يصل غدا الأربعاء مايك بينيس نائب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إسرائيل بعد 14 يوما على قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها. القرار فجّر عاصفة من الغضب والاحتجاج والمقاومة التي لم تهدأ في أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة، في الضفة والقطاع والقدس والداخل الفلسطيني والشارع العربي والإسلامي والمتضامنين في العالم.
القرار لاقى رفضا عربيا دوليا شاملا، حيث وُصِف بالحماقة، ويفتقد إلى الشرعية ولا يؤسس حقا، بل هو قرار باطل من ترامب الذي وُصف هو الآخر "بالأحمق والأزعر، الجاهل بالتاريخ والجغرافيا والسياسة الدولية"، وهو يهرب من فضائحه التي تلاحقه في الداخل الأمريكي إلى أحضان اللوبي الصهيوني الذي يمثّلُ بالنسبة إليه خشبة النجاة من فضيحة "روسيا غيت" التي يقال إنها أوصلته إلى البيت الأبيض.
واليوم يصل مايك بينيس، نائب ترامب الذي وقف خلفه أثناء توقيعه القرار المتعلق بالقدس قبل نحو أسبوعين، ويقال إنه كان وراء دفع ترامب لتوقيع القرار وتشجيعه على الخطوة الحمقاء التي أثارت العالم كله وعزلت الولايات المتحدة، حيث لم تجد من يناصرها في باطلها وافترائها على الشرعية الدولية وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وفق مبدأ حل الدولتين، الذي لا يرى العالمُ حلا عمليا غيره للصراع الفلسطيني الإسرائيلي الممتد منذ وعد بلفور عام 1917 مرورا بنكبة فلسطين وقيام الكيان الصهيوني عام 1948 وحرب حزيران 1967 وانتهاء بتوقيع اتفاق أوسلو عام 1993.
يصل بينيس إلى المنطقة بدءا من القاهرة، وسط مقاطعة مسيحية ومسلمة ممثلة بشيخ الأزهر أحمد الطيب وبابا الأقباط تواضرس، وإذا كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سوف يستقبله، فإن مصر تبنّت مشروع قرار في مجلس الأمن يدعو الولايات المتحدة إلى سحب الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل ويدعو دول العالم عدم نقل سفاراتها إليها، لأن ذلك القرار من شأنه أن يعقّد الأوضاع في الشرق الأوسط والعالم، ويقدّم خدمة مجانية للتطرف مما يفاقم من الصراع ويقتل آفاق التسوية.
الشارع العربي المصري والفلسطيني تمنى من الرئيس السيسي عدم استقبال بينيس، وفي حال لقائه تمنى منه أن يسمعه موقفا يعبّر عن ضمير شعب مصر، المتمثل في مقاطعة شيخ الأزهر وبابا الأقباط لذلك المسؤول الأمريكي، الذي يجاهر بالعداء للإسلام والمسلمين وحقوقهم في القدس ومقدّساتها، ويذهب معلنا أن زيارته ستكون رسمية كنائب للرئيس الأمريكي لحائط البراق الذي يسمونه "حائط المبكى" وكأن هذه الصفة تضفي شرعية لاحتلال إسرائيل للقدس و الأرض الفلسطينية وحائط البراق في عدوان حزيران عام 1967.
مايك بينيس أعلن أنه سيزور بيت لحم مهد السيد المسيح، ولن يكون في استقباله أحد من المسؤولين الرسميين بعد أن أعلن الرئيس أبو مازن أنه لن يجتمع به أو بأي مسؤول أميركي قبل أن يتراجع ترامب عن قرارات إدارته.
وليس مشهد رجم الرئيس الأسبق جورج بوش الأبن وإهانته على المنصّة لدى استقباله في بغداد بعد غزوها واحتلالها ببعيد، إذ لا يزال في ذاكرة المواطن العربي الذي يرى في السياسة الأمريكية انحيازا أعمى للسياسات الإسرائيلية، وللسياسات المعادية للأمة العربية في مختلف مراحل تاريخها الحديث.
سيجد بينيس ترحيبا حارا في إسرائيل، وحفاوة كصديق حميم لإسرائيل ومدافع عن الحقيقة التي تدعيها إسرائيل.
لقد أخرج قرار ترامب ومن خلفه مايك بينيس، الإدارة الأمريكية من دور الوسيط النزيه في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي كانت تدعيه منذ أوسلو، إلى ما يسمى صفقة القرن التي باتت في مهب الريح بعد مقاطعة القيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس أبو مازن للاتصال بالإدارة الأمريكية، ولن تؤدي زيارة بينيس للمنطقة أي نتيجة في ظل المقاطعة الفلسطينية، فالقرار الأمريكي مسّ وجدان العرب والمسلمين وإصرار العالم في الصميم، ولن يستطيع أي مسؤول عربي في المنطقة تجاوز إرادة الشعوب والإعلان صراحة عن انسلاخه من عروبته وأسلافه، ووضع يده بيد الإسرائيليين مهما كانت الأخطار التي تتهدد بلاده. فالخطر سيكون أعظم بالتساوق مع الرغبات الإسرائيلية والإملاءات الأمريكية.
وسيجد المترددون من العرب وغيرهم أن إدارة المقاومة والتضحية، من أجل القدس والأقصى سوف تكسر الإرادة الأمريكية وازدراءها للأمة العربية والإسلامية وحكامهما.