يعرفه كما عرفته، صديقنا المشترك "معاوية "
لم يكن حزينا، ولم يعرف الأمان، حار في اختيار جمل تعبر عن تاريخ صنعه بحنكة وخبرة راوٍ كاذب عن أساطير عائلته ودنيته المنسحقة!
تاه بين أكثر من آثر لعائلة كبيرة لم يتبقى منها إلا اللصوص والقتلة، حاول إيجاد إجابة على أسئلة وجودية لم يجد لها مثيل في كتب الفلاسفة القدامى.
- لماذا لديك هذا الشعور الملتبس تجاه "معاوية "؟
هل يجوز أن أِشعر بالحنق تجاه عاشق، كتب لي عشقه على صفحة جسدي بريشة غمسها في دمه، ثم قبل كل حرف كتبه في مكانه؟
- ألست غاضبة منه؟
هل يعقل أن أشعر بالغضب من فاني لم يصبر على أن يصير أحد أكاذيب الحياة؟
- هل ترتاحين هكذا وهو يسيطر على حياتك رغم رحيله الذي طال؟
في الرحيل عن هذه الأماكن المزيفة راحة أحسده عليها ، له وجود لم أقصده ، ولم يقصده ، فقد صنع القدر حالة شديدة التعقيد بيني وبينه ، جعلني أمه وأخته وصديقته وحبيبته ، في الوقت الذى لم أشعر تجاهه إلا بالحب، فكانت مفاجأة المسئولية، أنه يحتاج مني أن أقوم بكل الأدوار، فأنا أمه التي تغضبه ويعنفها بلا خوف من غضبها الذى لا يعنيه، وأنا أخته التي أحبها اكثر من أي كائن في الحياة وكانت تغدق عليه بكرم لا نظير له، ولا تتمنى له إلا السعادة، وصديقته التي تؤنس وحدته وتشاركه اهتماماته وكل ما يفعل في الكون من مبيقات ولا تنتقده أبدا، وحبيبته التي جعلها أسطورته الخاصة وصنع منها نجما لا يطوله احد غيره، ورغم كل ذلك لم يكن بالقوة الملائمة لأن يسيطر على حياتي وهو في الأرض، كان اضعف من أن يثبتني عليها، اهتزت كل الأماكن الذى مرق عليها من دقات قلبه ، فلا يثبت ابدا في مكان ، كما لم يثبت في البيت.
- كيف تقيمين علاقتك بـ"معاوية " بعد كل هذا الوقت، وبعد غدره الماكر بك؟
تخيل دنياك بلا أحد يناديك؟
بجبروته في التعامل مع الحياة، إذا ما غضبت منه وطلبت الانفصال، أجد أمامي طفلا يتوسل الرضا والغفران، يستثير في مشاعر أمه وأخته، أعطى فرصة جديدة لمارد حب لا يهدأ وعفريت موهوب يحترق بتعويذات سحر أسود، يتجدد أمل في إصلاح حال "معاوية"، سلوكه المؤذي لمشاعر منافقين دقوا أبواب الغباء الروحي ، تباهوا بأنهم الملائكة وهو الشيطان بأم عينه ، نسوا أن أكثر من أحب الله هو الشيطان ، هو من يسعى حتى تزول الأرض وما عليها ليثبت لله أنه الأجدر بثقته من أدم وآل أدم المخلوقين من طين ، "معاوية" كان جريئا في إعلان دعمه للشيطان، لم يقوم بتمثيل دور التقى المؤدب الخائف من غضب الله لأنه حالف الشيطان بعض الأحيان ودعم نشاطه المكثف على الأرض، حتى عندما داهمه المرض اللعين و الذي قرر ان يتحدى به الظروف المؤذية لروحه وحياته ، خرج للسماء يعاتب الله جهرا
-" ليه بتعمل كدا في، أنا لسه معشتش، لسة مشبعتش من الدنيا، أديني فرصة، ايه أنت شايف بعينك اهه أنا مش حمل موت دلوقتى"
وببساطة في نفس اللحظة اللي بكى فيها "معاوية " التفت لي بكل براءة وخبط رأسي براسه "روسية " يعنى وهو يقول:
- "مش هاسيبك لوحدك هنا ومش هاروح لوحدي هناك، لازم تيجي معايا"
- أنت بتتكلم بجد يا "معاوية" عايزني اموت معاك
- ايوا
- طب والبنت
- متهمنيش، انا عايزك معايا وسيبهاله هو، مش هو قادر على كل شيء، خليه هو يربيها .
أغضب بشدة، أذهب بعيدا عنه، يتحرك تجاهي وهو يتهاوى تماما وكأن السر سيخرج حالا، يجذبني بعنف من يدي، يخبطني مرة اخرى ولكن هذه المرة في الحائط السيراميكي اللامع، فتزف رأسي نزيفا مخيفا، يلتف الناس حولي، وهو يقول لهم
- مش عايزا تموت معايا بت الكلب، هاتسيبني أموت لوحدي
يهديء الناس من روعي وخوفي، يتركونه ويلتفون حولي لينصحونني بالصبر والاحتمال في حين يؤكد طبيب " معاوية " على أنني لن أشعر أبدا بما يشعر به ، فهو بين أيادي الله ، وهل يا دكتور ايادي الله يمكن ان يصدر عنها مثل هذا الشر ؟
فيجيبني الدكتور بأن الله يعطى الفرص للجميع ، فيسبه " معاوية " بلفظ مقزز ، وهو يسب الله في نفس الوقت ، ويؤكد على الطبيب ان هذا الذى يتحدث عنه ، لم يعطيه أي فرص من قبل ، بل انه منذ ولد وهو حزين وبائس ، وهل هذه فرص يعطيها إله " فرص للألم فقط.
في نفس الغرفة الذى سكنها كان هناك طفلا فلسطينيا يرافقه ابوه الفلاح البسيط الطيب الى حد البكاء ، لم أرى " معاوية " يحب أحدا في الحياة مثلما احب هذا الولد "يوسف " والده ، وعندما علم ان "يوسف " فقد عينه اليمنى خطأ ، حيث شخص الطبيب حالته على ان لديه ورم سرطاني بالعين في حين ان الامر كان لا يعدو "خراجا" يطيب بقطرة غالية الثمن فقط ، طق فى قلب " معاوية " عرقا جديدا وداهمته أزمة مميته فى ذلك اليوم ومنذ ذلك الحين اصبح ابو يوسف وكل من يزورونه من أقاربه الفلسطينين هم عين " معاوية " ، كان يطلب منى طلبات لا يفهمها احد غيره وغيرى ، ويرفض ان ابدو غير مهندمة او بملامحي شجن ، يريدني متوهجة متأنقة ، ولم يكف عن امدادي بأخر ما وصل للعالم من انجازات سواء على مستوى القراءة او على مستوى الكتابة او الكرة والسياسة ، يحدثني عن احزان بشر لا يراهم غيره ،عندما حلم بأن أخته تحيك له جلباب أبيض وسألني عن تفسير الحلم ، أجبته بأنك ستشفى ، ثار وغضب وكاد يقتلني وهو يقول لماذا تكذبين أنا اعرف تفسير الحلم جيدا ، تفلسفت عليه قائلة ، الحلم حسب نية تفسيره يا حبيبي، بكى وهو يقول، لا يا عمري ، انا سأموت وهذا كفني ، أعرف جيدا ، رأيتهم أكثر من مرة هذا الاسبوع ، يحومون حولي في المستشفى ، هربت منهم كثيرا ، فأنا أقضى وقتي كله تقريبا بالحمام حتى لا يدخلون الى ، فهو ليس واحد ، بل هم كثير ، رفضي لهم يجعلهم ثائرين على ويطاردونني ، أذهبي واستعدى، ولا تغيبي على فلن أرحمك إن غبتي على وانا ميت.