الخميس  28 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

عهد التميمي والدعاية للاحتلال

قالت عجوز أمريكية: "واو، إنها فتاة شجاعة رائعة، وقد مكنها من عرض ملكاتها بالكامل الروح الأخلاقية العالية التي تميز تعامل الجيش الاسرائيلي." بقلم: ناجح شاهين

2017-12-22 07:36:08 PM
عهد التميمي والدعاية للاحتلال

 

قالت عجوز أمريكية: "واو، إنها فتاة شجاعة رائعة، وقد مكنها من عرض ملكاتها بالكامل الروح الأخلاقية العالية التي تميز تعامل الجيش الاسرائيلي."

 

عهد التميمي صبية صغيرة شجاعة تقاوم المحتل في قريتها النبي صالح وفي أماكن أخرى. اعتقلت عهد في نشاط مقاوم. الآن يتم تغطية عهد في وسائل إعلامنا المختلفة على نطاق واسع: عهد تصفع الجندي، عهد تصرخ في وجه الجندي، عهد تخلص شقيقها من أيدي الجنود، عهد تسحب الجندي. جنود "جيش الدفاع" (المتوحش؟) يردون عليها بالهرب، بالمناقشة، يقولون لها "خلص روخ على البيت." يدفعها قليلاً. هناك صور ومشاهد عديدة لوحشية الجيش الإسرائيلي

في التعاطي مع عهد التي لم تسفر عن خدش أصبع قدمها ولو مرة واحدة.

 

فريد الديب محامي حسني مبارك تواصل مع الرئيس محمود عباس من أجل الدفاع عن عهد. الجزيرة والميادين وويكيبيديا وغيرهم وغيرهم يتحدثون عن عهد. ربما أن عهد الان أشهر من وديع حداد، ومن عبد العزيز الرنتيسي، ولا نظن تطوع فريد الديب إلا بحثاً عن الشهرة التي سيحققها من اقتران اسمه باسم عهد.

 

عهد فتاة شجاعة ما في ذلك من شك. لكن ما الذي يريده الإعلام من قصة عهد، وما يشبهها من قصص؟ وما هو المتحقق فعلاً من جهودنا الإعلامية في هذا المضمار؟

 

يبدو أن الاعلام يريد أن يفضح ممارسات الاحتلال، ويظهره وجهه القمعي البشع. وهو ما سيقود إلى تدهور صورته لدى المجتمع الدولي. الناتج بالطبع هو الضغط على "إسرائيل" من أجل إنهاء هذه الممارسات أو حتى إنهاء الاحتلال ذاته، بمعنى إعطاء الفلسطيني مقداراً ما من الدولة "المستقلة".

 

يوم أمس صوتت الجمعية العامة في صالح قرار يرفض تصرف ترامب حيال القدس. وهناك في الواقع أكوام من القرارت الصادرة بخصوص فلسطين منذ سبعين عاماً والتي لا تغير في الوضع السياسي القائم شيئاً. نود في سياق الركض وراء التعاطف والدعم الدولي المستند إلى عدالة قضيتنا ومظلوميتنا الواضحة أن نشدد على الأمور التالية:

 

1.      الرأي العام العالمي معجب بإسرائيل وديمقراطيتها أيما إعجاب، ومثلما قالت عجوز أمريكية تابعت قصة عهد التميمي: "واو، إنها فتاة شجاعة رائعة، وقد مكنها من عرض ملكاتها بالكامل الروح الأخلاقية العالية التي تميز تعامل الجيش الاسرائيلي."

 

2.      الانطباع الكوني الراهن هو أن منطقة "الشرق الأوسط" تعيش منذ بعض الوقت زمناً وحشياً يتسم بالذبح بالسكاكين والبلطات ويشارك فيه الأطفال بالذات. وهذه هي الصورة التي رسختها مرحلة الربيع العربي والجهاد الأعمى في سوريا والعراق. وأما الإبادة الجماعية للمدنيين وعلى رأسهم الأطفال في اليمن، فلا تترك مجالاً للشك في أن ما يحدث لعهد التميمي وغيرها في سياق الهبة الفلسطينية الحالية هو عبارة عن معاملة سبع نجوم من قبل الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط المتوحش الرهيب.

 

3.      لا نستطيع تجنب الانطباع أن التغطية الواسعة (خصوصاً باللغة العربية ومن قبل قنوات مثل الجزيرة والميادين) يشكل دعاية مقصودة لهذا الشكل من النضال "السلمي" مع كونه دعاية غير مقصودة لأداء الاحتلال الناعم مقارنة بما يجري في دول الجوار جميعاً بما فيها أو على رأسها دول مثل السعودية والأردن والجزائر والامارات...الخ والسلطة الفلسطينية ذاتها.

 

4.      يعزز هذا النمط من التغطية القائم على فكرة: "هل ترون ما يفعل الاحتلال؟" اتكال المواطن الفلسطيني على وهم أن "حل" القضية الفلسطينية يجد أساسه الفعلي في مكان ما خارج فلسطين، والعالم العربي. ولقد كان المفتاح دائماً أمريكياً، واليوم هناك من يريد أن يشيع أن المفتاح قد سرقه شخص ما في ألمانيا أو فرنسا. ونظن أن هذا الوهم خطير جداً ويدمر نفس الجماهير وقدرتها على مواصلة النضال الطويل المرير من أجل "تحرير" فلسطين.

 

5.      من المريع أن هذا النمط من التفكير يسيطر على وسائل الإعلام كلها بما فيها السعودية/القطرية/الإيرانية، وهو ما يعني أن القوى المقاومة أيضاً بما فيها الجبهة الشعبية، وحماس، وفتح...الخ وصولاً إلى حزب الله ذاته تمارس "لعبة" كشف انتهاك إسرائيل لحقوق الإنسان.

 

لا يبشر هذا الذي قلناه بأي خير. وما لم يستفد المقاوم الفلسطيني والعربي من الاستنتاج الذي توصل إليه حزب الله منذ عقدين بأن المجتمع الدولي "أسطورة" لا تدفع شراً أو أذى عن لبنان مهما صدر عنه من بيانات، فإننا سنظل نمارس استعراضات إعلامية مريحة للاحتلال بينما الاستيطان يتواصل علناً ويقرض ما تبقى من فلسطين بقضمات أكبر من السابق بكثير.

 

الإعلام جزء لا يتجزأ من أدوات الصراع السياسي. هذا أمر مشروع مفروغ منه. لكن الإعلام الغبي يصبح مثل الأسلحة التي تطلق للخلف التي قادتنا إلى كارثة 1948. من ناحية أخرى لا بد من تذكر الفلسطيني/العربي المقاوم في هذه اللحظة أن دحر الصهيونية يتطلب كفاحاً حقيقياً طويل النفس بأدوات النضال المعروفة مع تطويرها وتطويعها لتتلاءم مع الشرط الفلسطيني. الإعلام طبعاً جزء من النضال ولكنه بالتأكيد ليس عمود النضال ولا ذروة سنامه على حد وصف الحديث النبوي للجهاد.