الحدث ــ محمد بدر
نشر موقع ويللا العبري تحليلا عن زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للشرق الأوسط، ترجمته الحدث، وجاء فيه:
في الأول من مايو من عام 2003، ألقى الرئيس الأمريكي جورج بوش خطابا على متن حاملة الطائرات الأمريكية "ابراهام لينكولن"، قال فيه إن الوجود العسكري الأمريكي في العراق مستمر ولكن العمليات القتالية الرئيسية انتهت.
وببساطة كان الغزو من أجل العثور على أسلحة الدمار الشامل العراقية والتي لم تكن موجودة أصلا. كان مختصر حديث بوش وقتها يتلخص في عبارة "المهمة أنجزت"، ورغم هذا الإعلان فلقد كانت معظم الخسائر العسكرية والمادية الأمريكية بعد الإعلان أكبر منها قبله.
في 11 ديسمبر 2017، ألقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطابا في سوريا، معلنا أن المهمة قد أنجزت. معظم القوات العسكرية الروسية على وشك العودة إلى روسيا، على الرغم من بقاء قاعدة القوات الجوية حميم وكذلك القاعدة البحرية في طرطوس، والسؤال هل بوتين متهور جدا، كما كان بوش آنذاك؟
الجواب هو لا. لعدة أسباب، بوتين ليس غبي، وهو يعرف أيضا كيفية يتعلم من أخطاء غيره.
وكان بوتين قد قام بزيارة مفاجئة لسوريا والتقى مرة أخرى مع الرئيس السوري بشار الأسد، وافتخر بوتين بأنه هزم داعش، مع الرغم أن داعش لم تهزمها روسيا لوحدها، فقد شارك الأكراد والتحالف الدولي في هزيمتها، إلا أن بوتين وقف متفاخرا بأنه هو من هزم داعش، فهو يريد أن يذّكر الأسد بذلك.
وهذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيها بوتين عودة القوات الروسية الى ديارهم، لكن المرة يمكن ربطه باعلانه هذا الاسبوع حول ترشيحه لرئاسة روسيا.
من الواضح أن مثل هذه الرسالة تنطلق لتتنفس الصعداء العديد من الأمهات في جميع أنحاء روسيا. ويريد بوتين في الواقع القول للأسد وإيران أن الجنود الروس لن يدفعوا دمهم ثمنا من أجل رؤية سوريا كلها تحت سيطرة العلويين، وإذا أراد الأسد استعادة السيطرة الكاملة على كل سوريا - وهو يريد - ستشارك قوة أخرى وتحارب من أجله كإيران، وليس روسيا.
لقد وصلت روسيا إلى هدف استراتيجي محدد جيدا - قاعدة بحرية وجوية في سوريا، وعمليا هي لا تريد التورط في حرب في الشرق الأوسط. وأكد بوتين أنه إذا تحرك الإرهاب في سوريا مرة أخرى، فإن روسيا تعرف كيف تلقنه درسا جديدا.
إن الصور الدرامية لبوتين، يرافقه كبار مسؤوليه، هي بالفعل من سوريا، ولكنمن المهم التركيز على زيارتين مهمتين لبوتين، لمصر ولقاءه السيسي، حيث وقعت اتفاقات اقتصادية، وفي تركيا التقى مع أردوغان.
سواء في مصر أم تركيا كانت سوريا على جدول الأعمال، وكذلك إسرائيل والقدس وبيان الرئيس ترامب. بوتين يغتنم حاليا فرصة أن الولايات المتحدة لم تعد وسيطا عادلا بالنسبة للعرب، وفعليا روسيا ترقص لعبة حساسة في الشرق الأوسط، فهي تتحالف حاليا مع المعسكر الشيعي، وفي النهاية روسيا دولى عظمى ولا ترى سوى مصالحها وفقط.
روسيا سعيدة لدخول هذا الفضاء الوليد وحاليا تقوّي علاقتها مع المعسكر السني، وقد حددت مصر وتركيا كبوابة لذلك، وهما من القوى السنية الثلاث المؤثرة في الشرق الأوسط، وتثبت الخارجية الروسية مرة أخرى أنها قادرة على تحقيق الانجازات، ليس هناك فراغ في السياسة، تقلص الدور الأمريكي فحلت روسيا وستحقق لنفسها مكاسب كبيرة.