بقلم: عمار جمهور
قال زميلي في غرفة التحرير معقبا على أحد البيانات الصحفية، "هذا بيان متعوب عليه، ولا أحبذ جمعه في قطعة إخبارية مع بيانات أخرى بشأن الموضوع ذاته". أحسن زميلي الوصف والتشخيص، فالبيان الصحفي يجب بالضرورة ان يقدم موقفا حول قضية محددة، وألا يفترض في القارئ أن يمتلك المعلومات الضرورية لفهم السياق الذي جاء فيه البيان وتداعياته.
لذلك، وعلى صعيد مضمون المادة الاعلامية، يجب على البيان ان يتضمن معلومة تهم المتلقي، وتخاطب عقله، مدعمة بالارقام والحقائق، وما يلزم من معلومات اخرى اساسية تبرهن صدق موقفك وصدق ادعائك، على ألا يتم اغفال قضية محورية تتمثل بـ "أنسنة الموضوع"، وأن تحاول تمرير رسائلك الاعلامية بنجاح لاكبر عدد ممكن من الجمهور المستهدف Target Audience، فقد يحمل البيان رسائل اعلاميةMedia Messages موجهة الى صانعي السياسات واصحاب القرار، واخرى موجهة لمخاطبة الجمهور المتأثر من تلك السياسات، وهنا تكمن اهمية تحديد الجمهور المستهدف بدقة متناهية لصياغة الرسائل الاعلامية الصحيحة والمتقنة. وتعتبر صياغة مضمون وفحوى الرسالة الاعلامية من اعقد القضايا الاعلامية، لان نجاحها يتطلب مهنية ومهارة عالية، وتشخيصا دقيقا لصدى الرسائل الاعلامية لدى المتلقي ومدى الانطباعات والمواقف التي قد تنتج عن الجمهور المستهدف جراء رسائلك الاعلامية، وهذا يأتي ضمن ما يعرف بادارة الرسالة الاعلامية وفحواها وما يعرف عالميا بـ Media Management.
اما على صعيد ادارة عملية الاتصال Communication Management، فيتطلب ان تختار كعلاقات عامة، المنصة الاعلامية Platform Media الاكثر فعالية وفاعلية لحمل المادة الاعلامية، التي تتضمن رسائلك، بغرض الوصول الى اكثر نسبة ممكنة من الجمهور "عدديا"، واعلى نسبة تأثير في الجمهور "مضمونا".
ولأن ممارسي العلاقات العامة خلال صياغة بياناتهم ونشاطاتهم الاعلامية يهدفون الى تحقيق ما يعرف بـ Strategy Statement، التي تتم صياغتها بالتوافق ما بين "العلاقات العامة، والاعلام، والتسويق، والترويج... وغيرها"، وصانع السياسة العامة في المؤسسة بالاستناد إلى قيم المؤسسة المنسجمة بالضرورة مع ثقافتها ورسالتها ورؤيتها، وصياغة رسائل اعلامية مقصودة، تستهدف الجمهور عبر وسائل الاعلام، ما يتطلب منهم تحديد إستراتيجية العلاقات الاعلامية الافضل أو اتباع ما يعرف بـ Media Relation Strategy- هنا تأتي الإستراتيجية بمعنى "الكيفية" الملائمة للوصول للغاية "الهدف الرئيس" المراد تحقيقه- التي تعتمد على تحقيق الاهداف الفرعية للوصول للهدف العام Strategic Goal، عبر تسلسل تحقيق الاهداف الفرعية Hierarchy of Objectives، حيث تسعى الاهداف الفرعية للعلاقات العامة Public Relations Objectives، للتوعية Awareness او لتحقيق قبول بقضية ما Acceptance او للقيام بفعل ما Action، او لإحداث تأثير معين Specific Effect. والتي يجب ان تكون محددة Specific، وقابلة للقياس Measurable، وواقعية Realistic، ومحددة بسقف زمني، ومرتبطة جوهريا بتحقيق الغاية العليا Goal related، ومرتبطة بـذوي العلاقة او المصلحة سواء كانوا Shareholder or Stakeholder، عبر جملة من التكتيكات الاعلامية.
وتنقسم الإستراتيجيات وفق Media Relation Strategy، الى انواع متعددة مختلفة ابرزها: إستراتيجية وسائل الاعلام التقليدي Strategy Traditional Media، او استراتيجية وسائل الاعلام الحديث New Media Strategy، سواء كانت تلك المبنية على ميزات Web 1.0 مثل المواقع الإلكترونية او تطبيقات الهواتف الذكية التي لا تتضمن خصائص للحوار والتفاعل بين المرسل والمتلقي، وتلك المبنية على ميزات Web 2.0، والتي صممت بالأصل لايجاد مساحات للحوار وتبادل الافكار والتفاعل مع الجمهور مثل وسائل التواصل الاجتماعي Social Media.
اما التكتيكات الاعلامية Media Tactics، فإنها تتعلق بالممارسات الاعلامية التي يقوم بها العاملون في قطاع العلاقات العامة، والمتمثلة بعدد البيانات الصحفية وجدول توزيعها زمانيا، او النشاطات التي تتم ممارستها في وسائل الاعلام الاجتماعي مثل المنشورات على الفيس بوك او التغريدات على تويتر وتوقيت نشرها وامكانيات اعادة النشر بصيغ ومضامين اعلامية مختلفة، تتناسب وتتقاطع مع اذواق الجمهور ورغباته وتفضيلاته، مثل نشر "بوست" او مقطع فيديو، او تعليق، او سؤال لخلق حوار او استطلاع للتعرف على توجهات الناس ونزعاته Trends، وتحديد وسيلة الاعلام الاجتماعي المنسجمة مع طبيعة المادة المراد نشرها، بما يساهم في تحقيق الهدف الاعلامي الإستراتيجي الاعلى.
البيان الصحفي ابرز تجليات المنتج الاعلامي للعاملين في حقل العلاقات العامة Practitioners Public Relations ، ولا بد من اعادة التبصر في مضامين البيانات الصحفية وجدوها، ومدى تأثيرها في خدمة الهدف العام، ومساهمتها في تحقيق الرؤية الاعلامية الشمولية للمؤسسة، كما انه من المهم فلسطينياً تغيير مفهوم العلاقات العامة، والنظر اليه كحقل معرفي جدي له نظرياته واصوله، وان يتخطى الفهم الفلسطيني ما هو ابعد من اقتصار العلاقات العامة على تبادل زيارات المجاملة في المؤسسات العامة والخاصة واحتساء كوب من الشاي او فنجان من القهوة، والادراك انه حقل يرتبط بممارسات تهدف الى الترويج Promotion لتحسين سمعةReputation المؤسسات والدول، وتحقيق مكاسب مادية ومعنوية، وتطوير ذلك للوصول الى ما يعرف بخلق علامات تجارية Branding، قد تتجاوز الفعل الاقتصادي لترتبط بالترويج السياسي والتجاري والثقافي والفني لقضايا الدول على الساحة الدولية، فعندما نتحدث عن سيارةBMW ، فاننا نتحدث عن الفخامة والرفاهية والقوة المرتبطة بصورة المانيا كدولة حاضنة للشركة ومصدرة لهذا النوع من السيارات، وعندما نتحدث على Volvo فذلك يرتبط بالامان وبالسويد كدولة منتجة لهذا النوع من السيارات.
هذه السمعة وهذا الربط جاء بعد عشرات السنين من الجهود التي بذلتها هذه الشركات وغيرها، بهدف خلق علامات تجارية ورموز تسويقية، رسخت في اذهان المتلقين انطباعات وقناعات تدفعهم في كثير من الاحياء لاتخاذ قرارات وتنفيذ افعال متماشية مع رؤى هذه الشركات واهدافها التسويقية Marketing.
فلسطينيا، من الاهمية بمكان النظر الى ترويج الفعل الثقافي الفلسطيني على الساحة الدولية، وخاصة فيما يتعلق بالافلام الفلسطينية التي حازت على جوائز في مهرجانات عالمية، او المشاركات الفلسطينية في فعاليا دولية مهمة، كمشاركة الفنان محمد عساف في حفل افتتاح منديال البرازيل عام 2014، مرتديا الكوفية العرفاتية الفلسطينية.