للسينما تأثير كبير في خلق وتوجيه السلوك المجتمعي العام، كما وفي بناء الفرد الإيجابي الفاعل. السينما علم بالغ الأهمية، وهو نتاج جهود كبيرة لفنانين ومفكرين وعلماء من مختلف الأصول الثقافية والاجتماعي.
كما وتعتبر المحيط الشاسع الذي تصب فيه وتلتقي أنهار عظيمة نابعة من مختلف الفنون والعلوم والفلسفات الإنسانية، الأمر الذي أكسبه جمالا وجاذبية وأبعادا متنوعة متجددة ومتطورة بتطور المجتمع والإنسان، في هذا العلم جاذبية كان قد اكتسبها عبر مراحل زمنية طويلة، إذ كان قد امتد و تكون قبل التاريخ الفعلي لولادته، إن التفاعل البصري، الحسي والفكري، وكذلك حالات الامتزاج الخيالي الناعم السلس بين السينما والإنسان، تأخذنا إلى منطقة تستحق منا التأمل والتعمق، إذ أن في باطن هذه المنطقة، تكمن أسرار تلك التفاعلات العفوية الراقية، والتي لا يمكن لنا تجاوزها، وذلك لأهمية دورها في فهم وتفسير السينما في الإنسان. إنها المنطقة الساخنة المضيئة، التي تتجسد فيها كل أبجديات، صور وكلمات الحياة، إنها العملية الكهروضوئية النشطة، داخل الدماغ البشري، والتي لا تتوقف عن توليد الضوء، ما دام الإنسان في الحياة، تعتبر نقاط وغصون التواصل والالتقاء الضوئية وامتدادها اللا منتهي، هي المصدر النابض المتجدد في انبعاث ومضات، وأشكال بصرية غير محدودة، وتبعا لذلك تقوم بدورها وبشكل مباشر برسم خطوط نابضة بالحياة، ومن ثم تكوين الصورة داخل المخيلة.
هذا الفعل يتم نتيجة التكوين البيولوجي للدماغ، مما يشير صراحة إلى أن أقدم تكوين للصورة وجد بداخلنا، وأن مبعث التفاعلات الضوئية، وهي المؤسس لتركيب الأشكال واندماجها، ظل غائبا عنا لعصور، إلى أن أسعفنا العلم وأدخلنا في فهم لعبة عمل الدماغ، لذا فإن التركيب الضوئي للصورة في السينما، هو في حقيقته إعادة تمثيل ضوئية للعملية الطبيعية لما يجري داخل مخيلتنا.
ومن هنا بدأت عملية حساب كثافة الضوء وتركيزه، إذ كلما ارتفعت نسبة تركيز كثافة الضوء، كلما ازدادت الصورة وضوحا وتأثيرا، وتشبعت باللغة البصرية أكثر، وهذا عمليا ما يجري على الشاشة بداخلنا أيضا، تختزل الفنون في الكون، بالإضافة الى الخيال، أنواع من النبضات الحساسة، والتي كانت قد اكتسبتها من الطاقة الكونية، تلك الطاقة التي بها تسير قوانين الطبيعة والحياة، لذا فهي تمتلك قوة جذب طبيعية لبعضها البعض و للإنسان، ثم أخذت الجاذبية الحية المتجددة فيها تتفاعل، ضمن عملية تكميلية لبعضها البعض، وكانت نتيجتها ابتكار فضاء جديد يسمى الصورة، ثم جاء بعد ذلك الحلم، وبدأت ومضات الضوء تتنفس، وعانقتها الروح واندمجت، من أجل أن تشيد حلبة رقص للحلم، حلم الحركة وتحريك الفنون داخل إطار الصورة، وتحقق الحلم وتحركت الصورة بكل ما تحمله من فنون و أحلام، وأصبحت الحاجة كبيرة للمعالجة البصرية في السينما، والمعالجة هنا تكمن في عملية ترتيب الصور المتلاحقة، حسب درجة سخونتها أو برودتها في تقديم الفكرة داخل إطار الصورة، و ذلك بعد التنقيب عنها واستخراجها من ثنايا مضمون وروح النص السينمائي، والذي هنا يلعب دور الذاكرة للسينما، وذلك لما يحتويه من صور مختزلة مفعمة بالإحساس والحياة، ومن أجل تغذية الحركة في ذاكرة السينما، كان لا بد من اهتزاز الذاكرة في الإنسان إثر عملية تنقيب عفوية عن الصور، تحدث بداخلنا إثر استجابتنا لموقف انفعالي داخلي أو خارجي معين، وبعد العثور على الصور التي تنسجم مع الموقف، نقوم بعملية ترتيبها حسب الأهمية والتأثير، وذلك من أجل أن توصلنا إلى منطقة الفهم ومشاهدة الموقف، ثم نعبر عما نشاهده بوسائل تعبيرية خاصة بنا.