إنسان أم فقيه؟؟ حياة أم آخرة؟؟ محمد الأمين سعيدي/شاعر وأكاديمي جزائري

1.

في المقهى تُحدّث صديقا تعرفه يشرب الخمر في موضوع ما، فينطق على لسانه ابن تيمية ومالك وبن حنبل...ينطق الفقيه داخله بالتكفير والعنف. هذا نوع من انفصام الشخصية، تناقض حاد بين ما تفكّر به وما تفعله..

-يا صديقي؛ أنتظر دور أبي نواس في الكلام وبراميل البيرة التي جرتْ في عروقك المنتشية...

2.

يحدث كثيرا في هذا العالم المثقوب من كل جهة أنْ تلتقي فردا من فصيلة الإنسان، فيتدخلُ في لباسك أو أفكارك بوقاحة، ومع أنّ لسانك يكون حادا معه قد يعيدها مرة أخرى...

-صديقي الإنسان؛ إذا أخافك اختلافي عنك، فلا تحاول أنْ تجعلني مثلك..نحن ننتمي إلى فصيلة حيوانية واحدة، لكن لا يعني هذا أننا نسخ مكررة.

3.

هناك عادة سيئة يمارسها الرجال في العالم الثالث:فن البول على الجدران. ولسبب غياب المراحيض العمومية صار أغلبهم يرسم وهو يفعلها لوحات رمزية تافهة.

-يا صديقي الرجل؛ بُلْ على جلاديك.

4.

في الطرقات يمشي الناس وتسير السيارات، الأرصفة ضيقة ومع هذا تستغلها المحلاّت. لذلك لا معنى لقوانين المرور ولا لممر الراجلين، الانتهاكات سيدة المدينة؛ في الحياة وبين الأفراد، في العمران الذي لا يقوم على أية أسس جمالية.

-صديقي السائر في الطرقات؛ علّق على مؤخرتك إشارة ضوئية، كالتي في السيارة، تحدد للسائق خلفك اتجاهك كي لا يقع بينكما اصطدام.

5.

من كثرة انغماس الإنسان هنا في الماضي، وانتشائه بما رضعه من بزّولة(النهد بالجزايري)التراث؛ لا تستبعد وأنت جالس في مقهى أنْ يقف عند رأسك البخاري أو يلقي عليك التحية خالد بن الوليد.

-صديقي العالق في زمن قريش؛ هل تصدقني لو قلت لك:تم اختراع الطائرة، وأنّ بورصة القوافل أعلنتْ عن إفلاسها من زماااااان ...

6.

هل تعلم أن النسق الفكري السائد يعتبر ما يلي جريمة:الحب، الحرية، التفكير، العقل، السؤال، الشك، الاختلاف، التحوّل الديني، أجمل الألبسة النسائية، القبلة، مصافحة امرأة...إلخ.

-أيها النسق الفكري المتحفيّ؛ اذهب إلى الجحيم عليك اللعنة الأبدية..

7.

في هذه المجتمعات التي تضج بالذكور والذكورية، أشدّ أعداء المرأة هي المرأة ذاتها. لأنها ببساطة أول ضحايا الخطاب الذي تتكلم به؛ خطاب الرجل.

-صديقتي المرأة؛ أنوثتك في خطر، لا أتحدث عن الظاهر رغم خطورة بعض الألبسة التي تشبه كيسا أسود كبيرا كالجلباب، لكن تأكدي أنّ الخطاب الذكوري الذي تشبّعتِ به يقتل روح الأنثى فيك..يُحولك إلى رجل بجسد أنثوي فقط.

8.

تثور الصحافة حين يحدث تحرش جنسي، ومع أنها ستلقي باللوم على المرأة ولباسها، مثلها مثل أي تطرف ديني؛ تنسى مواضيع أخرى مهمة وخطيرة جدا..

-أيتها الصحافة المحجّبة؛ هناك من يتحرشون بالحيوانات..يا إلهي، أية وحشية هي هذه!!

9.

نشترك في الزمن مع باقي أفراد فصيلة الإنسان، نحن أيضا نعيش في رحاب سنة 2018، لكننا في الزمن الثقافي والحضاري لا نستحق الانتماء إلى هذا العصر العظيم، لأننا ببساطة لا نقدّم شيئا للبشرية اليوم، ولا حتى لأنفسنا.

-يا ابن دمي وأرضي؛ هل تعرف أنّ الشعوب التي لا تنتج شيئا في الدول الفاشلة هي شعوب منقرضة ثقافيا وحضاريا...

10.

لا تزال العنعنة هي الوسيلة الغالبة لنشر الأفكار، وطبعا لتحريفها دون قصد. لذلك أكثر العبارات استعمالا في الحوارات:

.سمعت عن فلان.

.أخبرني فلان.

.قال كبارنا.

.سمعت في الإعلام.

إلخ

إلخ

إلخ

-خبر عاجل:تسجيل حالات كثيرة جدا لغياب الفعل"قرأتُ" من الحوارات، وهناك إشاعات عن احتضاره. القراءة في خطر أيضا.

11.

الموت مألوف جدا في هذه البقاع من العالم، لذلك تجفّ الأنهار ولا يجف الدم المتدفّق.

-عزرائيل نشاهده كل يوم كان الله في عونه.

12.

كل هذا متعب يا صديقي القارئ..

دخنْتُ علبة سجائر وأحرقت صدري لأتمكن من التعبير عنه..

أشعر بالاختناق..هل تشعر أنت أيضا...!!