الخميس  28 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

دونالد ترامب والإعلان العالمي لحقوق الإنسان بقلم: ناجح شاهين

2017-12-11 10:34:10 PM
دونالد ترامب والإعلان العالمي لحقوق الإنسان
بقلم: ناجح شاهين
ناجح شاهين

.1         لم يترك لنا ترامب –على الرغم من أن رياض المالكي وآخرين يعتقدون العكس- أية فرصة للتفكير في أي شيء "وسطي". لقد وضعنا أمام خيارين لا ثالث لهما: الاستسلام التام أو المقاومة بالأشكال الممكنة جميعاً.

.2         10 كانون الأول 1948 هو يوم ميلاد اعلان حقوق الإنسان الذي يتوافق مع تطهير ثلثي سكان فلسطين، والاستيلاء على أربعة أخماس ارضها. هذا العام "أحيا" دونالد ترامب المناسبة بمنح القدس نهائياً للدولة الصهيونية.

 

نتابع منذ انهيار الاتحاد السوفييتي تجليات الديمقراطية والليبرالية وحقوق الإنسان في بلادنا، على جلودنا ومن دمائنا. نتذكر ترهات فوكوياما ونهاية التاريخ وموت الأيديولوجيا، ونفكر في أيديولوجيا حقوق الإنسان.

 

ترى أليس من حقنا أن نطالب مؤسساتنا، ولا نقصد بالطبع النوع الممول منها، إنما الصنف الذي ننفق عليه من حر مالنا، مثل مدارسنا وجامعاتنا ومساجدنا وكنائسنا؛ ألا يحق لنا أن نطلب منها الإقلاع نهائياً عن وصفات الديمقراطية وحقوق الإنسان باعتبار أنها لا تسمن ولا تغني من جوع في رد الظلم أو حماية الأرض والعرض والولد، ناهيك عن الاستقلال والسيادة وثروات الأمة. فلماذا لا نعود إلى زمن أيديولوجي سابق كان فيه ترياق المقاومة هو الوصفة الشافية لكل داء؟ سوف يهمس في أذننا العارفون والعالمون ببواطن الأمور، وعديد الخبراء والمحللين بأن ذلك غير ممكن حكما لأن أهل العقد والحل في شمال الدنيا لا يمكن أن يتيحوا لنا أن نستقل بقرار أو أن ننفذ مقاومة من أي نوع. سيقولون علينا أن نتعظ بما يجري في ليبيا، والعراق. علينا أن نتعظ بدمار سوريا، وهلاك اليمن السعيد على يد جيرانه حماة المقدسات والحرمات من آل عبد العزيز المحافظين وآل سلمان المنفتحين خصوصاً على الجارة إسرائيل.

 

 ماذا بالإمكان إذن أن نفعل سوى الاستسلام دون قيد أو شرط؟ لا يترك لنا الأعداء الأقوياء متنفساً للتنفس، وكلنا يعرف قصة الذئب الذي يريد افتراس الحمل لأنه منذ سنين قام بالتبول على ثيابه، فلما أكد له الحمل أنه مواليد السنة فحسب، قال له ولكن أهلك فعلوا ذلك من قبل، ولو تركتك حياً لفعلت مثلهم، فلا بد من التهامك وتخليص العالم من شرورك وأدرانك. وربما أن هذا هو حالنا اليوم ما بين الولايات المتحدة الراعي الأول للديمقراطية وحقوق الإنسان، وإسرائيل صديقها الأثير الذي تفوق منزلته منزلة من لهم دالة في القرابة واللغة، وأعني بالطبع سكان الجزر البريطانية.

 

كم هو مرعب ومذل بكل المقاييس مشاهدة ما يجري في بلادنا العربية من ناحية تبجح "الجيران" في الديمقراطية الاسرائيلية الصديقة: تأتيهم القدس هدية "ما من وراها جزية" فيعلنون على الملأ أن الاستيطان مباح دون قيد أو شرط.  تقرع إسرائيل كلها كؤوس الشامبانيا ممزوجة بالدم العربي والفلسطيني وتثمل فرحاً وهي تشاهد "الجامعة العربية" تدين حزب الله رمز المقاومة بتهمة الإرهاب، ثم تطلق بياناً تائهاً –يبحث عن راعي مثل وزير الخارجية الفلسطيني- ضد ترامب.

 

لا ندري كم من المشاهدين العرب والمسلمين، والمستضعفين في بلاد بعيدة مثل فنزويلا والبرازيل وكوريا، قبل البلاد القريبة مثل مصر وسوريا والسعودية، لا ندري كم من الناس قد خطر بباله الهتاف الفلسطيني الطريف الذي طالما تردد في شوارع المدن المختلفة: "فخخني بتعمل معروف". وفخخني تعني حملني بالمتفجرات لأتحول إلى عبوة تنفجر في وجه الأعداء فأرتاح وأنتقم في الوقت نفسه. ترى كم من الناس أحس برغبة تغلي في عروقه وتدفعه إلى أن يفجر نفسه اليوم قبل الغد؟ هل يجهل صانعو الموت والدمار محملة بهدايا الديمقراطية وحقوق الإنسان أن ما يفعلونه يؤدي بالضبط إلى تأجيج المشاعر المعادية لهم في كل مكان؟ نزعم أنهم يعلمون على وجه الضبط والدقة ما هم فاعلون. ولكن تلك هي سنة رأس المال في الدنيا: لا يعيش بغير حروب.

 

وإذا عاش بدونها فإنه على الأرجح سيصاب بالهزال وتتردى صحته ويهدده الموت. ولذلك لابد من جرعة من الدماء بين كل عقد وعقد تعيد له الحيوية والشباب. أليس ماركس محقاً بعد كل شيء: "لقد جاء رأس المال إلى العالم يقطر دماً من رأسه حتى أخمص قدميه".

 

لكن هذا التحليل يوحي فوراً بوقوعنا في التناقض؛ فإذا كان أصحاب العصمة في الولايات المتحدة يطربون للحرب والضحايا فلماذا الخطاب الممول بشدة من فورد فاونديشن وكندا فند وآخرين من أجل تنمية اللبرلة وما لف لفها؟ الواقع أنهم إذا كانوا لا يخشون من تأجيج المشاعر فإن عليهم أن لا يبالغوا في استخدام خطاب الحقوق لأنه قد يعطل مسيرة الحروب المظفرة. والواقع أننا هنا نواجه مشكلة بالفعل، ونعتقد أن من الواجب البحث بجدية عن إجابة للسؤال. ولكننا مبدئيا نقترح مجموعة أفكار: أولا: إن أيديولوجيا حقوق الإنسان موجهة قبل كل شيء للداخل الأمريكي والأوروبي، وهي تستعمل لتسويغ الاستعمار القديم في طبعته النيوليبرالية المعولمة. وبهذا المعنى فإن خطاب حقوق الإنسان لا يقصد منه أبناء الشعوب المنهوبة وإنما شعوب المركز الإمبريالي.

 

ثانيا: حتى عندما تستخدم حقوق الإنسان باتجاه العالم الثالث فإنها لا تهدف إلى التعمية والتضليل بالمعنى الكامل لأن ذلك غير ممكن بسبب أن شعوب الجنوب تحس بأنياب المستعمر في ذراعها، ومن هنا استحالة تعميتها جديا. ولكن في المقابل يمكن إقناع الناس بأن من الممكن مع بعض الصبر والعمل الإعلامي لشرح قضيتهم أن يغيروا الواقع في بلاد الاستعمار بالذات. وهكذا يتم تبديد طاقات الناس وهدرها دون جدوى.

 

ثالثا: هناك فوائد جمة لموضوعة أيديولوجيا حقوق الإنسان الممولة بفعل قدرتها الفائقة على تربية ما يشبه الطابور الخامس المنتفخ الأوداج بتميزه الذهني مما يسمح باختراق خطير لقطاع المثقفين الذين يتسم دورهم بالخطورة الشديدة في رص الصفوف الجماهيرية ومنحها العقلنة النظرية لمشروعها. ويمكن في هذا السياق اعتماد مصر وفلسطين نماذج مذهلة للنجاح الأمريكي والغربي عموماً في ذلك المضمار. فقد تشكلت بالفعل أنوية واسعة للترويج لثقافة اللبرلة مع اعتماد الدول الكبرى في الشمال مرجعية تهدي سواء السبيل.

 

بعد هذه العجالة النظرية نستخلص أن ليس من المفيد على الأرجح أن نلح كثيراً على ترداد مقولات حقوق الإنسان إذا كان المقصود بها أن تحمينا من طمع الطامعين في بلادنا وخيراتنا. وهذا يعني أن المبالغة في الشكوى للمؤسسات الدولية قد يفي بالغرض بالنسبة للمستعمر الذي سيسره حتما أن يقتصر ردنا على مواصلة التوضيح والشرح لما يجري بحقنا من انتهاكات لا تسعها خزائن مكتبة الكونغرس على ضخامتها. ونرجو في هذا السياق أن لا يفهم أننا نهون من شأن الوعي الشعبي بأهمية الحفاظ على الإنسان بصفته القيمة الأهم في المجتمع. إنه فيما نظن أكثر أهمية من مقولة الوطن ذاتها لأن الوطن يكتسب أهميته من كونه الحيز المكاني للكائن البشري وليس من قيمة في ذاته بأي معنى من المعاني.

 

إذن ربما يجدر بنا أن نلاحظ أن المقولة الواحدة قد تصح في حيز بينما تخطئ في حيز آخر. ولأهمية المثال نقدمه في هذا السياق: إن المنظمات غير الحكومية بتمويل أهل البلاد ومشاركتهم الفاعلة يمكن أن تسهم في تأسيس نطاق قوي من المجتمع المدني يحد من عسف الدولة كما يحد من وجود الأبنية التقليدية مثل العشيرة وما أشبه، ولكن المنظمات الممولة من الخارج تربي ولاء للجهات الممولة حتى لو تناقضت أجندة الممول مع أجندة الوطن وأبنائه.

 

يقودنا هذا كله إلى فكرة لا مجال لتجنبها: إن علينا فيما يخص علاقاتنا بالخارج أن لا نخدع أنفسنا، فالخيار الوحيد هو خيار الصراع المادي بأشكاله كافة، وعلى رأسها بالطبع مقاومة العدوان بالأدوات العنيفة تحديدا، بينما فيما يخص حياتنا الداخلية يجب تحريم العنف دون هوادة وتنمية حس عال بقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. عموماً لم يترك لنا ترامب –على الرغم من أن رياض المالكي وآخرين يعتقدون العكس- أية فرصة للتفكير في أي شيء "وسطي". لقد وضعنا أمام خيارين لا ثالث لهما: الاستسلام التام أو المقاومة بالأشكال الممكنة جميعاً.