الخميس  28 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

" سياسات الهيمنة والتِّحديات الصعبة " بقلم: رائد دحبور

2017-12-18 06:13:49 PM
رائد دحبور

ربما لا طائل أبداً من الاستمرار في وصف الحال وتأويل المؤَوَّل وإجهاد النَّفس في إثبات صحَّة ما هو صحيح، فهذا أضحى جزءً من مواقفنا وردود أفعالنا وانفعالاتنا في الغالب، كوننا أضحينا ظاهرة صوتية وكلاميَّة بلاغية غالباً، نحن الفلسطينيون والعرب بشكلٍ عام؛ فالحال يصفه الواقع بمفردات الوقائع تحت الشمس في رابعة النهار.. المهم أكثر هو البحث عن حلول ومخارج للمآزق والتحديات التي تفرضها وتضعها أمامنا سياسات الهيمنة. والمهم أكثر هو الإجابة عن الأسئلة التي طالما حاولنا التهرب من الإجابة عنها.. ماذا كنَّا ننتظر من نتائج أقل مأساويَّة لمقدِّمات كان من الواضح أنَّها أكثر كارثيَّة ؟؟.

 

هل أجبنا عن الأسئلة التي كانت تُلِحُّ بها علينا سياسات الهيمنة الأمريكيَّة المتواصلة والمزمنة في واقعنا وقبل ذلك في عقولِنا، والمُدْمَجة بكثيرٍ من الدِّعاية والدِّيماغوجيا التي كانت تلتقي بصورة أو بأخرى مع انتقائيَّتِنا ورغباتنا وأحقادِنا الدَّفينة تجاه هذا الطَّرف أو ذاك في الوطن أو في المنطقة والإقليم وحتى في العالم؟.

 

لماذا نتهرَّب من مواجهة استحقاقات الاعتراف بخطأ  تحليلاتنا ورؤانا المُتَحَذْلِقة؟! حتَّى نستطيع التفكير بشكلٍ أرشد وأصوب.. هذه ليست محاكمة للآراءِ الأخرى المختلفة، لكنَّها دعوة لمراجعة الذَّات.

 

راعَني قبل يومين وأنا أُطالع مقالاً في أحد الصحف العربيَّة – بل الدَّوليَّة - لأحدِ الكتَّاب ممَّن حولهم هالة وممن لهم صولة وجولة بلاغية وأحياناً شعبويَّة بحسب الحاجة، وممن لهم الكثير من المريدين وأَتباع الرَّأي والرَّأي الآخر وهو يصولُ ويجول ويلعب في مقاله في ملعب وعلى وتر الأكثريَّات والأقليَّات والطَّوائف وينفثُ حقده على أكثر من أقليَّة طائفية وأثنية في المحيط العربي لعدم مؤازرتها لبرنامج إسقاط الدُّول في المنطقة، ويحملها مسؤولية بقاء أحد الأنظمة العربية التي لم تسقط بفعل سياسات الهيمنة الأمريكيَّة وبفعل طوفان التطرف والإرهاب والمال الحرام. وأحصيتُ في مقاله كلمات " أقليَّة " و" أكثريَّة " عشرات المرَّات. والغريب كان حجم التعاطي الكبير مع مقاله !!.

 

أما آنَ لنا أنْ نقولَ لأمثالِ هؤلاءِ: كُفُّوا عنَّا بلاءَكُم وأزماتِكم وقضاياكُم الشَّخصيَّة مع هذا النِّظام العربي أو ذاك، في هذا الجو المُفعم بالهيمنة السياسية والأخلاقية الأمريكيَّة ؟.

 

نعم.. هذا جزءٌ من مفاعيل سياسات الهيمنة، وهذا جزءٌ من وسائل توظيف أدواتِها – سواءً علِمَتْ تلك الأدوات أم لم تعلم – فإنْ كنت لا تدري فتلك مصيبةٌ وإنْ كنتَ تدري فالمصيبةُ أعظَمُ.. وهكذا هو سياقُ الهيمنة ليس بأدوات السياسة والاقتصاد فحسب، بل بأدواتِ التدليس والكذب وتضليل الوعي، والأمر مستمر.

 

بلى.. فسياق وأوركسترا الرَّدح واللعب على العواطف ومحاولة استئجار العقول وتغييب الوعي وترسيخ الانتقائيَّة والغائيَّة الانفعاليَّة مستمر، ولن يوقفه لا إعلان ووعد ترامب حول القدس ولا سواه من إعلانات ووعود قادمة، فما أوقفه وكبح من جماحِه وأسكته احتلال بيروت وبغداد وتدمير العراق وسوريا واليمن وليبيا ولا كل هاتيك الدِّماء والضَّحايا والدَّمار والخراب، ولا ذلك الوحش الإسمنتي المُسمَّى جدار الفصل الذي يخنق الفلسطينيين، ولا كل هذه الكتلة الخرسانيَّة والدِّيمغرافيَّة التي تحيط بالقدس وتَتَمَطَّى وتَتَفَلَّى تحت الشَّمس على هضاب الضِّفة الغربيَّة، والَّتي لم تكن بحاجَةٍ إلى إعلانٍ ليُفصح عنها، فالرُّباعيَّة كانت تراها بأعينها الثَّمانيَة، والدول المانحة كانت تُسْبِلُ عليها أهداب الرَّشوة السياسيَّة والأمم المتَّحدة كانت تراها عبر عيون مبعوثيها ومراقبيها بآلاف العيون، والإدارة الأمريكيَّة وخلال ربع قرن من عمر مرحلة التسوية المزمنة كانت ترعاها بحدقات العيون، والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي لم تكن غافلةً بل مُسْتَغْفِلة !!.

 

كل ذلك جاءَ وسيجيء أكثر منه في سياقِ سياسات الهيمنة الأمريكيَّة التي نُصِرُّ على عدم فهمها، والتي إنْ فهمناها نتجاهل فهمنا لها، ونواصل التذرُّع بذات وسائل المخاتلة والهروب وآليات الدِّفاع عن الذَّات؛ ففظيعٌ جهلُ ما يجري وأفظَعُ منه أنْ ندري.. نعم، أفظعُ منه أنْ ندري – على سبيل المثال - أنَّ حجم سوق السلاح في العالم بلغ هذا العام حوالي 375 مليار دولار، حصَّة الولايات المتَّحدة وحدها من المبيعات في هذا السوق 58% أي بمعنى حوالي 217 مليار دولار ابتاع منها العرب وحدهم بمقدار أكثر من 80% أيْ ما معناه أكثر من 174 مليار دولار ستستخدم في خوض المزيد من حروب داحِسْ والغبراء فوق الصحراء ولمواصلة الهجوم على حوثيي اليمن – خصْ نص – لأنَّهم عملاء إيران، ولمواجهة البعبع الإيراني وفوبيا خطر التَّشَيُّع المزعوم !!.. وأثمانها النقدية – عشرات مليارات الدولارات، غير الهبات -  قد دارتْ في حلق عملاق المجمع الصِّناعي العسكري الأمريكي، وصبَّتْ في رَحِمِ ولَّادَةِ الوظائف الأمريكيَّة لتحقيق نبوءَة ترامب قبل أشهر: وظائف.. وظائف.. وظائف.. وذلك قبل أنْ يُعْلِنَ لاهوتِيَّاً عن القدس عاصمة لإسرائيل !!.