يتناول الخطاب الديني قضايا كثيرة تمس صلب الحياة العامة للمجتمعات، وفي كثير من الأحيان يترك آثارًا سلبية بسبب خروج الخطاب الديني عن جوهر الدين ومصادره (القرآن والسنة)، ويعود ذلك إلى التفسيرات والاجتهادات الشخصية من قبل بعض رجال الدين الذين يدعون المعرفة دون سواهم، والتي تتضمن كثيرًا من الغلو؛ ما يدفع إلى التطرف والتجاوز، ويثير الحيرة والتوتر بين أبناء المجتمع الواحد بما يهدد تماسك المجتمع ووحدته.
ويتميز الإسلام بأنه دين رحمة وتسامح وتقبل ووسطية، والوسطية منزلة بين طرفين كلاهما مذموم، وتعني (لا إفراط ولا تفريط)، حيث يقول الله تعالى في كتابه العزيز: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا). كما يقوم الإسلام على مبادئ واضحة، أساسها توحيد الله والإيمان برسالة نبيه، وقد حض الإسلام الناس على التقوى والعبادات وحسن المعاملة: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن)، كما أوجد الإسلام قواسم مشتركة مع الأديان السماوية الأخرى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ)، ويرفض الإسلام العنف بأشكاله المختلفة (فَبِمَا رَحْمَةٍ منَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)، كما يدعو الإسلام إلى احترام المواثيق والعهود والالتزام بما نصت عليه وحرم الغدر والخيانة؛ لذا كان الإسلام دين عدل وتسامح وتآخٍ، أعطى للحياة منزلتها السامية؛ لأن حياة الإنسان هي أساس العمران البشري.
وبرغم ذلك، وبتفحص الخطاب الديني السائد اليوم، نجد كثيرًا من رجال الدين يخرجون عن هذه التعاليم، ويمسكون بتلابيب الغلو والتطرف ويظهرونه وكأنه قائم على الدين، ما أعطى أعداء الإسلام فرصة لتشويه الدين، وشن حملة ظالمة من الافتراءات والمزاعم التي أرادت أن تلصق بالإسلام تهم التعصب والتطرف والإرهاب.
وبنظرة سريعة إلى مكونات النص الديني السائد نجد أن هناك انحرافًا عن الدين السمح، ونصًّا يؤدي إلى العزوف عن الدنيا، والهروب باتجاه الآخرة، ما يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار، وعدم التكيف، وفقدان التوازن لدى أبناء المجتمع، والدعوة إلى نبذ الآخر، والخروج عن الجماعة، وينتج عن كل هذا مفاهيم دخيلة على الدين الإسلامي تتناقض مع ما جاء في القرآن والسنة، وتهدد أمن المجتمع وتماسكه.
ويشتمل الخطاب الديني المتعصب السائد اليوم على ممارسات على أبناء المجتمع، تتضمن الإرهاب الفكري استغلالاً لجهلهم، ولوقع الدين على حياة البشر، وما يتركه من رهبة تؤثر على مجريات حياتهم، بعيدًا عن تثقيفهم بالدين الحق، الذي يضمن لهم حياة سوية وطمأنينة تدفعهم باتجاه حياة أفضل وعلم ينفع.
وعلى الجانب الآخر، نجد الاتجاه الذي ينادي بتهميش الدين والتقليل من فاعليته في الحياة العامة والخاصة، مما يفقد المجتمع سلامته وأمنه واستقراره، ويصعب حينها الحديث عن السلام والعمل والانتاج والتنمية والتقدم.
وبناء عليه، لا يجوز للبعض الادعاء بامتلاك النص واحتكار الفهم الأرجح في حالات الاختلاف والتنازع، فقد يجنح ناقصو الأهلية في فقه الدين ومقاصده فيسيئون التصرف، وبدلاً من أن يتخذوا من الدين رسالة إخوة ومحبة وتناصح وبناء وتعاون وتآزر اجتماعي في إطار عبادة الله الواحد الأحد، نجدهم يجعلون منه محكمة أو محاكمات لا يتورع أحدهم نحر أخيه ماديًّا أو معنويًّا لأتفه الأسباب، وبغير موازين الحق والعدل والمسؤولية، وهكذا يتحول حامل الفكر الديني المتعصب إلى قنبلة موقوتة في المجتمع كفيلة بإثارة نار الفتنة والضلال الذي يؤسس للفرقة والتشرذم.
ويرفض بعض علماء الدين ضرورة التجديد ليبقى كل شيء كما كان تحت مظلة ليس بالإمكان أفضل مما كان، وذلك توجسًا وارتيابًا من كل حديث جديد أو مشتق منها، فهم يفضلون أن يبقى الخطاب الديني فكرًا وخطابًا ولغة وطريقة، علمًا متكلسًا مترهلاً ألف مرة على أن يناله التجديد.
إنّ تجديد الخطاب الديني ضرورة فطرية وبشرية، وبما يتناسب مع روح العصر، ولا يخالف الأسس التي جاء بها الدين الإسلامي ومصادر تشريعه القرآن الكريم والسنة النبوية، فالإسلام دين يتجاوز الأزمنة والأماكن والأشخاص.