الخميس  28 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

بماذا يعود نائب ترامب إلى واشنطن؟/ بقلم: سامي سرحان

2018-01-23 11:52:36 AM
بماذا يعود نائب ترامب إلى واشنطن؟/ بقلم: سامي سرحان
نائب الرئيس الأمريكي بنس

 

ترافقت زيارة النائب الرئيس الأمريكي مايك بنس لمصر و المملكة الأردنية الهاشمية و إسرائيل هذا الأسبوع، مع إنهاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عامه الأول في البيت الأبيض كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية .

 

وإذا كان الرئيس ترامب مثيرا للجدل في سياسته الخارجية والداخلية، فإن نائبه بنس أكثر إثارةً وأشدّ تطرفا وعنصرية.

 

أنهى ترامب عامه الأول وسط مظاهرات لم تشهد مثلها الولايات المتحدة، حيث خرجت هذه المظاهرات احتجاجا على سياسته التي تنطلق من معارضته لسياسات سلفه باراك أوباما، وبدا و كأنه مسكون بشيطان أوباما فَشَيطَنَجط

 

 إيران، وأغلق كل الأبواب أمام أي تفاهم معها باعتبارها دولة مارقة تزعزع الاستقرار في الشرق الأوسط، ولا تحترم بنود الاتفاقية النووية عكس ما تقوله اللجنة الدولية للطاقة الذرية في هذا الأمر، التي لا تتطرق إلى الصوارخ البالستية أو حزب الله، فأعاد حزمة جديدة من العقوبات الاقتصادية على إيران، وهلل لموجة الاحتجاجات التي شهدتها بعض المدن الإيرانية لعوامل اقصادية و مطلبية ممنيا نفسه بربيع إيراني على غرار الربيع العربي الذي دمر مصر و تونس و ليبيا و العراق و سوريا واليمن وامتدت آثاره لتطال السودان ولبنان والمغرب و البحرين والسعودية.

 

بدأ ترامب عهده بزيارة السعودية و ترأس قمة عربية إسلامية ضمت أكثر من خمس و خمسين دولة، وهو الذي أعلن في حملته الانتخابية سياسة مناهضة للإسلام وجميع الدول الإسلامية، وألصق تهمة الإرهاب بالإسلام و المسلمين، ومنع دخول رعايا عدد من الدول الإسلامية للولايات المتحدة. ومن الرياض انتقل مباشرة إلى مطار تل أبيب في خطوة غير مسبوقة في العلاقات السعودية - الإسرائيلية.

 

وبدأ الحديث عن "صفقة القرن" التي تركز على تحالف عربي إسرائيلي و تطبيع العلاقات علنيا برعاية أمريكية لمواجهة إيران،  لكن قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس و الاعتراف بها عاصمة لدولة إسرائيل، قلب الطاولة أمام إدارة ترامب و مستشاريه المؤيدين لدولة الاحتلال الإسرائيلي، ولم تعد الأنظمة العربية و الإسلامية التي استقبلت ترامب بحفاوة في الرياض، قادرةً على السير معه بنفس السرعة و الحماسة التي بدت عليها في الاجتماع، وهي ترى شعوبها تستنكر وتتظاهر ضد ترامب، وضد السياسة الأمريكية التي تحاول المسّ بالقدس باعتبارها جزءا من عقيدة المسلمين و المسيحيين على السواء، لذا فقد تعقدت علاقات إدارة ترامب مع الدول المركزية في المنطقة السعودية و مصر والسلطة الفلسطينية وبات مسار التسوية و صفقة القرن أكثر صعوبة، بل يمكن القول أن صفحة السلام قد طويت في الشرق الأوسط على الأقل للسنوات الثلاث القادمة.

 

ويسعى مايك بنس في جولته إلى تهدئة ملف القدس، غير أنه جوبه برفض فلسطيني للاجتماع به، وبتمسك مصري بالموقف الثابت تجاه القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشريفة، ولعل أكثر شيء لافت في الموقف المصري هو مكان الاجتماع الذي دعا إليه الأزهر لنصرة القدس وحضره ممثلون لأكثر من ثمانين دولة إسلامية و مسيحية، حيث ترافق الاجتماع مع زيارة بنس كرسالة له وهو المسيحي المتشدد والمتصهين، بأن القدس خط أحمر رغم المساعدات الأمريكية لمصر والتي تعتبر ثاني أكبر المتلقين لهذه المساعدات بعد إسرائيل ورغم الاتفاقيات الأمنية و مكافحة الإرهاب في سيناء.

 

 وما أكد عليه الملك عبد الله الثاني ملك الأردن أن الحل في الشرق الأوسط يجب أن يقوم على أساس قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وأعربَ عن قلقه من قرار ترامب حول القدس. ولم يجد بنس من يحتفي به غير بنيامين نتنياهو الذي وصفه بالصديق العظيم والكبير لإسرائيل ولكن القدس وشعب القدس العربي الفلسطيني، أظهر سخطه على زيارة بنس بإضراب شامل وتعطيل للحياة في المدينة المقدسة  ومقاطعة نواب القائمة العربية المشتركة في الكنيست الإسرائيلي لخطاب بنس أمام الكنيست.

 

لقد أقدمتْ إدارة ترامب في عامها الأول على مجموعة من القرارات المعادية للشعب الفلسطيني كوقف المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية، وتعليق  العمل في مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وتقليص المساعدات لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وكأن قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل كان القشة التي قصمت ظهر البعير، وأجهز على ما تبقى من أوسلو وعملية السلام ودفع القيادة الفلسطينية إلى تعليق اعترافها بإسرائيل وإلى التشكيك بصلاحية الإدارة الأمريكية برعاية استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وسيعود نائب ترامب من جولته خالي الوفاض إلى رئيسه ليطوي صفقة القرن التي باتت صفعة لترامب بعد أن بدت كصفعة للعرب والمسلمين، فقد نص ترامب بقراره وانحيازه لإسرائيل بمصداقية الولايات المتحدة المشكوك بها أصلا والتي لا ترى غير إسرائيل حليفا وشريكا لها بالمنطقة وتبني سياستها الشرق أوسطية، على رعاية المصالح الإسرائيلية أولا وثانيا و ثالثا، لكنها بقرارها حول القدس وجدت الفلسطينيين والعرب والمسلمين في موقف رافض للسياسة الأمريكية وأعادت للقضية الفلسطينية وهجها ومركزيتها ونفضت الغبار الذي تركه حولها على الأقل لدى الشعوب العربية والإسلامية ومحبي السلام والعدل في العالم الذين انتفضوا وأعربوا عن خيبة أملهم في إدارة ترامب وقرارها حول القدس.

 

لن يعود بنس إلى رئيسه في البيت الأبيض ببشائر مطمئنة حول صفقته سواء في الشأن الفلسطيني أو تكوين حلف مناهض لإيران، وربما يعود إليه وهو يقف متذيلا أمام حائط "المبكى" يعتمر طاقية التطرف الديني، عسى أن يشكل ذلك، حبل نجاة للرئيس الأمريكي ويكمل السنوات الثلاث المتبقية من ولايته.