ظل رفض قرار التقسيم مقبولا ومعبرا عن آمال وطموحات الشعب الفلسطيني حتى اتفاقيات أوسلو التي جاءت باعتراف رسمي بدولة الاحتلال وقبول علني رسمي فلسطيني بما هو أسوأ بكثير من قرار التقسيم وباتفاقيات لا تغني ولا تسمن من جوع ولم ينفذ منها إلا ما أرادت له دولة الاحتلال ان يكون ومن يعاود قراءة الرسائل المتبادلة بين منظمة التحرير وحكومة الاحتلال يرى بوضوح حجم الكارثة التي آل إليها حالنا ففي رسالة منظمة التحرير الفلسطينية الى حكومة الاحتلال جاء بوضوح إعلان الاعتراف بحق دولة إسرائيل بالوجود وجاء في الرسالة بالنص " فإن م.ت.ف تدين استخدام الإرهاب وأعمال العنف الأخرى، وسوف تأخذ على عاتقها إلزام كل عناصر أفراد م.ت.ف بذلك من أجل تأكيد التزامهم، ومنع الانتهاكات وضبط المنتهكين.
" وجاء كذلك بالنص " ن منظمة التحرير الفلسطينية تؤكد أن بنود الميثاق الوطني الفلسطيني التي تنكر حق إسرائيل في الوجود وبنود الميثاق التي تتناقض مع الالتزامات الواردة في هذا الخطاب أصبحت الآن غير ذات موضوع ولم تعد سارية المفعول وبالتالي فإن م.ت.ف. تتعهد بأن تقدم إلى المجلس الوطني الفلسطيني موافقة رسمية بالتغييرات الضرورية فيما يتعلق بالميثاق الفلسطيني " بينما جاء رد حكومة دولة الاحتلال ما نصه وهو مضمون الرسالة بالكامل " رداً على خطابكم المؤرخ في 9 سبتمبر 1993، فإنني أود أن أؤكد لكم في ضوء التزامات منظمة التحرير الفلسطينية المتضمنة في خطابكم، فإن حكومة إسرائيل قررت الاعتراف بـ م.ت.ف باعتبارها الممثل للشعب الفلسطيني، وبدء المفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية في إطار عملية السلام في الشرق الأوسط "ومن الواضح أن لا اعتراف على الإطلاق بأية حقوق للشعب الفلسطيني والاعتراف بان منظمة التحرير الفلسطينية ممثل شرعي للشعب الفلسطيني كمن يعترف بتسمية الأب لابنه دون التزام من طرف المعترف بالتسمية بأي التزام عملي او معنوي ذو قيمة على الإطلاق اللهم الالتزام بالتفاوض وهو ما تصر دولة الاحتلال على استمرار الالتزام به إلى ما شاء الله.
اتفاقيات أوسلو إذن لم تكرس التقسيم فقط بل هي لم تحصل حتى على أي ذكر لأي حق للفلسطينيين في وطنهم وتركت كل الحقوق معلقة بالعواء تحت بند التفاوض دون أن تحدد حكومة دولة الاحتلال حتى على ماذا سنتفاوض بل تحدثت عن بدء مفاوضات في إطار عملية السلام في الشرق الأوسط ولم تأت على أي ذكر للحق الفلسطيني ولو بكلمة حتى وحتى لم يتم الإتيان على ذكر الهدف من المفاوضات وورود نص عملية السلام في الشرق الأوسط يعني تعميم الأمر كليا وعدم الإشارة لفلسطين وقضيتها لا من قريب ولا من بعيد.
ما تقدم يجبرنا على البكاء على أطلال قرار التقسيم الذي تحدث عن كيانان سياسيان في فلسطين مع إدارة مستقلة للقدس وكيان اقتصادي واحد يضمن حرية الحركة والتنقل والعمل للجميع بدون قيود أي أن القرار قسم فلسطين إداريا ولكنه أبقى عليها وحدة اقتصادية واحدة وها نحن اليوم ندير ظهورنا للقرار المذكور بل ولا نأتي على ذكره ونتناساه نحن ويتناساه العالم بما فيه الجهة التي أصدرته وهي الأمم المتحدة ولا تعير أي انتباه ولا نذكرها نحن حتى مجرد تذكير بهذا القرار دون أن يدري احد لماذا
نوافق اليوم على سلطة منقوصة ونغني لقبولنا دولة غير عضو في الأمم المتحدة ونقبل بحل خرافي اسمه حل الدولتين مع أننا جميعا نتحدث وعلنا أن هذا الحل غير قابل للحياة وبالتالي فان علينا إعادة النظر جذريا في مشروعنا السياسي بان نطالب الأمم المتحدة عبر كفاحنا الشعبي على الأرض إعادة الوحدة لفلسطين كل فلسطين تنفيذا لقرارها 181, فإذا لم نكن قادرين على توحيدها كليا فلماذا لا نعاود الطلب من الأمم المتحدة بتنفيذ القرار الخاص بها وهو قرار التقسيم رقم 181 الصادر رسميا عن نفس المنظمة في 29 تشرين الثاني 1947 وقد تبنت الأمم المتحدة هذا القرار رسميا بموافقة 23 دولة مقابل رفض 13 دولة وامتناع 10 دول عن التصويت وللعلم فان قرار قبول عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة صدر بناء على قراري الأمم المتحدة رقم 181 والقرار رقم 194 وجاء ذلك بالنص في قرار قبول عضويتها بأنه بناء على ملاحظة الأمم المتحدة أن دولة إسرائيل " تقبل دون تحفظ الالتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، وتتعهد بأن تحترمها منذ اليوم الذي تصبح فيه عضواً في الأمم المتحدة.
إذ تشير إلى قراريها الصادرين في 29 نوفمبر 1947، وفي 11 ديسمبر سنة 1948 وإذ تحيط علماً بالتصريحات والإيضاحات التي صدرت عن ممثل حكومة إسرائيل أمام اللجنة السياسية المؤقتة، فيما يتعلق بتطبيق القرارات المذكورة فان الجمعية العامة عملا بتأدية وظائفها المنصوص عليها في المادة 4 من الميثاق والقاعدة 125 من قواعد سير العمل:
1- تقرر أن إسرائيل دولة محبة للسلام راضية بالالتزامات الواردة في الميثاق، قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات وراغبة في ذلك.
2- تقرر أن تقبل إسرائيل عضواً في الأمم المتحدة.
أليس عجيب أمرنا ونحن نبحث ونسعى لاستصدار قرارات وقرارات ونعلن انتصارات وانتصارات من وهم وننسى قرارا تاريخيا موجودا أقيمت بناء عليه نفسه دولة الاحتلال نفسها ويعطينا الحق نفسه بإقامة دولتنا ... أليس أفضل وأجدى مليار مرة قبول قرار التقسيم اليوم بديلا لاستجداء قرارات تلغي حقوقنا أكثر مما تثبتها, ألا يمكن اليوم أن نقبل بدولتين على ارض فلسطين بكيان اقتصادي واحد بالقدس عاصمة موحدة للدولتين وما الذي يجعلنا نخجل من مثل هذا الطرح ... لماذا نهدد باللجوء الى محكمة الجنيات وغيرها لإدانة ضابط إسرائيلي هنا أو ضابط هناك ونحن نعلم شروط واليات عمل هذه المنظمة ولا نذهب لمحكمة العدل الدولية للمطالبة باعطاءنا حقنا في قراري 181 و 194 الأمميين, لماذا لا نبدأ كفاحا شعبيا حقيقيا قائما على هذا الأساس بدل التمسك بمهزلة اتفاقيات لم يعد يحترمها احد ولم تعد قائمة على ارض الواقع اللهم إلا بما يلغي وجودنا على الأرض ويوفر الوقت لأعدائنا لمواصلة التهويد لأرضنا والشطب لقضيتنا.
إن المطلوب اليوم من المجلس المركزي الفلسطيني في اجتماعه الذي تأخر طويلا ليس الرد على ترامب ونتنياهو بل والإقلاع كليا عن حكاية انتظار الفعل المعادي للرد عليه, وليس مناقشة التحولات والمتغيرات الجديدة لدى الآخرين أيا كانوا, بل الاستجابة الحقيقية للإرادة الشعبية بنفض اليد كليا من كل الاتفاقيات والتعهدات التي قدمت لدولة الاحتلال بكل مراحل المفاوضات وما نتج عنها, ليس لان الاحتلال لم يلتزم بشيء منها فقط بل ولأنها باتت تشكل عقبة أمام حقوق شعبنا بالحرية والاستقلال ولا بد بالتالي من العودة بأنفسنا إلى مربعنا الأول على قاعدة فلسطين كل فلسطين واحدة موحدة ديمقراطية طاهرة من الاحتلال والعنصرية وان المتاح من قبلنا فقط إذا كان لا بد لنا من التفاوض وعبر الأمم المتحدة فقط, هو التفاوض على قاعدة قراري الأمم المتحدة نفسها 181 و 194 وعلى قاعدة مواصلة الكفاح الشعبي في سبيل ذلك وعدم الارتهان إلى مساعدات هذه الدول أو تلك, والى أن يكون ذلك ينبغي لنا اعتبار فلسطين المنقوصة اليوم دولة تحت الاحتلال استنادا إلى القرارين المذكورين فقط, والبحث عن كل السبل المتاحة لتنفيذهما, والتوقف عن تجاهلهما لإرضاء أو إسكات هذه الجهة أو تلك ودون ذلك فان مصير الهنود الحمر لم ينساه احد بعد لكن احد لا يجرؤ على ذكرهم بما فيهم نحن المصابين بنفس النار.
على المجلس المركزي الفلسطيني اليوم أن يكون بمستوى مكانته كهيئة أركان لثورة شعبنا كل شعبنا, وان يجتمع بحضور الجميع وتحديدا حركتي حماس والجهاد الاسلامي, وأن لا يتنازل عن مليمتر واحد من ارض فلسطين وان يدرك أن من ينحني مرة سيتعود الانحناء ويتعود الآخرين امتطاؤه فلننفض عن ظهورنا كل من امتطى ولننهض ببلادنا كل بلادنا وشعبنا كل شعبنا ولينطلق كل الشعب ومعه أحرار الأرض بمسيرة وطنية للحرية وتوحيد الوطن وخلاف ذلك فلتقبل دولة الاحتلال بتنفيذ القرار الذي أعطاها الحق بالوجود كدولة عضو في المجتمع الدولي وتحميها قوانين من المفترض أنها أممية وتحمي كل شعوب الأرض إلا إذا أعلنت الأمم المتحدة أن الشعب الفلسطيني ليس شعبا ولا يستحق الحياة كباقي الشعوب.
إن على المجلس المركزي الفلسطيني أن لا يكتفي بقرارات سياسية فضفاضة بل وان يضع الأدوات والخطوات والبرامج الكفيلة بتوحيد وتحرير بلادنا فلسطين وتطهيرها من الاحتلال والعنصرية, برامج عملية قابلة للتطبيق وتسخير طاقات الشعب كل الشعب بعيدا عن الفئوية وإحلال القائد والفئة بديلا للفصيل والفصيل بديلا للشعب واحتكار فعل الكفاح لفظا لصالح تغييبه عمليا, وذلك عبر تقديم برامج وأدوات وخطوات عملية ممكنة التطبيق قابلة لحشد طاقات كل مكونات الشعب بديلا للفهلوة والشعارات الطنانة وتضخيم الذات الفرد والذات الحزب واستبعاد الذات الشعب بارضاخه للخطاب الرنان البعيد عن القدرات الحقيقية لشعبنا والذي يقودنا إلى الصمت في نهاية المطاف أو العودة إلى الوراء بخطاب الانتصار الكاذب إلى أن وصل الحال بنا إلى ما وصلنا إليه فلا انتصارات الكذب قادتنا خطوة واحدة إلى الأمام ولا تقديم التنازلات فعل ذلك فلا بد إذن من ابتكار أدوات وآليات كفاح تمكننا من النصر لا من تجديد خطابنا الفج ونفخ الذات بلا معنى.
ليعلن المجلس المركزي بوضوح أن عهد الانقسام انتهى فعلا والى الأبد وان المجلس سيتوجه صبيحة اليوم التالي إلى محكمة العدل الدولية للمطالبة بإلزام الأمم المتحدة بتنفيذ الشق المعطل من قرارها رقم 181 والقرار رقم 194 على قاعدة أنهما القراران اللذان أعلنت دولة الاحتلال رسميا التزامها بهما حين حصلت على عضويتها التامة بالأمم المتحدة, وليعلن المجلس المركزي رسميا وعمليا الفصل التام بين منظمة التحرير والسلطة لصالح قيادة المنظمة للسلطة لكي ينهي أوهام الحكم والاستوزار والصراع على حكومة من وهم لا حكم لها على الأرض, بعد أن باتت حكاية الحكم المنقوص الشغل الشاغل لمن من المفترض أن مهماتهم في الحرية والتحرير لم تنتهي بعد, وليلزم فصائل المقاومة الفلسطينية بالعودة إلى مهمتها الأساسية التي قامت على أساسها وهي مبرر وجودها لتحرير فلسطين, وإلا فان على أصحاب دكاكين الخطابات أن يغلقوها مرة واحدة والى الأبد لإفساح الطريق لمن لا زال أمينا على مهمته للانتصار لحقوق الشعب والوطن في الكفاح في سبيل تحقيقها عبر كفاح حقيقي على الأرض أن يفعل.