الحدث- علا عطا الله/غزة
لا يترك قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في هذه الأيام، مناسبة وطنيّة، أو احتفالا جماهيريا، إلا ويؤكدون على استعدادهم التام لخوض انتخابات فلسطينية رئاسية وتشريعية.
غير أن مراقبين فلسطينيين، استبعدوا أن تحمل تصريحات قادة الحركة أي جديّة، في تنفيذ هذه الخطوة، واصفين ما يجري بـ"اللعبة السياسية".
وقبل أشهر معدودة، كان رئيس السلطة الفلسطينية، وزعيم حركة فتح محمود عباس، يدعو إلى إجراء انتخابات عامة، وهو ما رفضته الحركة في حينه، واعتبرت إجراء الانتخابات خطوة استباقية.
هذا الرفض الذي تحول في الوقت الحالي، إلى إلحاح متكرر، لا يرى فيه عدنان أبو عامر أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة بغزة، سوى "تلويحا بورقة سياسية".
ولأنها تحاول أن "تبحث عن مخرج ما"، فإن حركة حماس، "تلوّح" بهذه الورقة وفق أبو عامر الذي أوضح في تصريحات لوكالة الأناضول: "من الواضح أن حركتي (فتح) و(حماس) تستخدمان هذه الورقة، كنوع من المناورة السياسية، الآن حركة حماس تقبل بما كانت ترفضه في وقت سابق، لأنها تعيش واقعا سياسيا مأزوما، وتحاول من خلال هذه الورقة البحث قدر الإمكان عن مخرج".
ورأى أبو عامر، أن حركة حماس "غير جادة في إجراء انتخابات قد تذهب بالفلسطينيين من معالجة الأزمة، إلى أزمة لا يمكن السيطرة عليها؛ فمن يضمن عدم حصار قطاع غزة، ومحاربة حركة حماس في حال فوزها في الانتخابات القادمة؟"، على حد قوله.
وتابع: "المشهد السياسي الفلسطيني، لا يمكن حله بإجراء انتخابات، قد تسفر عن فوز حركة فتح، أو حماس، وفي الحالتين، سيبقى الحال على ما هو عليه، إن لم يذهب نحو الأسوأ؛ فالمطلوب هنا هو شراكة حقيقية، بعيدا عن إنتاج الأزمة".
وترى حركة حماس، أن خوض الانتخابات، وإجرائها هو الحل للخروج من المأزق السياسي، كما يؤكد القيادي البارز فيها محمود الزهار، والذي قال في تصريحات صحفية قبل أيام، إن حركته "مستعدة تماما لخوض هذا الاستحقاق، وأن حركة فتح تخشى خوضها خوفا من نتائجها".
ولا يمكن تفسير هذه التصريحات، سوى بـ"المناورة السياسية"، فلا يمكن لحركة حماس أن تشارك في الوقت الراهن في أي انتخابات كما يرى "هاني حبيب"، الكاتب السياسي في صحيفة الأيام الفلسطينية المحلية الصادرة في رام الله.
وأضاف حبيب، لوكالة "الأناضول" أن تلويح حركة "حماس" المستمر بورقة الانتخابات الرئاسية، والتشريعية، "لا ينم عن قرار تم اتخاذه" داخل الهيكل القيادي لها.
وتابع: "الحركة تدرك جيدا أن المزاج العام في فلسطين، لا يتقبل إجراء أي انتخابات، وأن آخر اهتمامات الغارقين في مشاكلهم اليومية في غزة والضفة، الذهاب إلى صندوق الانتخابات".
وبحسب اتفاق المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس" الذي تم توقيعه في 23 أبريل/ نيسان الماضي، فإن الانتخابات المحلية، ستجرى فس سقف زمني 6 أشهر من توقيع الاتفاق (تقترب المدة من نهايتها)، تليها الانتخابات التشريعية ثم الرئاسية، دون تحديد موعدها بدقة أو النص على سقف زمني لإجرائها. ولم تجري أي منها حتى اليوم.
ولا يمكن لأي انتخابات فلسطينية، أيا كانت نتائجها، أن تشكل أي "رافعة ومخرج للمأزق السياسي؛ فوجود إسرائيل كفيل بنسف أي استحقاقات"، على حد قول هاني حبيب.
وتابع: "الانتخابات في ظل الاحتلال، أثبتت فشلها؛ فالنظام الفلسطيني رهن لسياسات إسرائيل، وحركة حماس تحاول من تصريحاتها حول استعدادها لخوض انتخابات الحصول على استحقاق ما، ليقينها بأن المشهد الراهن يرتبط بظروف إقليمية وعوامل خارجية".
هذه المناورة من قبل "حماس"، حسب وليد المدلل، رئيس مركز الدراسات السياسية والتنموية في غزة، "ترتبط بإجبار حكومة الوفاق الوطني على القيام بكافة مسؤولياتها".
وتابع: "من المستحيل أن تخوض حركة حماس، أو حتى تفكر في الوقت الراهن بمثل هذه الخطوة، من الطبيعي أن تراهن على الزمن، وتنتظر عما ستحمله الظروف الدولية، والمتغيرات الخارجية من حولها، لهذا هي تحاول أن تبحث عن مخرج، أو استحقاق سياسي مؤقت".
بدوره، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر بغزة ناجي شراب: "لا يمكن أن تكون حركة حماس جادة، في الاستعداد لخوض انتخابات رئاسية".
وتساءل شراب في حديث لوكالة الأناضول: "هل ستقوم الحركة بالاعتراف بإسرائيل؟، أو بما يطالبها به المجتمع الدولي"، مضيفا أن الحركة "لم تعد تتحدث عن انتخابات محلية وتشريعية، بل يصرح قادتها وبشكل واضح أنهم على استعداد لخوض الانتخابات الرئاسية".
ولا تعترف حركة حماس، ذات الفكر الإسلامي، بأحقية وجود إسرائيل، وتدعو إلى إزالتها بالكامل، وإقامة دولة على كامل أرض فلسطين التاريخية.
ولا تقبل حركة "حماس" بشروط اللجنة الرباعية الدولية (لجنة لرعاية عملية السلام في الشرق الأوسط، تضم الولايات المتحدة، وروسيا، والاتحاد الأوربي، والأمم المتحدة)، والتي تطالبها بالاعتراف بإسرائيل.
وما تريده حركة حماس، هو فقط "البحث عن مخرج سياسي من الوضع الراهن، والضغط على السلطة الفلسطينية، مقابل تقديمها لثمن سياسي يتمثل في رفع الحصار الكامل عن قطاع غزة، ولن تغامر بخوض غمار مرحلة يصعب تحمل تداعياتها، ولن تكرر تجربة 2006"، وفق شراب.
وفي خطوة وصفها مراقبون آنذاك بالتحول في فكر ومسار حركة "حماس" السياسي ، أعلنت الحركة في 12 مارس/آذار2005 قرارا نهائيا ورسميا، بالمشاركة في ثاني انتخابات تشريعية فلسطينية، وهم ما لم تقم به الحركة في أول انتخابات للمجلس التشريعي الفلسطيني في عام 1996، والذي تم تأسيسه كأحد مؤسسات السلطة الوطنية بعد توقيع منظمة التحرير الفلسطينية على اتفاق سلام مع إسرائيل والمعروف بـ"أوسلو".
وفي 25 من يناير /كانون ثاني لعام 2006، توجّه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية لصناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم في المجلس التشريعي الفلسطيني.
وحظيت تلك الانتخابات باهتمام محلي وإقليمي ودولي، وبمشاركة المئات من المراقبين الدوليين في مقدمتهم الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر.
وتميزت انتخابات 2006 بأنها جرت في أجواء تنافسية شديدة نتيجة مشاركة معظم فصائل العمل الوطني والإسلامي الفلسطيني باستثناء حركة الجهاد الإسلامي التي قاطعت الانتخابات.
وفي 26 يناير/كانون ثاني 2006، أعلنت اللجنة المركزية للانتخابات الفلسطينية، عن فوز حركة حماس بنتائج الانتخابات التشريعية بحصولها على 76 مقعدا من أصل مقاعد المجلس التشريعي البالغة 132.
وقوبلت الحكومة التي شكلتها حركة حماس، بحصار إسرائيلي مشدد عرقل عملها، كما قوبلت برفض دولي وأوروبي لعدم اعترافها بإسرائيل، وقبول الاتفاقيات السابقة بين السلطة الوطنية وإسرائيل.
واندلعت اشتباكات مسلحة بين الحركتين في مايو/ أيار 2007، وانتهت بسيطرة حركة حماس على قطاع غزة في 14 يونيو/حزيران 2007.
وشكّل هذا الحدث، علامة بارزة في التاريخ الفلسطيني الحديث، حيث انقسمت أراضي الحكم الذاتي الفلسطيني (السلطة الفلسطينية) إلى جزئين، الأول في الضفة الغربية، تديره حركة فتح، والثاني في قطاع غزة، تديره حركة حماس.
وفي فترة حكمها، عانت حركة "حماس"، من عزلة فرضتها متغيرات الوضع العربي والإقليمي، حيث فقدت حليفا قويا بعد عزل الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، في عام 2013 كما أدى اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011، ورفض "حماس" تأييد نظام بشار الأسد، إلى توتر العلاقات بينهم، إلى أن بلغت قطيعة تامة بين "حماس" ودمشق، وشبه قطيعة بينها وبين إيران، وحليفها حزب الله اللبناني.
وعقب قرابة 7 سنوات من الانقسام (2007-2014)، وقعت حركتا فتح وحماس في 23 أبريل/ نيسان 2014، على اتفاق للمصالحة، وأعلن في الثاني من يونيو/ حزيران الماضي، عن تشكيل حكومة الوفاق الفلسطينية، إلا أن هذه الحكومة لم تتسلم حتى اليوم المسؤولية الفعلية في القطاع، لخلافات سياسية بين الحركتين.
المصدر: وكالة الأناضول