الأحد 27 نيسان 2025
ذلك التساؤل الذي لابد وأنه قد جال بخاطرك يوماً ما! يحتفل العالم في ٢٢ نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام بذكرى اكتشاف مجموعة جزر خوان فرنانديث عام ١٥٧٤، والتي عرفت بقصة الربان ألكسندر سيليكرك حين تركه طاقمه طيلة أربع سنوات وحده على الجزيرة، ومن هذه القصة استلهم الكاتب الإنكليزي "دانيال ديفو" روبنسون كروزو، روايته الأشهر على الإطلاق في الأدب الإنكليزي، لتتحول إلى منبع إلهام المخرجين لعديد الأفلام السينمائية الناجحة.
كتب دانيال ديفو روبنسون كروزو، ونشرت لأول مرة في عام 1719، وتعد ركيزة من أهم روايات اللغة الإنكليزية على الإطلاق فتصنف رواية أطفال من الدرجة الأولى.
ذاع صيت دانيال ديفو أواخر عشرينيات القرن الثامن عشر كونه كاتب أنفق عمره كله في معارك العمل السياسي والاحتجاج ضد الأوضاع السائدة، لكن بعد أن أوشك على بلوغ الستينات طمح ديفو إلى طرح عمل أدبي سهل ينال الشعبية والحظوة لدى الناس، فعثر على كتاب أصدره قبطان كثير السفر والترحال اسمه روجرز يروي فيه حكايات أسفاره حول العالم.
وفي فصل منه تحدث هذا القبطان عن قصة حقيقية حدثت للبحار ألكسندر سيلكريك عام 705 حيث تعرض هذا البحار لحادث جعله ضائعا لأربع سنوات على متن إحدي الجزر في بحر تشيلي، والتي تعرف بجزر"خوان فرنانديز" حتى عثر عليه روجرز وأنقذه بعد ما أصابه من الوحشية التامة.
سرعان ما قدحت تلك القصة ذهن دانيال ديفو ودفعته لكتابة أشهر قصص الأطفال الإنكليزية في العالم حتى عصرنا الحالي "روبنسون كروزو"، ودفعت بكاتبها إلى الوصول إلى الشهرة والعالمية قبل أن توافيه المنية عام 1731.
كتب دانيال ديفو الرواية عن سيرة ذاتية لشخصية خيالية وهو "روبنسون" البحار المتهور الهارب من حياة الاستقرار إلى حياة البحار ويقرر الذهاب في مغامرة ليجد نفسه الناجي الوحيد من غرق سفينة وحيداً على متن جزيرة تعج بآكلي لحوم البشر والمتوحشين.
يقابل كروزو "فرايدي" الذي يساعده في تهذيب صفاته المتوحشة ويتخذه صديقا في ذلك المنفي، ثم تحكي الرواية عن نبوغ روبنسون وبنائه لمنزل وعدة أدوات حديثة تساعده على مقاومة الحياة البرية، حتي عاد إلى قومه مرة أخرى بعد مرور ٢٨ عاماً بعد عثور سفينة أوروبية عليه، لتنتهي قصة روبنسون بالزواج والاستقرار.
ربما تبدو القصة للوهلة الأولى غير مناسبة للأطفال، لكن الغريب أنها استطاعت أن تحجز لنفسها مكانة كبيرة كأول قصة يتم ترشيحها إلى أي طفل وقارئ في مستهل تعلمه اللغة الإنكليزية كأعظم روايات الأدب العالمي للناشئين.
حافظت الرواية على شهرتها لما تمثله من منبع مثير وشيق جداً لكتاب الأفلام والسيناريو، حيث اقتبست مغامرات روبنسون فيما يقارب 16 فيلما وعملاً تلفزيونياً على مرّ العقود الماضية.
في عام 1954 قرر المخرج الكبير لويس بونويل تقديم فيلم عن الرواية نفسها، يحكي الفيلم عن البحار روبنسون الذي غرقت سفينته واستطاع بأعجوبة النجاة في جزيرة صحراوية في جنوب أميركا مع قطة وكلب وبعض الإمدادات التي استطاع إنقاذها من السفينة، واستطاع لاحقاً إنقاذ أحد السكان الأصليين من الالتهام من قبل آكلي لحوم البشر، ليصبح رفيقه وصديقه ويطلق عليه اسم "فرايدي" ثم يتم إنقاذ البحار ويعود إلى موطنه.
حصل ذلك الفيلم على ترشيح أوسكار عن فئة أفضل ممثل لدنيال أو. هارلي، وترشيح في البافتا عن فئة أفضل فيلم مقتبس.
أما درامياً فقد تمت صياغة مغامرات روبنسون كروزو في مسلسل تلفزيوني قصير، صدر في عام 1964 في 17 حلقة تلفزيونية من بطولة "روبرت هوفمان"، يحكي المسلسل عن بحار ضائع على جزيرة ينجح في النجاه من الغرق وبناء ملجأ له على الجزيرة لتساعده في النجاة، ثم يستيقظ يومياً ليجد آثار أقدام غريبة لا يعلم صاحبها، إلى أن تتصاعد الأحداث خلال محاولة اكتشاف الدخيل على الجزيرة.
وفي عام 1997 عرض فيلم بالاسم نفسه من إخراج رود هاردلي، وبطولة جيمس بوند ذلك العصر بيرس بروسنان مع الممثلة بولي واكر.
يدور الفيلم في الإطار الدرامي نفسه عن البحار الناجي، لكن يدخل هذه المرة العنصر النسائي في القصة، عن طريق "ماري" صديقة البطل التي جعلته يلجأ إلى قتل صديقه من أجلها قبيل غرق السفينة.
ولكون الرواية في الأصل من أدبيات الأطفال، كان لأفلام الرسوم المتحركة نصيب منها؛ ففي الفيلم الرسومي Wild Life إنتاج 2016 تعيش بعض الحيوانات على جزيرة ويحلم البطل بالرحيل واكتشاف العالم، حتى يهب إعصار ذات يوم يخلف وراءه مخلوقاً غريباً "روبنسون" ويبدأ في التعايش مع سكان الجزيرة بل ويحارب من أجلها ويدافع عنها.
في عام 2000 أطل علينا روبرت زيمكس في تعاون ثان مع توم هانكس بعد رائعة Forrest Gump عام 94، لكن هذه المرة في فيلم Cast Away، في شكل درامي جديد مقتبس من تجربة وأجواء روبنسون كروزو، لكن بسيناريو مباشر للسينما كتبه ويليام بروليز جونيور.
اعتمد زيميكس في الفيلم على مظاهر أكثر حداثية عن الرواية؛ فاستبدل السفينة بالطائرة، و"فرايدي" صديق البطل بكرة طائرة جماد لا يملك من الأمر شيئاً، لكنه استطاع بحرفية شديدة تجسيد الصراع الإنساني وغريزة حب البقاء على الشاشة في داخل بطله المميز توم هانكس، وذلك في دور "تشاك" المدير الناجح الذي يؤثر السفر للعمل في موسم الأعياد على مواجهة حبيبته وطلب يدها للزواج.
يذكر أن المميز في تلك النسخة المقتبسة عن كروزو هو التركيز الكبير على التحولات النفسية من خلال الحوار مع كرته الطائرة، والسعي إلى تقدير مبهجات الحياة الصغيرة، فيجد أنه بعد إنقاذه والعودة مرة أخرى إلى حياته المعتادة أن الحياة ذاتها لم تبال بغيابه، وأن تلك اللحظة التي استطاع فيها تعلم إشعال النيران بعد عدة شهور من الوحدة كانت أكثر تقديراً من كل تلك الحياة المتشبعة بالمدنية المزيفة، ليتعلم ويعلمنا زيمكس بشكل قاس أهمية تقدير بساطة الحياة والفطرة في داخل كل إنسان.
.jpg)
.jpg)
