الخميس  28 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

زيارة مايك بنس وإلحاح السؤال حول طرق المواجهة بقلم: ناجح شاهين

2018-01-25 10:10:57 AM
زيارة مايك بنس وإلحاح السؤال حول طرق المواجهة
بقلم: ناجح شاهين
ناجح شاهين

مايك بنس يشرفنا بزيارته أخيراً. ترى ماذا نستطيع أن نقول لهذا الرجل، أو ماذا يمكن أن نفعل له، أو ضده، من أجل التأثير في تفكيره واتجاهاته وقراره السياسي المتصل بنا؟

 

بنس مسيحي إنجيلي متشدد، يؤمن تماماً بأن موعد عودة المسيح قد أصبح قريباً، وبالطبع لا بد من فعل كل ما يلزم من أجل تسريع قدوم مملكة الرب. نقل العاصمة الأمريكية إلى القدس خطوة مهمة دون شك في ذلك الاتجاه.

 

كان بنس وما يزال صديقاً حميماً للسناتور جون ماكين الذي لا يقل عنه تشدداً وكراهية للعرب والإيرانيين والشرقيين جميعاً. وليس سراً أن بنس منذ دخوله معترك السياسة من بوابة ولاية إنديانا والكونغرس ومجلس الشيوخ، قد عبر بوضوح كاف عن تأييده المطلق والراسخ لإسرائيل في مواجهة إيران وحزب الله وغزة.

 

وقد أيد بداهة غزو العراق والبقاء فيه إلى الأبد، وهذا يعني أنه عارض انسحاب أوباما المحدود مع الاحتفاظ بقواعد عسكرية على أرض العراق. وقد دعم أيضاً بكل قوة قصف ليبيا، ورحب بإزاحة القذافي وقتله، كما عبر علانية عن تأييده لقيام إسرائيل بقصف إيران، مثلما أيد حصار غزة باعتباره حقاً طبيعياً لإسرائيل. أخيراً، وقد يكون هذا هو بيت القصيد بالنسبة للمشروع السياسي الفلسطيني: عارض بنس طوال الوقت فكرة الدولة الفلسطينية معارضة ثابتة لم تضطرب في اي وقت.

 

في القاهرة قوبل مايك بنس بود وحفاوة بالغتين من عبد الفتاح السيسي الذي يحتاج الولايات المتحدة أن تكون في صفه في هذه اللحظات الحرجة التي يواجه فيها الشعب بقراره الواضح بأن يستمر في الحكم إلى أجل آخر. يضاف إلى ذلك مشاكل الرجل مع السوادان واثيوبيا وتركيا وقطر والإرهاب.

 

لذلك يجب أن لا نفاجأ من ملاطفة السيسي لبنس بالقول إن الخلاف بين ترامب والسيسي حول موضوع القدس هو خلاف بين أصدقاء.

 

بصورة أخرى إنه خلاف ودي، ولن يصل أبداً إلى قيام مصر بأي إجراء عملي للاحتجاج ضد الولايات المتحدة. بالطبع لن ترفض مصر القيام بأية أنشطة من أجل الضغط على "الفلسطينيين" بغرض أن يميلوا نحو "الاعتدال" في الضفة مثلما غزة بعد أن شرعت السلطة تظهر في مظهر "المتطرف" مثلما حصل سابقاً مع الراحل عرفات حين "تطرف" ورفض الفرصة التاريخية التي قدمها له باراك بوساطة كلينتون.

 

أما في الأردن الصديق التاريخي الدائم للولايات المتحدة فقد واجه بنس رفضا ً أردنياً واضحاً للاتجاهات الأمريكية الراهنة نحو القضية الفسطينية. ويبدو أن مايك بنس لم ينجح أبداً في تبديد مخاوف ملك الأردن من أن تكون العائلة المالكة هناك إحدى ضحايا التوجه الجديد لنقل فلسطين من موقعها الجغرافي الراهن إلى أماكن أخرى من قبيل سيناء أو البصرة او الأردن. بالطبع لا خيار أمام الأردن مثلما قال الملك تجاه امريكا لأن العلاقات بين البلدين هي علاقات استراتيجية لا تهتز أبداً. وربما علينا أن نتوقع أن زوال النظام في الأردن فقط هو ما يمكن أن يقوض ذلك الرباط الاستراتيجي.

 

أخيراً يصل بنس بكل ألقه إلى أرض صهيون المزدانه بعبارات الترحيب الحارة في كل مكان. وهنا يزور الرجل حائط المبكى ومتحف الهولوكوست الشهير. ربما يجدر بنا ان نذكر أن الرجل قد زار قاعدة عسكرية أمريكية شمال الأردن تعمل بتعاون وثيق مع الصديق الأردن من أجل زعزعة استقرار الطاغية الأسد قدر الإمكان.

 

مايك بينس يعتقد "مخلصاً" أن إدارة ترامب تفعل أشياء جديدة مهمة من أجل بناء السلام. وليس في وسع أحد أن يكون أكثر وضوحاً من أفعال ترامب وأقوال نائبه: على الفلسطينين أن لا يضيعوا الفرصة المقدمة لهم من الولايات المتحدة وإلا فإن حملة تجويعهم التي يشارك فيها بعض العرب الذين يمولون السلطة سوف تشتد وتتوسع وتتعمق لتشمل على ما يبدو وكالة الغوث الدولية، وتمتد إلى منظمات الأنجزة والعمال داخل "الخط الأخضر". بالطبع يعرف الجميع أن ذلك يعني فعلياً تجويع الغالبية العظمى من الفلسطينيين بالمعنى الحرفي للكلمة.

فما العمل؟ سياسياً أو اقتصادياً؟

ماذا قال ونستون تشرتشرل في مواجهة القصف الألماني على لندن؟

ليس لدي ما أعدكم به إلا الصمود، لكن ذلك ثمنه الدم، والعرق، والدموع.

 

بالطبع ليست حالة بريطانيا سنة 1940 في سوء حالة فلسطين 2018 بأي معنى من المعاني. نحن في هذه اللحظات الفريدة في انحدارها مضطرون إلى البحث عن كل قشة هنا أو هناك كيما تكون ذرة تنضم إلى غيرها من أجل وضع استراتيجية للمقاومة.

 

ومن البين بذاته أن إسرائيل اليوم في وضع يسمح لها بالرد علينا بقوة "غير متكافئة" على حد تعبير الأمم المتحدة الظريف في حال لجأنا إلى العنف والعمليات الكفاحية المسلحة، ومن ناحية أخرى تتجه الولايات المتحدة وأصدقاؤها ناحية الضغط على ميزانية السلطة وحياة الناس الاقتصادية بمالعنى الواسع للكلمة.

لا فائدة الان من أن نقول: "ألم نقل لكم؟" فقد سبق السيف العذل. يوجد وضع اقتصادي مميز تماماً يعتمد على الوظيفة فقط لا غير. وهذه الوظيفة تتلقى مكافئتها من التمويل الأجنبي حصرياً. ويشمل ذلك موظف السلطة ووكالة الغوث ومنظمات الأنجزة. أخيراً هناك العمالة في "إسرائيل".

 

من الواضح أن الضفة يمكن أن تصبح في وضع أسوأ من غزة بكثير في وقت قصير. ومن أجل الصمود السياسي يلزم جدياً البحث في سبل الصمود الاقتصادي. بالطبع هناك طرق لتطوير آليات للصمود حتى في مثل هذا الوقت "المتأخر" ولكن ذلك يتطلب أولاً اتفاقاً فلسطينياً سياسياً عميقاً فحواه أن مشروع "أوسلو" وكل ما يتصل به قد انتهى إلى الأبد. ويجب أن لا يحزن أحد على أوهام السلام لسببين: أولهما أنها اوهام لا أكثر، وثانيهما أننا لم نختر الإعلان عن نهايتها، وإنما سبقنا للاسف "الطرف" الإسرائيلي، ثم أتى الراعي الأمريكي ليسابق الصهيونية ذاتها في اتجاه تقويض أوهام السلام المتكئة على فكرة دويلة فلسطينية بأي معنى.

 

للأسف لا يبدو لنا أن القيادة الفلسطينية الرسمية مستعدة بأي شكل لنفض يدها من إرث التسوية، والبدء في البحث الجاد عن آفاق الفعل الفلسطيني المقاوم بكل ما يلزمه من تضحيات وما يكتنفه من صعوبات وآلالم، وتفضل على ذلك مواصلة انتظار "غودو". لكن الانتظار هذه المرة يجب أن لا يرافقه أية أحلام يقظة، لأن المشروع الأمريكي/الإسرائيلي المدعوم من "الحلفاء" العرب لا يحتمل أية مجازات سريالية: دولة فلسطين ستقام في مكان ما من العالم، خارج فلسطين بالطبع. ويستحسن أن يذهب أهل فلسطين جميعاً بمن فيهم أهل الضفة للعيش في هذه الدولة.           

 

قضية فلسطين العربية لم تكن في وضع دقيق وحساس أكثر مما هي اليوم. ولا بد أن الحركة الصهيونية المتمتعة بدعم من مؤسسة الرئاسة الأمريكية هو الأكبر على امتداد العلاقة العضوية بين البلدين، تتعرض الآن حتماً لإغراء الوصول إلى النهايات، وإنجاز الترحيل التام الذي يوجه اللوم الى بن غوريون لتهاونه في تحقيقه منذ سبعين سنة. ومن البدهي أن سيرورة نضالية صعبة ومؤلمة تنتظر الشعب الفلسطيني إن كان له أن ينجح في دحر الهجوم النهائي الهادف إلى تجريده مما تبقى له من حقوق في الأرض والوجود.