1.
ارتباط الإنسان بالأرض يعبّر عن عدّة معانٍ؛ منها ما هي فيزيائية بالتواجد، ووجودية بالانتماء والهوية، ونفسية تفسرها علاقة الإنسان بالمكان. الأرض بهذا المعنى هي حضور وذاكرة في آن واحد. لذلك يحاجج الإنسان على امتلاكه للأرض بالحضور الآن، وبالحضور التاريخي، أي ذاكرة الإنسان وذكرياته عن المكان. ولذلك أيضا تكوّن الأرض رمزيات كثيرة قبل أن تعتبر مجرد تراب أو حدود جغرافية. وبهذا أيضا يصبح التنازع على أرض بين فردين أمرا معقدا، فماذا إنْ كان بين شعبين كما هو الحال مع فلسطين والاحتلال الإسرائيلي. ستكون القضية هنا أكثر تعقيدا بالتأكيد خاصة وأنّ الانتماء الفلسطيني إلى الأرض يقابله حلم المحتلّ أن تكون له، ولذلك يصنع هو الآخر معناه ويعرّفها وفق مرجعياته التي تخدمه هو أيضا بالضرورة. الأرض هي المعنى، ومن يبني معناه قويا يفوز بها قبل أن يفوز بحرب.
2.
وبرغم أنّ من يصنع معنى المكان هم أصحابه، وصل الأمر بالقضية الفلسطينية إلى توسيع أبعادها وتضييقها في وقت واحد؛ من البعد العربي إلى الإسلامي(رغم وفرة هذا العدد الذي لم يفعل شيئا حتى لشعوبه...). لكن رغم هذا أيضا ماذا قدّم العرب والمسلمون للقضية؟؟! أتساءل عن البحث عن حلول حقيقية وواقعية!! تقريبا لا شيء مهم. وطبعا حدث هذا التوسيع لأبعاد القضية من طرف أنظمة عربية أغلبها انقلابية وجدت في فلسطين صك غفران لجرائمها في حق شعوبها. لكن النهاية موجعة، فتوسيع القضية من البدء كان عملية تفكيك لبنيتها بلغ مع الوقت إلى حدّ التشظي. لكن هل يمكن جمع شتات القضية من جديد؟ هل تعيش فلسطين اليوم الشتات الذي عاشه اليهود سابقا!!!!!! هل يمكن إخراجها من الأبعاد التي مزقتها إلى بعد واحد أواثنين على الأكثر:
1.فلسطين قضية الفلسطينيين أولا وأخيرا، وما دعمنا لها إلا من باب التضامن مع القضايا العادلة. فالجزائر حررها شعبها لا الأنظمة العربية، ودون أن ننسى الإعانات التي قدمها العرب لثورتنا لكنهم لم يقاتلوا معنا.. ولذا؛ يجب على الفلسطينيين أن يعودوا إلى بعدهم الأعمق: فلسطين التي تعني الشعب الفلسطيني أولا بكل تنوعاته.
2.البعد الإنساني وهنا من حق أي إنسان أن يتضامن مع القضية ويدافع عنها في حدود ما يستطيع وتسمح به قوانين دولته.
3.
يأخذنا هذا إلى قرار الكونغرس الذي رفض التوقيع عليه من سبقوا ترامب وقبل هو. لكن لا أريد الخوض في ردود فعل الشارع العربي، ولا عن انعكاساته السلبية على الواقع. بل أرى فيه شيئا مهما واحدا هو أنه فرصة ليتوحد الفلسطينيون جميعا على القضية، أن يعتبروا أنهم صاروا، بل كانوا وحدهم دوما أمام الغول، لأن الدعم العربي للقضية منذ بداياتها انتهى ببساطة إلى فقدان المزيد من الأراضي التي تم الاستيلاء عليها بالحرب أو الاستيطان.
4.
ما الذي فعلته الأنظمة العربية الآن، تاجرت بالقضية، كما ذكرنا، لتأخذ شرعيتها هي، ولتلعب بالبعد العاطفي للشعوب التي تتعلق بفلسطين لا بإسرائيل بسبب التاريخ والانتماءات المختلفة. لكن فلسطين لا يمكنها الانعتاق وهي سجينة البعد الإسلامي فقط، بل ستفعل حين تنطلق من بعدها الفلسطيني أولا، من حاجة شعبها إلى وحدته لا من انقسامه السياسي والإيديولوجي. وهنا يحضرني مثال الثورة الجزائرية التي اجتمع حولها الشيوعي والإسلامي، الأمازيغي والعربي.... لأن جبهتين منقسمتين أمام واحد هما نصف قوة فقط من منظور استراتيجي.
5.
كل الكلام الذي سبق هو للتأكيد أن إرادة الحياة والحرية يعيشها الفلسطيني واقعا وجرحا لا يبرأ، بينما تعيشها باقي الدول عن بعد.. قضية تجربة. ولأني أعتقد أن الفلسطيني قد عانى بما يكفي، أظن قرار ترامب بكل سلبياته يحمل دعوة صريحة إلى التكتّل ونسيان الخلافات والتصادمات.. الأرض لن يستعيدها إلا من يؤمن بها، أما انتظار الدعم العربي فهذا يعقد القضية أكثر. جدوا حلولا أيها الفلسطينيون الأحباء قبل أن تذهب كل الأرض ويتبدد كل الإنسان...