إذا أردتم دولة فها هي غزة، وإذا أردتم عاصمة فها هي أبو ديس، وإذا أردتم الصلاة في الأقصى، فالممر إلى ذلك سيكون متاحاً، وربما يحتاج الأمر إلى تأشيرة مرور، وما ينطبق على أبو ديس والضفة ينطبق على غزة، فمن يرغب في الصلاة في الأقصى سيحظى ببعض التسهيلات، مثل تصريح مرور للذهاب والإياب، وأما المسيحيون من غزة ومن أي مكان فيسمح لهم في المناسبات الدينية التي تخصهم زيارة المقدسات وإضاءة الشموع فيها.
دولة غزة التي هي مجمع للويلات والمآسي ستظل تحت الحصار، إلى أن تقتنع إسرائيل بزوال أي خطر راهن ومستقبلي ينطلق منها، وأن تحقق ذلك فدولة غزة تصلح لأن تكون استثمارا مربحا تحتكره إسرائيل ولا أحد غيرها، فالكهرباء منها والغاز كذلك، والماء النقي بعد أن يحلى، ومطار تحت الإشراف الإسرائيلي، يوفر لغزة انتقالا إلى أي مكان في العالم، أما كرم أبو سالم الذي خفت الحركة عليه وانخفضت على صعيد البضائع إلى الربع، فسوف تتضخم وتتضاعف السلع المنتجة في إسرائيل من إبر الخياطة إلى الشاحنات.
ولتوليد هذه الدولة كما تفكر إسرائيل، فلا بد من عملية قيصرية يجري الحديث عنها على هيئة تصريحات متحفظة من جانب العسكريين الإسرائيليين، تبدأ بإظهار الخوف من كارثة بيئية وصحية واقتصادية تصل حد الانهيار التام، ومن غير إسرائيل يمتلك إمكانيات المعالجة وإنتاج وضع جديد.
أما العاصمة "أبو ديس" التي يقترح الأمريكيون أن تضم إليها قرىً وخرب وضياع ليطلق عليها اسم القدس الفلسطينية، ومع بقاء المستوطنات قائمة، فسيكون كيان الفلسطينيين ملفقا مثلما العاصمة، ممرات تحت الأرض وجسور معلقة في الفضاء، وأنفاق توصل الأطراف ليقال إن للفلسطينيين كيانا مترابطا، وكما قال نتنياهو ذات مرة بوسعهم أن يسموا ما يحصلون عليه دولة أو حتى امبراطورية.
ما هو دور الفلسطينيين أو بعضهم أو طبقتهم السياسية في هذا الذي يراد إنتاجه وتكريسه على الأرض؟
دعونا نلقي نظرة على دوافع الانقسام، وما انتج من وقائع كارثية شجعت الإسرائيليين والأمريكيين على اعتبار غزة دولة أمر واقع للفلسطينيين .. الدافع المركزي هو السلطة، والسبب المركزي لانهيار كل محاولات إنهاء الانقسام هو الصراع على فتات السلطة. العالم الذي يراقب، توصل إلى يقين بذلك بدعمه اللفظي لولادة دولة فلسطينية، إلا أن جهده في هذا الاتجاه ضعف كثيرا وتقلص إلى مجرد تقديم الإسعافات الأولية للأمر الواقع القائم حاليا كي لا يموت المحتضر، إضافة إلى ضغطة زر على آلة التصويت في الأمم المتحدة.
ذنب إسرائيل الذي لن يغفر لها أنها تمارس احتلالا بقوة السلاح على الشعب الفلسطيني، وهذا ما يجعلها دائما وأبدا هي الخصم الرئيس لكل الفلسطينيين، أما ذنب صناع الانقسام وسدنة الحفاظ عليه، فهو تمكين الخصم الرئيسي من أن يتطلع إلى تشكيل مستقبل الفلسطينيين على هواه وهذه هي كلمة سر المآساة التي نعيشها الآن ولا نسأل غير الله كي نتخلص منها ولا نقع في قادم الأيام في ما هو أفدح وأمّر.