الخميس  28 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

أمريكا ترامب / بقلم: سامي سرحان

2018-02-06 09:43:00 AM
أمريكا ترامب /  بقلم: سامي سرحان
الرئيس الامريكي ترامب

 

لعلّ الدرس الأول الذي تعلَّمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في عامه الأول من رئاسته للولايات المتحدة أنَّ الولايات المتحدة العظمى ليست هي العظمى بين الدول، وأنَّ سياسة رعناء كالتي يقودها الرئيس ترامب وسياسة نائبه بنس -الشخصية الغبية السطحية- لا يمكن أن تفرض على المجتمع الدولي ولا على دولة منفردة مهما كانت قوة هذه الدولة العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية.

 

ويبدو أنَّ نظرية أمريكا أولاً بالطريقة التي يرغب فيها الرئيس ترامب تصطدم بجدار صدٍّ منيع في روسيا والصين وأوروبا الحليف التقليدي للولايات المتحدة، فلم نشهد على مدار عشرات السنين من يقول للولايات المتحدة: (لا) في أي أمر أو شأن من شؤون السياسة الدولية، ويبدو رفض الإملاءات الأمريكية على الدول الأخرى أكثر وضوحًا، بخاصة في دول تسعى للحفاظ على استقلالها ووجودها كإيران وكوريا الشمالية رغم سياسة الشيطنة التي تنتهجها الإدارة الأمريكية الحالية تجاه الدول التي تخاصمها.

 

وفي الشرق الأوسط المنطقة ذات الأهمية الإستراتيجية التي تشهد حالة من الفوضى اعتقدَ ترامب وإدارته أنَّ بإمكانه المسَّ بثوابتها وفرض إسرائيل الحليف الوحيد للولايات المتحدة في العالم في هذه المرحلة على المنطقة، فكان قراره الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، ونقل سفارة بلاده إليها ضمن ما سمّاه (صفقة القرن) التي تبدو كجبل جليد لا يظهر منها إلا قمتها، ويبدو أنَّ ما ظهر منها حتى الآن كافٍ لأن يضع حدًّا لأحلام ترامب ومستشاريه وأصهاره من اليهود الصهاينة بفرض الصفقة وفق ما بدا منها. ولم يدرك الرئيس ترامب وإدارته أنَّ القضية الفلسطينية لها ديناميكية خاصة، ولا يمكن لأيِّ دولة عربية أو إسلامية أو محبة للعدل والسلام أن تتجاوز قضية فلسطين وحقوق شعب فلسطين في العيش بكرامة في دولة خاصة به في حدود الرابع من حزيران عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، التي يوحي قرار ترامب واعترافه بها عاصمة لإسرائيل إلى أنه وهبها ووعد بها إسرائيل، متجاهلاً بذلك حساسية القدس عند العرب والمسلمين والمسيحيين وجميع الأطراف؛ ما خلف غضبًا على قرار ترامب، لدى أصحاب القضية وأهلها، رغم أوضاعهم المعقدة وقبولهم بتسوية سياسية مجحفة تنتقص من حقِّهم في وطنهم التاريخي، فكان أول قرار يصدر عن القيادة الفلسطينية هو رفض الرعاية الأمريكية  للمفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وعدم الاتصال مع الإدارة الأمريكية على أيِّ مستوى حتى تعود عن قرارها الأرعن الظالم حول القدس.

 

حاولت إدارة ترامب تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة والمشروعة ولا تزال تحاول وتمارس الضغوط السياسية والدبلوماسية والاقتصادية على القيادة الفلسطينية، وخاصة الرئيس أبو مازن.

 

وقطعت المساعدات المالية للسلطة، وردت السلطة بأنها لا تقايض الحقوق الفلسطينية بالمال الأمريكي، وأنَّ القدس هي العاصمة الأبدية لدولة فلسطين، ولا دولة فلسطينية دون القدس.

 

وقطعت أمريكا مساعداتها عن وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) ولن يكون وقف هذه المساعدات سببًا للعودة إلى طاولة المفاوضات برعاية راعٍ غير منصف ولا عادل.

 

وذكَّر القرار الأمريكي بقطع المساعدات عن الأونروا بـخمسة ملايين ونصف المليون لاجئ شردوا من ديارهم عام 1948، وأنَّ حق العودة إلى بيوتهم وممتلكاتهم حق يكفله القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولا تمكن إزاحة حق العودة عن طاولة المفاوضات عند تناول قضايا الوضع النهائي، وللتذكير فإنَّ القدس أولاها، وقضية اللاجئين ثانيها، والحدود ثالثها، والاستيطان رابعها، والمياه والأمن خامسها، وليس آخرها.

 

في مفهوم الفلسطيني القدس هي المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة ومسجد عمر وكنيسة القيامة، وكل ما بداخل السور من أحياء وأزقة وحارات وأبواب، وليست أبو ديس أو كفر عقب أو شعفاط. وإنْ كانت كلُّ هذه القرى أحياء من القدس، وهي عزيزة وغالية على قلب كل فلسطيني.

 

لا يمكن لصفقة القرن أن تصنع لنا قدسًا غير القدس التي نقدِّس، التي يرتبط بها المسلمون والمسيحيون واليهود من اتباع الديانات السماوية وغيرها من الأديان والمعتقدات. لا يمكن لقرار ترامب أن يغيِّر من هذه الحقيقة شيئًا، وعلى الرئيس الأمريكي أن يراقب رد الفعل الدولي على قراره ورفض العالم المس بوضع القدس الذي يتقرر في المفاوضات بين الجانبين.

 

وعلى الرئيس ترامب ومستشاريه وأصهاره أن يدركوا أنَّ أصحاب الحق والأرض لا يمكن لأحد أن يفرض عليهم حلاً ينتقص من حقوقهم ويتجاوز قرارات الشرعية الدولية.

 

وسيظل الشعب الفلسطيني وقيادته متمسكًا بحقوقه ومقاومة كل الضغوط التي تمارس عليه والتوجه إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة والجنائية الدولية يشكو عنصرية إسرائيل وخرقها للقانون الدولي والجرائم التي ترتكبها بحق شعب فلسطيني باحثًا عن السلام العادل، وعن الحرية والاستقلال (يقدمان) لقرار ترامب من الآثار السلبية على الإدارة الأمريكية وعلى إسرائيل أكثر مما كان له من الآثار السلبية على السلطة الفلسطينية وقضية الشعب الفلسطيني، وما للقرار المجحف والظالم الذي عزل أمريكا وإسرائيل عن العالم، وكشف النظرة الغبية للإدارة الأمريكية الجديدة وللحكومة الإسرائيلية والغبية في آن معًا لكيفية حلّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ ما دعا قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى تعليق الاعتراف بدولة إسرائيل، وما لم يعترف الفلسطيني بإسرائيل دولة جارة مسالمة في حدود معترف بها فلن تعيش إسرائيل في أمن وسلام، ولو اعترف بها كل العالم.

 

ولعل اندفاع بعض العرب نحو حلف جديد في المنطقة ترعاه الولايات المتحدة في مواجهة إيران التي صنعت منها إدارة ترامب وإسرائيل عدوًا أول للعرب قد تبدد، وعلى قادة العرب الشباب والجدد أن يدركوا أنَّ الخطر الحقيقي الذي يهدد المنطقة والطامع في ثرواتها هو إسرائيل، ولا أحد غير إسرائيل وحاميتها أمريكا التي ظنت إدارتها الجديدة أنَّ بإمكانها تغيير الأولويات في المنطقة وتصفية القضية الفلسطينية وتقسيم دول المنطقة لصالح إسرائيل.