إذا ما صح ما نشرته صحيفة "الحياة" اللندنية في عددها الصادر صباح الأحد 4-2-2018، بخصوص البديل الذي يطرحه الرئيس عباس عن صفقة القرن، فإن الأمور تسير في اتجاه مصيري مأساوي.
الصحيفة نقلت عن مسؤول غربي قوله إن الرئيس محمود عباس قدّم رؤية بديلة إلى الجانب الأميركي، من خلال طرف ثالث، تنص على إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 على مراحل، مع تبادل أراضٍ يسمح لإسرائيل بضم الكتل الاستيطانية الرئيسة. الدبلوماسي قال: «طلب عباس أن يتم الاتفاق على الحدود أولاً في مقابل الموافقة على إقامة دولة فلسطينية على مراحل»، إلا أن الجانب الأميركي رفض العرض الفلسطيني على اعتبار أن الخطة للتطبيق وليست للتفاوض. وأوضح: «قال الأميركيون للفلسطينيين: إما أن تأخذوا الخطة كما هي أو أن تتركوها كما هي."
الإشكاليات الأساسية التي يقدمها الطرح البديل تكمن في الآتي:
أولا- مرحلية الطرح
إن أحد أسباب فشل اتفاق أوسلو هو النهج المرحلي الذي اتبعه في سياق التوصل إلى اتفاق "سلام"، مؤجلاً كافة القضايا المصيرية إلى مراحل لاحقة، ما أعطى دولة الاحتلال الفرصة الذهبية لفرض الأمر الواقع، متمثلا في قضم الأراضي، وتهويد القدس، وبناء المستوطنات. إسرائيل خلقت خراباً متعمدا، فعندما وقعت اتفاق السلام كانت تعلم أن النتيجة ستكون الوصول إلى ما وصلنا إليه اليوم، فنتفاوض على ما تبقى لنا. وعن هذا الأمر فإن يوئال سينغر، وهو المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية الذي راجع اتفاقات أوسلو، شبه مرحلية الاتفاق بوقف إطلاق النار قائلا: "إنك لو كنت تعلم أنه سيتم التفاوض بشأن عملية وقف إطلاق النار بين جانبين متحاربين ولديك من الوقت يومان لتفعل ما تريد قبل البدء بتطبيق وقف إطلاق النار، فإنك ستقوم باستغلال هذين اليومين من أجل تحسين موقفك. وفي حالتنا مع اتفاق أوسلو فإن لدينا بدل اليومين خمس سنوات." والحالة الآن مع دولة الاحتلال أن لديها بدل السنوات الخمس كل الوقت لفعل ما تريد.
ثانيا- لا نعرف عدونا
يدلل الطرح المقدم على أننا نجهل عدونا. إن منهج فكر الاحتلال الإقصائي والإحلالي لا يعترف بالآخر، الذي هو نحن، لأن اعترافه بنا، يعني نفي وجوده هو. فضلا عن إيمان الاحتلال بأن أسطورة الروايات التوراتية إنما وقعت في "يهودا والسامرة" – أي الضفة الغربية. وإذا انطلقنا من الخطاب الديني الذي يتغلغل في الخطاب السياسي الإسرائيلي والأمريكي، القائم على تحقيق نبوءات التوراة، سنصل إلى نتيجة واحدة فقط، وهي أن الضفة الغربية، لن يتم التنازل عنها، فعكا وحيفا ويافا هي أقل أهمية من الناحية الدينية بالنسبة لليهود من نابلس التي هي العاصمة الأولى للدولة الإسرائيلية في عهد شاؤول، وأريحا أيضا، وعلى سبيل المثال، يعتقد اليهود أن "يهوه" قد أيد أجدادهم بها عند غزوها، فشق مياه نهر الأردن وهدم أسوار المدينة العظيمة. فلماذا إذن علينا أن نعتقد أنهم قد يقبلون بالتفاوض على تلك المدن.
ثالثا: الخلط بين المسؤوليات والأوهام
إن القيادة السياسية تقتضي المقدرة على تنقيح الواقع من الخلط بين ما هو وهمي هلامي وبين ما هو واقعي يقع ضمن منظومة المسؤوليات والواجبات الوطنية كي نصل إلى الخلاص، فالمسؤولية الوطنية تحتم علينا اليوم الوصول إلى سياقات جديدة من العمل الوطني المختلف عما كان متبعا في السابق. إن الصراع مع الاحتلال لا يأخذ شكل الثبات، وهو نهج متغير، يتطلب نهج نضاليا متغيرا بتغير أدوات الاحتلال في تغييبنا وإنهاء قضيتنا.
رابعا: الحل البسيط، هو في إعادة الأمر إلى الشارع، تعزيز القاعدة الشعبية، ينصر ويحمي، فإعادة الزخم للعامل البشري في المعادلة السياسية يغيرها، ويخرجنا من بطن الحوت.