان إذا ولد أمريكي في تل أبيب يسجل في هويته اسم المدينة (تل أبيب) ولكن إذا كان في القدس؛ كان يسجل أنه ولد في إسرائيل دون الإشارة للقدس.
ما الأمور التي لم يتضمنها الإعلان؟
حتى الآن لا يوجد تحديد كمي للقيود المفروضة على الاستيطان من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل والولايات المتحدة تتعمدان عدم الحديث في هذا الأمر في العلن، والمشاورات في هذا الموضوع في العادة تجري في السر ووراء الكواليس.
ومن وجهة نظر إسرائيلية، يعتبر تجميد الاستيطان في بعض المناطق مؤلما، خاصة وأنه يمنع مثلا التواصل الاستراتيجي بين حي "جيلو" وحي "هار حوما". كما تم تجميد البناء في مناطق E-1، وهي المنطقة التي من المفترض أن يبنى فيها جسر بين معاليه أدوميم والقدس.
أما البناء في منطقة القدس الكبرى فيتم ببطئ وتحت الإشراف الأمريكي وفي الأحياء الواقعة داخل الحدود البلدية للقدس.
وفي الأحياء المرفقة بالمدينة بعد عام 1967، لا تتم الموافقة على البناء في كثير من الأحيان.
ويعتقد المراقبون الدبلوماسيون في القدس أن التقارير التي نشرت في الأسابيع الأخيرة حول التقدم في المحادثات حول "صفقة القرن" بين إسرائيل والفلسطينيين ليست منفصلة عن إعلان الرئيس ترامب الليلة الفائتة. ووفقا لهذا التحليل، فمن الممكن جدا أن يطلب ترامب الآن تجميد الاستيطان كثمن لإعلان الليلة.
المناطق المقدسة في القدس - خارج اللعبة - ترامب طلب أن يستمر الوضع الراهن في هذه المناطق، وسيستمر التعاون الإسرائيلي - الأردني في الإدارة الفعلية للمكان، إن النفوذ الرفيع الذي أعطته إسرائيل للأردن بالنسبة للمقدسات في اتفاق السلام معها لن يتغير. لقد استوعب الرئيس الأمريكي أنه لا يستطيع المساس بهذه المسائل.
واعترف الرئيس الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل، لكنه امتنع عن التأكيد بأن حدودها الحالية هي الحدود النهائية. فقد ترك أملا ضيقا للفلسطينيين، وبكل الأحوال لا يعني ذلك العودة لحدود التقسيم.
ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز حول الطلب السعودي من الرئيس محمود عباس باعتماد أبو ديس كعاصمة، يؤكد أن الأمريكان بدأوا يفكرون بطريقة مختلفة حول القدس وببدائل مختلفة.
السفارة لم تنقل بعد، ولكن ترامب لن يتراجع أمام التهديدات الفلسطينية، فعليا بدأت الاستعدادات اللوجستية لنقل السفارة.
أين تذهب الأمور؟
ترامب وحدّ العرب والمسلمين ضده، المعتدلون كتركيا ومصر والمتطرفون كإيران. فترامب أصبح محل إدانة من قبل الجميع.
اليوم فتح وحماس أمام اختبار حقيقي على قدرتهم إخراج الجماهير للشوارع والانتفاض، وإسرائيل اليوم أمام اختبار القدرة على السيطرة على الأوضاع، قبل عدة أشهر استطاعت الجماهير تطويع إسرائيل وكسرها في موضوع البوابات الإلكترونية، واليوم إسرائيل أمام اختبار جديد، ولكن ما دام الموضوع لا يتعلق بالأقصى فقد تكون الحدة أقل.
إن أحد الأخطار التي يمكن أن تؤدي مرة أخرى إلى مواجهة دينية يتجسد في التعاون بين الأردن وأردوغان، في السنوات الأخيرة، تحاول تركيا الحصول على موطئ قدم في القدس عن طريق ضخ أموال في مؤسسات مختلفة في البلدة القديمة والأقصى، وقد اكتسبت بالفعل نفوذا بين سكان القدس الشرقية.
وقد بدأ أردوغان بالفعل تضمين خطابه باللغة الدينية، وهذا الأمر قد يؤدي لهبة في القدس، كما أن المخيمات فيها أسلحة وفيها مقاتلين وعلى الأرجح أن يخرج "الشر" منها .
وبالتالي فإن مصلحة إسرائيل هي عزل الأقصى عن العاصفة الحالية ومنع حماس أو الفرع الشمالي للحركة الإسلامية أو تركيا أو قطر من إعادة إشعال المنطقة على أساس ديني.