الحدث- ريم أبو لبن
كم مرة قد رُدد على لسان المواطن الغزي #بدنا_نعيش؟! وكم مرة بُدّلت الأمنيات وقد أضحت من سيء لأسوء بحسب تقديرات اقتصادية؟! وكم مرة خرج أحد القادة ليبشر سكان غزة بـ "الفرج"؟! ..عام 2017 كان عام الوسوم " الهاشتاجات" على قطاع غزة ومن بينها ( #غرد_بانفراجة"، #سامح_ تؤجر، #بكفي_حصار، #الأمة_الواحدة وغيرها...)، وكلها تعبيرات قد خطت إلكترونيا عبر مواقع التواصل ولكن مضمونها ينفذ على أرض الواقع.
"على السلطة أن تعلن بأن غزة منطقة منكوبة ... هذا هو الحل".هذا ما أكده لـ"الحدث" الخبير الاقتصادي معين رجب واصفا بذلك تراجع الوضع الاقتصادي في قطاع غزة بعد توقيع المصالحة في القاهرة في شهر أكتوبر من العام الماضي و ما بين حركتي "حماس" و"فتح".
قال الخبير رجب لـ"الحدث": "الوضع الاقتصادي في غزة بعد توقيع المصالحة قد تغير في الاتجاه الأكثر سوءا يوما بعد يوم، والخناق قد ازداد علينا ولا مفر من ذلك".
أما الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم قال : "الحكومة الفلسطينية عليها أن تسرع في إنهاء ملف المصالحة ومن دونه لن تحل العقوبات الواقعة على سكان غزة بجانب الحصار الإسرائيلي والموقف المتردد المصري، الانفجار الاقتصادي في النهاية سيؤدي إلى انفجار سياسي أمني يصعب تطويقه".
غزة بعد المصالحة
"الإغلاق هو الإغلاق ذاته ومنذ سنوات، كما أن الحصار هو الحصارذاته ، ونقص الكهرباء وزيادة الفقر وتفاقم مشكلة البطالة، هي أمور لم تحل بعد لاسيما وأن 70 % من الشباب الغزيين لا يعملون، وبجانب هذه المؤشرات أصبح المواطن الغزي لا يملك سيولة مالية لشراء احتياجاته الأساسية، غير أن راتبه الوظيفي لا يُحصّله بشكل كامل وتتراكم عليه الديون". هذا ما أكده الخبير رجب.
واستكمل حديثه : "ديون التجار في تزايد أيضا، غير أن المحاكم تعج بالقضايا والمديونين، والقضاة بدورهم غير قادرين على البت في قضايا المنازعات المترتبة نتيجة الإخلال في سداد الدين أو الشيكات الراجعة".
وقال واصفا قطاع غزة وما آلت إليه الظروف فيها: " نحن في سجن كبير ومغلق، وكل سجن لديه نظام يكفل حقوق السجناء، نحن ليس لدينا من يكفلنا".
وفي وصف آخر للوضع الاقتصادي الذي حل في قطاع غزة، قال الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم لـ"الحدث": "غزة تعاني من بؤس اقتصادي، والحصار على حاله، والإنفاق الحكومي على حاله".
وأضاف: "المؤشرات الاقتصادية في قطاع غزة هي الأسوء مقارنة في الضفة الغربية، سواء على صعيد البطالة أو الفقر أو على صعيد السيولة والعمالة، وحتى المساعدات تتقلص".
وعن الديون المتراكمة على السلطة الفلسطينية والناشئة عن وجود عجز في الميزانية، أوضح الخبير الاقتصادي معين رجب بأن السلطة تعتقد ومن خلال زيادة مديونيتها بأنها ستغطي بذلك العجز الذي أصاب الميزانية". مضيفاَ : "هذه الديون قد تراكمت على السلطة لتبلغ (6-5) مليار دولار، فهي تشكل عبئا يضاف إليها".
في ذات السياق، قال الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم عن تراكم الديون: " الديون ليست على الضفة الغربية وإنما على جميع الشعب الفلسطيني وهي تطال قطاع غزة أيضا، غير أن ما نسبته 90% من هذه الديون نشأت على السلطة قبل حدوث الانقسام".
عضو الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة العامة مؤيد عفانة أكد لـ"الحدث" ووفق تقرير صادر عن وزارة المالية والتخطيط الفلسطينية لعام 2017 بأن الدين العام المتراكم على السلطة الفلسطينية قد بلغ حتى تاريخ 30-11-2017 (8,851.2) مليون شيقل. وهو بذلك قد انخفض منذ مطلع العام حيث بلغت قيمة الدين (9.5) مليار شيقل.
وعن سبب انخفاض الدين العام، قال عفانة: " انخفض الدين بفعل انخفاض قيمة الدولار لاسيما وأن الدين العام يقاس بعملة الدولار، فالحكومة استفادت من هذا الانخفاض، غير أن الحكومة عمدت على سداد جزء بسيط من الديون المتراكمة عليها حتى لا يصل الدين بها إلى الخط الأحمر أي 10 مليار شيقل".
التجار أكثر تأثرا
قد يكون القطاع التجاري هو الأكثر تأثرا في ظل التدهور الاقتصادي الذي يعيشه سكان غزة، لاسيما وأن التجار قد خرجوا عن صمتهم اليوم لإعلان إضرابهم، بسبب تراكم الديون عليهم وعدم قدرتهم على سدادها.
قال أحد التجار في غزة أثناء الإضراب لـ"الحدث" : " نحن لا نعيش بنعيم، والقطاع التجاري قد تدمر، وعندما نريد التفكير بإنجاز أي مشروع يغلب علينا التفكير بتوفير الكهرباء".
وقال تاجر آخر لـمراسل "الحدث" في غزة : " الشعب يعاني من الجوع، والحل بأن يقوم الرئيس عباس برفع الذائقة عنا وأن يفتح المعابر... بدنا نعيش".
" إذا التجار هم المحرك الأساسي لتنشيط الاقتصاد في غزة، فهم يعملون في ظل مخاطر كبيرة تتصيدهم، وهم يعلنون إضرابهم لتزايد ديونهم المتراكمة، غير أنهم لا يجدون من يقدم لهم البضائع، وفيما أصبح المشتري غير قادر على الشراء إلا بالدين، والديون قد تراكمت، ومن يسد هذا الدين؟". هذا ما أكده لـ"الحدث" الخبير الاقتصادي معين رجب.
مؤشرات اقتصادية قد سبقت اتفاق المصالحة بأسابيع قليلة، وكلها تصب في واقع مفاده " إنعاش الوضع الاقتصادي"، ولكن هذه المؤشرات قد أصابها الشك ليصبح الواقع الأن " غزة في كارثة.. وبلا انعاش".
غير أن البعض قد تبنأ بأن غزة ستمر بمرحلة انتقالية مع اتفاق المصالحة، وستتحول تجارة الأنفاق السابقة والتي كانت تتم " تحت الأرض" إلى تجارة شرعية " فوق الأرض" وعبر المعابر؟ ولكن ماذا حصل الآن؟ لا فوق ولا تحت بحسب مؤشرات خبراء الاقتصاد.
"في الأحوال العادية كانت التجارة عبر الأنفاق يصل حجمها إلى مليون دولار يوميا، فكيف هو الحال على مدار سنة كاملة؟ هذا ما أكده الخبير الأقتصادي معين رجب لـ"الحدث".
الخبير الاقتصادي ماهر الطباع قال لـ"الحدث": "أصبحت التجارة عبر "الأنفاق" محدودة في يومنا هذا، لاسيما وأن غزة كانت تعتمد عليها بشكل أساسي حتى منتصف عام 2013، إذ قام الجيش المصري بعد هذه المدة بإغلاقها، ولكن هناك بعض "الأنفاق" التي لم تغلق بعد وعددها قليل جدا، لذا فإن التجارة تتم من خلال معبر كرم أبو سالم وضمن قائمة السلع التي تحددها إسرائيل".
في ذات السياق، أوضح رجب بأن التجارة عبر الانفاق لم تعد موجودة وأصبحت أكثر انضباطا بسبب أحداث سيناء، وإن وجدت فهي تستخدم لتمرير السلع البسيطة مثل الدخان.
قال الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم: " القطاع التجاري والخدماتي هو من سيتأثر اقتصاديا، وسينتقل هذا التأثير لاحقا و بشكل أكبر إلى قطاع البنوك والصناعة، لأن قدرة المواطنين على الاستهلاك قد تراجعت مع تراجع تقديم المساعدات لهم وتحديدا من وكالة الأونروا، وتقليص الخدمات للمواطنين".
أضاف : " التأثير لن يتوقف عند قطاع معين وإنما سيتدحرج ليصل القطاعات الأخرى في غزة".
الاتحاد الأوروبي خيار واقعي
بالحديث عن المساعدات الخارجية التي تصل قطاع غزة، قال رجب : " كانت غزة تعتمد على المساعدات التي تقدمها قوافل التضامن وبشكل يومي، وهذه المساعدات تقدر بـ مئات الملايين. وبعد عام 2013 منعت الحكومة المصرية دخول أي قافلة، لأنها ترى بأن غزة تدعم سياسة الإخوان المسلمين، وهذا كنوع من العقاب الذي فرض على غزة".
أضاف: "غزة معزولة عن العالم الخارجي، ولا تستطيع التواصل مع الخارج وعبر القنوات الرسمية، وبالتالي هي لا تستطيع أن تستدين من أي مصدر خارجي ولا تتعامل مع البنوك، فهي محاصرة ماليا وليس لديها من يقدم لها القروض غير أن المساعدات المقدمة محدودة".
وعن الاجراءات الجديدة التي فرضتها الإدارة الأمريكية بخصوص تقليص الدعم المقدم للسلطة الفلسطينية وقطع المساعدات، قال الخبير نصر عبد الكريم : "الأونروا تطلق محاولات لتعويض النقص الذي أصاب ميزانيتها بفعل إدارة ترامب وذلك عبر تجميع الإيرادات والدعم المالي من الدول العربية وصندوق التنمية الإسلامي، بجانب البنوك ورجال الأعمال".
إذا لا مجال للفشل أمام وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) غير أن الدول العربية لديها القدرة الكامنة لتقديم المساعدات وتعويض النقص في الموازنة.
وعن هذه الجهود المبذولة قال عبد الكريم : " لحتى هذه اللحظة لا يوجد استجابة لهذه التوجهات".
البعض قد دعا لأن يكون الاتحاد الأوروبي هو وسطا للسلام كبديل عن الولايات المتحدة الأمريكية، فيما أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس أثناء انعقاد جلسة المجلس المركزي على أنه لن يقبل أن تكون الولايات المتحدة وسيطا في أي عملية سلام مع إسرائيل.
"الاتحاد الأوروبي هو خيار واقعي لتقديم الدعم والمساعدة للسلطة الفلسطينية بدلا من التوجه العربي". هذا ما أكده الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم.
أضاف : "وهم يدركون أكثر البعد السياسي والاقتصادي في غزة، ويعون للأسف أهمية وقف النزيف في غزة أكثر من الدول العربية، وهم مرشحون للتدخل أكثر من الدول العربية".
إذا وضع اقتصادي وصفه خبراء الاقتصاد بـ "الكارثة الانسانية"، وتوجهات جديدة لتعويض النقص من خلال ما تقدمه الدول العربية وقد يكون الاتحاد الأوروبي هو الخيار الأنسب في هذا. ولكن ماذا سيفعل المواطن الغزي؟ هل سيستمر في إعلان إضرابه التجاري؟
مؤسسات القطاع الخاص في غزة تنظم غدا وقفة احتجاجية في ظل اتفاق المصالحة الفلسطينية، وذلك لمطالبة الحكومة الفلسطينية بتحمل مسؤولياتها في القطاع وانعاشه مجددا.