السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

المصري لـلحدث: لا شراكة لي مع إسرائيليين

القطاع الخاص مغيب سياسياً ويقع ضمن الأغلبية الصامتة

2013-11-14 00:00:00
المصري لـلحدث: لا شراكة لي مع إسرائيليين
صورة ارشيفية

M. R. M ، هي الأحرف الأولى لمنيب رشيد المصري باللغة الإنجليزية والتي نقشت على الجيب الأيسر لقميصه، عندما سألناه عنها قال ضاحكا: “هي الأحرف الأولى من اسمي واسم والدي واسم عائلتي، نقشتها كي لا يضيع القميص”. عمره كما قال لنا 79 عاماً، لكن النشاط الذي يدب في خلايا وجهه وذاكرته التي تعتني بأدق التفاصيل قادرة على العودة بك عقودا إلى الوراء ليذكر تفاصيل حوادتيه التي يرويها الآن لكاتب أمريكي يرافقه أينما ذهب يكتب كتاباً بعنوان “فلسطين بعيون منيب المصري”. اتهم منيب المصري بتفعيل “السلام الاقتصادي” مع إسرائيل على إثر مبادرة كسر الجمود التي أعلن عنها المنتدى الاقتصادي العالمي أثناء اجتماعه في البحر الميت مع مجموعة من رجال الأعمال الفلسطينيين والإسرائيليين في شهر أيار الماضي، واتهم بالتطبيع على إثر استقباله “لرامي ليفي” في بيته بمدينة نابلس الذي يطلق عليه اسم “بيت فلسطين”، واتهم بأنه يحاول أن يستفيد من شهرة الحائز على لقب “أرب أيدول” محمد عساف لأنه يرافقه أينما حل، المصري يستقبل كل الاتهامات ضاحكاً أحياناً ومستفزاً أحياناً ثانية وأسفاً أحياناً ثالثة. قبل نحو عام تقريباً كان قد وجه رسالة قاسية إلى رئيس مجلس إدارة البنك العربي السابق عبد الحميد شومان نشرت في الصحافة الأردنية قال له فيها إن البنك العربي بعده سيحقق نقلة نوعية، فهل نجح البنك في تحقيق هذه النقلة؟ كان الرجل قبل مدة في غزة يتابع جهود المصالحة، فأين وصلت هذه الجهود؟ 

س: لنبدأ بسؤال نفرشُ به أرضية الحوار، هل لك أية شراكات مع الجانب الإسرائيلي؟

لم أتعامل أبداً مع أي إسرائيلي، وأقول إنني لن أتعامل مع أي منهم إلا بعد الاستقلال وحصولنا على دولة فلسطينية مستقلة وكاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، والقــــدس الشــــرقية عاصمتها، وتطبيق القرار 194. لقد تم تأسيس شركة «باديكو» لأغراض وطنية مئة بالمئة من أجل أن نبني بلادنا، أتينا للاستثمار في فلسطين لنبني الوطن، قضيت حياتي وأنا أخدم فلسطين، تحملت كثيراً كي أبقى في فلسطين، وأنا ليست لي أية شراكة مع أي إسرائيلي، ولم يكن لي أي شراكة معهم لا داخل فلسطين ولا خارجها، ولم أسعَ يوما إلى ذلك فهناك احتلال ولا شراكات مع المحتل.

س: لكن، ألا تعتقد أنك من يفتح المجال أمام إساءة فهمك؛ بمعنى أنت تقول أنه ليست لك أية ارتباطات مع الجانب الإسرائيلي وفي المقابل قمت باستضافة “رامي ليفي” في منزلك، واجتمعت معه في عدة لقاءات، أليس أمرا غريباً؟ ألا يتناقض مع ما تقوله؟ أو في أقل تقدير لماذا لا يتم توضيح هذه اللقاءات، ولماذا يتم الاجتماع بهم في منزلك؟

أنا لن أوضح إلا لمن يسأل، من يسألني أنا على استعداد للإجابة. العام الماضي عندما كنا في اسطنبول وكان الرئيس محمود عباس موجوداً، التقيت بأردوغان وشواب ورئيس الوزراء القطري، الجميع أجمعوا أن القضية الفلسطينية تراجعت بشكل كبير وأصبحت في آخر اهتمامات المجتمع الدولي، وأنها الآن مغيبة عن الأجندات السياسية، وحتى في الانتخابات الإسرائيلية لم يتم التعاطي معها، لذلك اجتهدت فقمت بالحديث مع شواب رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي، وقلت له: هل بالإمكان أن نعمل سوية وأن نعيد القضية الفلسطينية إلى سلم الأولويات؟ شواب طلب إمهاله إلى اليوم التالي كي يرد لي جواباً، والجواب كان إن المنتدى الاقتصادي العالمي لا يتطرق إلى السياسية لكنه سيعمل على تحقيق الأمر، واجتمعنا نحن الفلسطينيون وكنا 5، واتفقنا بأن ما نريده هو دولة في حدود 1967 بعاصمتها القدس الشرقية، وأن تكون إحدى أسس الحل هي مبادرة السلام العربية، وأجمعنا بأننا نريد دولة مستقلة تماماً ولا نريد التطرق إلى الجانب الاقتصادي، فالأمر يجب أن يكون سياسياً بحتاً، وحملنا هذا الأمر إلى 5 شخصيات إسرائيلية اقتصادية رفيعة تم ترتيب لقاء لنا معها وكانت موجودة في اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي في اسطنبول، وأخبرناهم بأن هذا هو الحل الذي يمكن على أساسه أن يعم السلام والأمن في المنطقة، وإلاّ فإن الأمر سينتهي بدولة واحدة عنصرية، وقال الإسرائيليون حينها دعونا نفكر معكم لأن اقتصادنا حينها سيصبح اقتصاد عالم ثالث وسنخسر حينها التعاطف الدولي معنا كإسرائيليين لأننا لم نعط دولة للفلسطينيين. 

من هنا تم الاتفاق على اللقاء معهم، ولقاءاتي اللاحقة كانت تحت مظلة المنتدى الاقتصادي العالمي، والمنتدى الاقتصادي دعا الجميع بما فيهم رامي ليفي، والتقيته ضمن الوفد الإسرائيلي المشارك برامي ليفي، وقلت له إنك موجود وكل استثماراتك في أرض فلسطينية محتلة ويجب أن تتركها، فإذا ما تحقق السلام وتبنيت المبادرة العربية فتستطيع العمل هنا، وهناك 57 دولة عربية وإسلامية على استعداد للعمل معك، بعد أن يتم إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين. لقد رأى الاقتصاديون الإسرائيليون أن إنهاء الاحتلال هو مصلحة لهم أيضاً، وقلنا لهم إن احتلالكم غير قانوني وغير أخلاقي. ومن هنا جاء خطابي في البحر الميت، الذي أكدت فيه أيضا على الثوابت الفلسطينية، وأن أحدا لن يستطيع التنازل عن هذه الثوابت.

س: خطابك في البحر الميت كان لافتاً ومفاجئاً، خاصة لأنه جاء في وقت كانت فيه المفاوضات متوقفة، ولم يكن هناك أي أفق سياسي، فخطابك جاء وكأنه بديل للحل السياسي، أليس كذلك؟

إذا لم يكن هنالك حل سياسي فإن أية مبادرة اقتصادية لا تساوي شيئاً، الخطاب أثار حفيظة الكثيرين، ولا أفهم لماذا يساء فهمه وقد كان واضحاً فيه أن الحل السياسي مقدم على الحل الاقتصادي. حتى خطة كيري الآن، قائمة على تحقيق تقدم سياسي على الأرض فكل ما ورد في الخطة الاقتصادية مرهون بتقدم اقتصادي، قضيتنا سياسية بامتياز، رأسها وقلبها سياسي، وبقية الجسد منها اقتصادي، وأنا مع الحل السياسي الذي يمنحنا كافة حقوقنا. ولا يوجد ما أخفيه، وليس لدي شيء شخصي أو مطامع شخصية في كل هذا العمل. بصراحة، أنا أكرس حالياً حياتي للقضية السياسية، والمسألة الاقتصادية هي جزء صغير جدا من القضية السياسية، ومرة أخرى أقول لا يوجد أفق لأي حل اقتصادي دون حل سياسي يؤدي إلى الدولة والقدس واللاجئين.

س: تم طرح اسمك أكثر من مرة كرئيس للوزراء، لماذا لم يتم اختيارك كرئيس للحكومة، ولو عرض عليك اليوم رئاسة حكومة وحدة وطنية، هل تقبل بذلك؟

سنة 1970 كنت أصغر وزير في الحكومة الأردنية، أنا الآن عمري 79عاماً، الراحل أبو عمار طلب مني أكثر من مرة أن أتولى رئاسة الوزراء، ولم أقبل. حتى ولو عرض علي منصب رئيس الوزراء في حكومة وحدة وطنية فإنني لن أقبل، لأني أريد أن يتولى هذا المنصب رجل أو امرأة في سن الشباب، وسأقبل أن أكون مستشاره أو مساعده، أنا لا أطلب هذا المنصب، أنا أريد أن يتولى هذا المنصب من لديه القدرة والكفاءة لذلك، يجب أن نغير الوجوه وأن نعطي الفرصة للكفاءات الشابة، أنا حققت كل ما أرغب في تحقيقه، أما ما أريده الآن فهو وطن حر ومستقل بعاصمته القدس الشرقية، وعودة اللاجئين.

س: عودة اللاجئين بأي مفهوم؟ مع حق العودة أو مع إيجاد حل عادل ومتفق عليه لقضيتهم؟

حق العودة حق فردي وجماعي ومحمي بالقوانين والمعاهدات الدولية وهو مقدس، ولقد طرحت المبادرة العربية للسلام مجموعة من الحلول لقضية اللاجئين، لكنني لست لاجئاً ولا يحق لي التحدث باسمهم، فقط اللاجئون هم الذين يقررون بشأن الحل الذي طرحته المبادرة العربية، وبرأيي لا يوجد حل عادل بخلاف عودة اللاجئين لبيوتهم ومنازلهم، إلا إذا قبل اللاجئون أنفسهم بالتعويض، يجب أن يتم سؤال كل لاجئ ماذا يريد ويجب تلبية طلبه. وأنا أفهم القرار رقم 194 بمفهوم العودة والتعويض معا.

س: كنت قبل أسابيع قليلة في غزة لمناقشة موضوع المصالحة أين وصلت مسألة إنهاء الانقسام؟ وأين تكمن إشكاليات المصالحة؟ ومن يتحمل مسؤولية إعاقتها فتح أم حماس؟ وهل التغيير السياسي الأخير في مصر قد يدفع حماس باتجاه المصالحة؟

الجميع يريد المصالحة، وهي حتمية وليست خيارا، المشروع الوطني لن يكون بدون إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، والشراكة السياسية، والاتفاق على برنامج وطني بالحد الأدنى، لأنه يجب أن ندرك أن إشكالية المصالحة تكمن في أن الطرفين قد صعد كل منهما إلى شجرة عالية، ولا يدري كيف ينزل من عليها، والمسؤولية الآن تقع على عاتق كل واحد منا لإنزالهم عن تلك الشجرة. باعتقادي إن المسؤولية تقع على عاتق الطرفين، أعتقد أن حركة فتح كانت تمتلك الإمكانيات لتصنع المصالحة، وكذلك حركة حماس. 

عندما أقابل كل طرف على حدة أرى أن كل منهما معنيٌ بإنهاء الانقسام، والرئيس محمود عباس والأخ خالد مشعل لديهما النية الصادقة بالمصالحة، ومصر لعبت دوراً مهما ومركزيا في المصالحة ولا زالت تلعب وهي مشكورة على هذا الدور، والأهم أن الشعب الفلسطيني يجب أن يقول كلمته، يجب أن يكون هناك حراك شعبي جدي ومسؤول في هذا الاتجاه، وهناك دور كبير يجب أن يلعبه الإعلام في تهيئة الأجواء.  

لقد شاركت في اجتماعات القاهرة الخاصة بإنهاء الانقسام بصفتي الشخصية وبصفتي ممثلا عن الشخصيات الوطنية المستقلة، وتوصلنا في نهاية المطاف إلى اتفاق القاهرة في أيار 2011، وبعدها كانت تفاهمات الدوحة في شباط 2012. وأنا مع تطبيق هذا الاتفاق وهذه التفاهمات والتي تبدأ بإصدار مرسومي الرئيس الخاصين بتشكيل حكومة توافق وطني، وإجراء الانتخابات. وأرى أن على حماس أيضاً أن تمهد الأجواء لهذا، أو على أقل تقدير أن تقول لماذا لا توافق على إجراء الانتخابات. 

أمّا بشأن التغيير السياسي في مصر ومدى تأثيره على موقف حماس فإنه لا شك له تأثير، والذي يطمئن في هذا الاتجاه أن السياسة المصرية لا تتعامل مع القضية الفلسطينية على أساس مواقف تتخذها أحزاب أو فئات، ولكن تعاملها ينبع من حرصها على المشروع الوطني الفلسطيني، وهذا الموقف لا يؤذي حركة حماس، ولا يدعم موقف فتح، وإنما يصب في صالح الشعب الفلسطيني ككل. وهنا أتمنى لمصر السلامة والازدهار.  

س: كيف هو الوضع الاقتصادي والسياسي في غزة، خاصة بعد توتر العلاقة بين مصر وحماس؟

أريد فقط تصحيح السؤال، مصر دولة، وحماس حركة، ومع احترامنا للأخوة في هذه الحركة، فإنه وببساطة لا أعتبر ما يجري توترات، وما يحصل الآن هو إعادة الأمور إلى نصابها فقط. كلنا يعلم أن مصر تريد فرض سيطرتها على أراضيها وحدودها وهذا حق لها، وعلى الجميع احترام هذا الحق. مصر تعتبر أن غزة جزء من أمنها القومي، بمعنى أن استقرار غزة مهم لأمن مصر، والإجراءات الأمنية التي تتخذها مصر سواء على حدودها مع القطاع أو في شبه جزيرة سيناء يجب أن لا تثير حفيظة أحد، وآمل من الأخوة في حركة حماس أن يتعاونوا في هذا الأمر، لأن مصر هي الرئة التي يتنفس منها قطاع غزة.

لا شك بأن الوضع الاقتصادي سيء والسياسي أسوء، وأن حل المشكلة في غزة يبدأ بإنهاء الانقسام، غزة ليست كيانا مستقلا ولا يجب أن تكون كذلك وهذا الأمر ينطبق على الضفة الغربية أيضا، فالضفة وغزة وحدة جغرافية وسياسية واحدة والعاصمة هي القدس الشرقية، التي هي بحاجة إلى وحدة الجميع لكي نجابه عمليات الأسرلة والتهويد التي تتعرض له.    

س: ماذا عن القطاع الخاص الفلسطيني ودوره في العملية السياسية؟

القطاع الخاص شبه مغيب سياسياً وهو يقع ضمن الأغلبية الصامتة في معظم الأحيان، والمطلوب أن يكون له صوت وتأثير ووجود في وضع السياسات والتأثير على القرارات، فالقطاع الخاص قاد زمن الاحتلال المركبة الاقتصادية، وبعد تأسيس السلطة استمر دوره كمحرك رئيس للاقتصاد ودفع عجلة التنمية، ومن هنا لا بد أن يكون له دور أكبر في وضع السياسات الاقتصادية والمالية والسياسية وغيرها. المطلوب شراكة كاملة بين القطاع الخاص والعام في القضايا الحياتية الملحة، وتعاون قائم على أساس رفع مكانة القضية الفلسطينية وصولا إلى دحر الاحتلال ونيل الاستقلال.

س: الشتات، له دور كبير في بناء الدولة، فإسرائيل تم بناؤها من الخارج إلى الداخل، كيف يمكن جذب الاستثمارات الفلسطينية في الخارج  إلى داخل فلسطين؟

يجب أن لا ننسَ بأن إسرائيل أقيمت على حساب شعب آخر اسمه الشعب الفلسطيني، وأقيمت بدعم دولي غير مسبوق، وظروف قيام دولة إسرائيل تختلف من حيث الشكل والمضمون عن ظروف السعي لإقامة الدولة الفلسطينية على %22 من مساحة فلسطين التاريخية. 

الشتات الفلسطيني يعج بقصص النجاح الاقتصادي والمهني، وهؤلاء هم مخزون الدولة القادمة، نعم لفلسطينيي الشتات دور مهم في بناء أسس الدولة الفلسطينية العتيدة، منهم من استطاع العودة ضمن اتفاق أوسلو أو بشكل فردي ولهم استثمارات في قطاعات عديدة، ولكن حتى نكون واقعيين هناك العديد من المعيقات التي تقف أمام رغبة البعض منهم في الاستثمار هنا، منها الاحتلال، ومنها ما له علاقة بالقوانين الداخلية، وحماية هذه الاستثمارات، ولكن أقول من لديه النية والرغبة فهو قادر على القدوم، لأن قناعتي الشخصية تقول بأن الوطني الصادق لا ينتظر عائدا مجزيا من استثماره داخل وطنه، بل هو يستثمر من أجل تثبيت الحق الفلسطيني وتعزيز صمود الناس في وطنهم. 

س: لأي مدى يحقق المستقلون اختراقاً في العمل السياسي وهل لهم دور في الساحة الفلسطينية؟

العمل الوطني مساحاته غير محدودة وهو مفتوح للجميع، والشخصيات الوطنية المستقلة هي جزء من هذا الشعب وهذا الحراك، وتعمل على أساس الشراكة مع الجميع ولا ترغب ولا تسعى للتقليل من دور أحد، وتعتبر نفسها إحدى مكونات العمل الوطني. ظهور الشخصيات المستقلة على الساحة جاء نتيجة عوامل موضوعية وذاتية تطلبت هذا الظهور، وهذه الظاهرة ليست غريبة فحراك المستقلين موجود في العديد من الدول، وهي بحاجة إلى مأسسة في العمل ووقت لكي تستطيع أن تؤثر بشكل فعلي في الساحة الفلسطينية.

س: هل ترى أفقاً على طريق المفاوضات؟ خاصة وأن المسار التفاوضي لم يصل إلى أي مكان في السابق؟

لا أتمنى للمفاوضات أن تفشل بل أتمنى أن توصلنا إلى حقوقنا، المفاوضات هي ساحة من ساحات النضال، وعندما قررت القيادة الفلسطينية العودة إلى المفاوضات كان موقفي ايجابياً من هذا القرار، وحتى تكون الأمور في نصابها الصحيح لا أحد يستطيع سواء بالمفاوضات أو غيرها أن يتنازل عن الثوابت الفلسطينية.

الذهاب إلى المفاوضات كان ضرورة حتى لا يُحمل الشعب الفلسطيني مسؤولية فشل المساعي الأمريكية التي يقودها كيري، نحن لا نستطيع أن نتحمل مسؤولية هذا الفشل لا سياسيا ولا اقتصاديا، ذهبنا إلى المفاوضات نحمل موقفنا المدعوم بالشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة، وقلنا لكل العالم بأننا نريد السلام على هذا الأساس، ونقبل بدولة على %22 من فلسطين التاريخية، ونطلب من إسرائيل أن تقول لنا ماذا تريد هي من المفاوضات، واعتقد وبعد أكثر من 15 جولة تفاوضية أخذ العالم يدرك من سيكون المسؤول عن فشل المفاوضات.

التاريخ قال لنا بأن المفاوضات وحدها لا تحرر وطناً، وأن المقاومة وحدها أيضا لا تحرر وطناً، وأن الشعب المنقسم على نفسه لا يحرر وطنا، نحن بحاجة إلى إنهاء الانقسام، والاتفاق على برنامج فيه تقاسم للأدوار ضمن الرؤية العامة، يجب أن ننحي جانبا المصالح الشخصية والحزبية ونبتعد عن التشكيك والتخوين والتقليل مما يفعله الآخرون، المفاوضات مهمة والمقاومة الشعبية مهمة وكل منهما يكمل الآخر وعلينا الاتفاق فقط على الشكل والمضمون والمرجعيات لكي نصل إلى الهدف لكي نصل إلى الدولة بعاصمتها القدس الشرقية.

س: اقتصادنا الفلسطيني تشوبه الكثير من التشوهات البنيوية، ونحن غير مسيطرين على أدواته، وهناك تبعية شبه كاملة للاقتصاد الإسرائيلي، ولكي نصمد على هذه الأرض، يجب أن تكون مقومات الحياة الاقتصادية موجودة بالنسبة لنا، كيف يمكن إعادة ترتيب الاقتصاد الفلسطيني، في ظل وجود الاحتلال ؟

لا شك أنه باستطاعتنا صنع الكثير حتى ونحن تحت الاحتلال، ويجب أن نبني مؤسسات دولتنا حتى يعترف العالم بنا، لكن في هذه الأثناء يجب أن نحدد مشاكلنا، وماذا باستطاعتنا أن نفعل، ويجب أن نعي ما هي إمكانياتنا بشكل واقعي، ولا يجب أن نتصرف وكأننا دولة مستقلة كباقي الدول، نحن دولة غير طبيعية من عدة نواحي، لكن يجب أن ندرك أولا أننا دولة تحت الاحتلال، وثانياً: يجب إعادة النظر باتفاقية باريس الاقتصادية، ومن غير الواقعي أن نقول إنه يجب أن نلغي كافة الاتفاقيات، لكن يجب إعادة النظر فيها، ثالثاً يجب إنهاء المشكلة الأكبر والمتمثلة في الانقسام، الآن الحركة التجارية متوقفة بين الضفة وغزة، وهذا يؤثر على وضعنا الاقتصادي والسياسي. رابعاً، يجب مقاطعة البضائع الإسرائيلية، وبخاصة بضائع المستعمرات المقامة على أرض الدولة الفلسطينية. خامساً: يجب أن نبدأ العمل مع مختصين، يجب على السلطة الوطنية الفلسطينية أن تحيل المسألة إلى أخصائيين اقتصاديين يعيشون هنا في البلاد، ليجدوا لنا مخرجاً من الأزمة الاقتصادية الحالية، ويضعوا لنا حلولاً حول كيفية الخروج من هذا المأزق الاقتصادي ويوضحوا كيفية تقوية الاقتصاد، ويجب أن يوضحوا لنا مقترحاتهم بشأن كيفية الاعتماد على مواردنا الذاتية وعدم الاعتماد على الاقتصاد الإسرائيلي، وكيفية تجاوز معيقات الحواجز، والمعابر، وغيرها من المعضلات.

س: هل قرأت خطة كيري الاقتصادية؟ 

لم أقرأها، سمعت عنها، لكن كل هذا الكلام يجب أن يكون بعد الاستقلال، نحن نرحب بأي مساعدات من أي جهة كانت، لكن يجب التركيز في البداية على المسألة السياسية، وقد قال السيد كيري في البحر الميت إن كل هذا بدون حل سياسي هو كلام غير ذي جدوى. أنا مطمئن أن المفاوض الفلسطيني يعلم ما يفعل ويعلم ذلك. 

س: قبل عام تقريباً وجهت رسالة قاسية إلى رئيس مجلس إدارة البنك العربي السابق عبد الحميد شومان نشرت في الصحافة الأردنية قلت له فيها إن البنك العربي بعده سيحقق نقلة نوعية، فهل نجح البنك في تحقيق هذه النقلة في عهد آل المصري؟ وما هي خلفيات الموضوع؟

أنا خدمت في البنك العربي قبل 35 سنة وكان لي شرف العمل مع المؤسس الأول للبنك عبد الحميد شومان والمؤسس الثاني عبد المجيد شومان، وأنا كنت مساهماً في توسعته، وخدمت إلى أن وصلت لمنصب نائب رئيس مجلس الإدارة، وأنا أعتبر البنك العربي داعماً أولاً لفلسطين، فهو أهم مؤسسة مصرفية عربية في العالم. بعد كل الإنجازات التي حققها البنك العربي منذ تأسيسه بدأت إدارة عبد الحميد شومان تتراجع وتبتعد عن المهنية، فارتأينا أنه من الضروري تغيير مجلس الإدارة، وأعتقد أن البنك العربي بإدارة صبيح المصري، سيعود لسابق قوته ولسابق عهده.

س: سؤالنا الأخير، كيف تلقيت كل التعليقات والانتقادات على دعمك لمحمد عساف؟ 

حتى لا يتم شخصنة الأمور فأنا شخصيا، وكذلك من خلال مؤسسة منيب رشيد المصري للتنمية والتي أسست عام 1970، ندعم الثقافة، وقبل وبعد الفنان محمد عساف لنا يد في دعم الثقافة والتي هي الوجه الحضاري المشرق للأمم، أفتخر بمساعدتي لمحمد عساف من منطلقات وطنية وشخصية، وقد ذهبت معه إلى غزة بعد فوزه بلقب محبوب العرب حتى يدخل بشكل آمن بعد أن سمعت عن تلقيه لبعض التهديدات في حال عودته إلى قطاع غزة، محمد عساف نشر الفرح في قلوب الفلسطينيين والعرب وأظهر أن غزة وفلسطين رغم القتل والدمار التي يمارس في حقها ما زالت تعشق الحياة وما زالت هناك مساحة لتفرح ولتهدي الآخرين الفرح