دائما ما يطرح سؤال :ما هي الطبيعة القانونية لحق الدولة على إقليمها ؟
هل هذا الحق هو حق ملكية عيني ، بمعنى أن الدولة تملك إقليمها بأجزائه المختلفة وتتصرف بها كما تشاء من بيع وتنازل وإيجار؟
هنا بداية أقول: (سيادة الدولة على إقليمها هي عمل حصري بحيث لا يتمتع بالسيادة على الإقليم الواحد إلا دولة واحدة فقط وفي هذا يقول (ماركس):لا يمكن لسلطتين سيدتين مستقلتين أن تنشطا في وقت واحد جنبا إلى جنب في دولة واحدة)
وبعد الثورة الفرنسية انتقل حق السيدة من الحاكم إلى الشهب وأصبح ينظر إلى الدولة كمؤسسة لها شخصية منفصلة عن شخصية الحاكم ولكن فقهاء القرن التاسع عشر بقوا ينظرون إلى العلاقة بين الدولة وإقليمها على أساس علاقة ملكية وكل ما هنالك انهم أصبحوا يعتبرون (الأمة) هي المالكة بدلا من الملك أو الأمير سابقا
ومما يقوله الفقيه الفرنسي (فوشيل) في هذا المجال:
(أن استقلال الدولة ينطوي بحكم الضرورة على حقها المنفردة في جزء من الكرة الأرضية وهذا الجزء يكون إقليمها. والحيازة المنفردة و الكاملة للإقليم عنصر جوهري وتكويني للدولة وشرط لاستقلالها وحق ملكية جزء من الكرة الأرضية هو حق أساسي لكل دولة تمارس فيه بمواجهة الدول الأخرى حقها في التشريع وحقها في القضاء في التنفيذ لصالح رفاهية الأمة.
ورغم ما في هذا الرأي من الوجاهة ورغم أن نظرية ملكية الدولة لإقليميها يمكنها أن تشكل مستندا قانونيا لنظريات أخرى في مضمار التعامل الدولي مثل (نظرية السيادة المشتركة) ونظريات اكتساب الإقليم بواسطة الشراء و التنازل ووضع اليد ونظرية الاتفاق الدولي....الخ .فان نقصا خطيرا يقودها من حيث أنها لا تصلح لتسويغ ملكية الدول الأجنبية لعقارات داخل إقليم الدولة نفسها وكذلك تتعارض مع ملكية المواطنين الخاصة داخلها أيضا إذ انه لا يمكن قبول وجود مالكين لأرض معينة إذ كانت الدولة تملك هذه الأرض أصلا.
من جملة ما ذكرناه نستنتج أن سيادة الدولة على إقليمها هي عمل حصري بحيث لا يتمتع بالسيادة على الإقليم الواحد إلا دولة واحدة فقط وفي هذا يقول (ماركس):لا يمكن لسلطتين سيدتين مستقلتين أن تنشطا في وقت واحد جنبا إلى جنب في دولة واحدة) ولا يستثنى من ذلك سوى حالة (السيادة المزدوجة) حين تملك دولتان معا السيادة على إقليم واحد بالتساوي والمثال على هذه الحالة السودان بين 1899 و 1956 حيث كانت مصر بريطانيا تمارسان السيادة عليه بشكل مشترك وكذلك جزر (هيبريد) الجديدة التي ظلت فرنسا وبريطانية تمارسان سيادة مزدوجة عليها حتى استقلالها عام 1980م.
وأما في حالتي استئجار الإقليم (استئجار الولايات المتحدة لقاعدة (غوانتانامو الكوبية مثلا) أو احتلاله حربا من قبل دولة أخرى فانهما لا تشكلان استثناء لمبدأ تفرد السيادة في الإقليم حيث تبقى السيادة في هاتين الحالتين للدولة الأصلية مالكة الإقليم شرعا ولا تمارس الدولة المستأجرة أو القائمة باحتلال إلا (سلطة فعلية) بدون أن تنتقل إليها السيادة المؤخر أو المحتل.