ترجمة الحدث- عصمت منصور
مصعب قام بتسليم الشاباك الإسرائيلي خمسة استشهاديين جاءوا من الأردن، والشاباك اضطر إلى تحرير واحد منهم كي يتم الاشتباه به، إنه هو من قام بتسليم المجموعة وإنه متعاون مع إسرائيل كي لا تثار الشكوك حول مصعب.
استثمر الشاباك الكثير من الجهد والموارد لحماية مصعب، ومن أجل عدم إثارة أي شكوك حوله قاموا بإرسال الجنود إلى بيته من أجل اعتقاله دون إعلام الجنود أو الضباط أنه تلقى إنذارًا من مشغليه؛ كي يهرب قبل وصولهم بدقائق، لذا قام الجنود بإخراج عائلته من البيت وألقوا قنبلة داخله، وهو الخبر الذي انتشر في رام الله، وأصبح الجميع يتعامل معه على أنه مطلوب للاعتقال، وبمعنى آخر تحوَّل إلى بطل.
في إحدى المرات أراد مصعب أن يجتمع مع مشغليه من الشاباك، ولم يستطع الوصول إلى الشقة السرية الخاصة بالشاباك عندها قرر مشغلوه أن يطلبوا منه أن يتسلل إلى سجن عوفر بعد أن أعطوه تعليمات مفصلة عن مكان وجود فتحة في الجدار، وهو ما تمَّ بالفعل دون أن يصاب بأذى.
مرة أخرى، ومن أجل حمايته تمَّ سجنه لستة شهور، ليعود إلى بيته مثل الأبطال أكثر من السابق، وهو ما تكرر للمرة الأخيرة قبل أن يقرر الاعتزال، حيث سجن لثلاثة أشهر أخرى.
أثناء اجتياح المدن الفلسطينية هو كان الشخص الذي أوصل الشاباك إلى الكثير من كبار المطلوبين، مثل جمال الطويل ومروان برغوثي، وأيضًا قدّم ابن يتسحاك عنوان الشقة التي اختبأ فيها والده حسن يوسف من أجل عدم الاقتراب منها وعدم اعتقاله، حيث اعتاد أن يقرأ القرآن وحده طوال الوقت لحمايته وعدم وصول الجيش إليه حسب اعتقاده، وكما قال لمصعب بعد أن اجتمع به.
مع الوقت تحول مصعب إلى ثروة كبيرة وأكثر عملاء الشاباك أهمية، بخاصة عندما تحرر والده من السجن وأصبح مرافقه الشخصي ومساعده وكاتم أكثر أسراره أهمية وسرية.
كل حركة وكل ورقة وكل طلب نقلت إلى والده، وكل سر وصل إليه تم نقله للشاباك بواسطة مصعب، وهو ما جعله يكتشف ويلقي القبض على عشرات المطلوبين والخلايا ومنع الكثير من العمليات التي كان يمكن أن تودي بحياة عشرات الإسرائيليين.
لقد قام بإبلاغ الإسرائيليين عن مكان وجود مهند أبو حلاوة الذي كان يخدم في القوة 17، وكان أكثر المطلوبين لإسرائيل خطورة؛ لأنه قتل عائلة كهانا، وفي أعقاب وصول المعلومات إلى الشاباك أطلقت دبابة إسرائيلية قذيفة على سيارة فولز فاجن ذهبية قرب مكتب مروان البرغوثي وأصابه بجروح.
يقول بن يتسحاك: عرفته لمدة ست سنوات لأنني كنت الضابط المسؤول عنه بحكم كوني مسؤولاً عن منطقة رام الله، وأنا أستطيع أن أقول بثقة أنه وبفضل مصعب لم نحتج إلى مسؤول منطقة؛ لأنه كان بمثابة قائد منطقة، لقد كان أفضل من أفضل ضباطنا، وأنا لا أقل من قدرات ضباطنا طبعًا؛ لأنّ معلومة واحدة منه كانت تعادل ألف ساعة عمل وتفكير لخيرة قادة الجهاز.
في أحد اللقاءات وضع يتسحاك في يد مصعب كمية كبيرة من النقود، وطلب منه أن يتعلم، وأن يكمل دراسته الجامعية.
المبلغ الذي قدم له كافٍ لإكمال تعليمه في جامعة القدس المفتوحة، بالإضافة إلى السكن والطعام واللباس.
مصعب شعر من داخله أنَّ الشاباك الإسرائيلي تحول إلى بيته الحقيقي، والضباط تحولوا إلى أصدقائه، لا بل هم أصدقاؤه الوحيدون.
في مرحلة ما -كما يتضح من كتابه الذي ألفه بنفسه- أصبح مصعب يستخدم الضمير (نحن) عندما يتحدث عن الإسرائيليين، وضمير (هم) عندما يتحدث عن الفلسطينيين وحركة حماس تحديدًا الذين كان يكرههم، وهذا جعله في أكثر من مرة يبادر إلى القيام بعمليات وتسليم معلومات عن حركة حماس من تلقاء نفسه، والطلب من أصدقائه في الشاباك القيام بأعمال ضدهم.
العامل الأكثر تأثيرًا على مصعب الذي جعله يعبر هذا التحول هو المسيح.
في أحد الأيام، وفي ساعات المساء في القدس التقى مصعب بالصدفة البحتة براهب بريطاني والذي قام بدعوته إلى المشاركة مع مجموعة تعليمية تتعلم الديانة المسيحية في المدينة؛ من أجل تعميق معرفته بالمسيحية والمسيح.
مصعب امتاز بأنه فضولي ومحب للمعرفة وعقله منفتح على الأفكار الجديدة، ومحب للعلم ولا زال شابًا في مقتبل العمر وجدي جدًّا وذكي، وكان يبحث عن دربه الخاص في الحياة بعد أن خاب أمله بشكل كبير من الإسلام.
روى مصعب لمشغليه في الشاباك قصته مع المسيحية، ولكنهم لم يتشجعوا للفكرة، وحاولوا إقناعه بالتخلي عن الفكرة بشكل نهائي، متخذين من رد فعل عائلته وأصدقائه ومحيطه سببًا للتراجع، ولكنه وبعد أن تعمَّق في المسيحية لسنوات، واختلط بهم تعرف على شابة مسيحية أمريكية قامت بتعميده في بحرها الخاص في تل أبيب؛ ليصبح مسيحيًّا بكل معنى الكلمة.
كراهية مصعب لحركة حماس ازدادت بعد أن تأثر في أقوال المسيح عن السلام والتواضع والخير وعن إدارة الخد الأيسر لمن يصفعك على خدك الأيمن؛ ليصبح لديه الآن سران بدل سر واحد، وهما تحوله إلى المسيحية وتعاونه مع الشاباك.
بن يتسحاك يقول: إنّ دخول مصعب إلى المسيحية شكل بداية خروجه من عالمه القديم.
في عام 2005 وبعد تسع سنوات من العمل السري مع المخابرات الإسرائيلية سئم مصعب من حياته المزدوجة أو الثلاثية، ولم يرغب في مواصلة حياته التي يعيشها؛ لذا طلب أن يترك عمله في الشاباك، وأن يسافر إلى خارج البلاد.
هناك أكثر من رواية حول كيفية إنهاء مصعب لطريقه مع الشاباك، تقول إحداها أنه أصيب بخيبة أمل من معاملة بعض ضباط الشاباك له، ممن لم يثقوا فيه بشكل كافٍ، وأهانوه وأجبروه على الخضوع لتفتيش وفحص دقيق للتأكد أنه ليس عميلاً مزدوجًا، ولا يخطط لتنفيذ عمل تخريبي ضد إسرائيل.
مصعب طلب من مشغليه أن ينهوا ارتباطه مع الشاباك، وأن يسمحوا له بالسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
لماذا الولايات المتحدة؟
"لقد حلمت دائمًا أن أعيش في الولايات المتحدة"، قال مصعب في إحدى مقابلاته مع مؤلفي الكتاب؛ هناك الشواطئ الهادئة والنساء الجميلات، ومدن منارة ومفعمة بالحياة والنشاط، وكل كما يتمناه الإنسان.
عارض الشاباك قرار مصعب بشدة، وعرضوا عليه أن يؤسسوا له شركة تجارية كبيرة، ولكنه رفض، فعرضوا عليه أن يذهب إلى أوروبا لفترة من الزمن، وأن يعود من جديد، بالإضافة إلى عروض أخرى مختلفة، ولكنه أصرّ على رأيه، ولم يتراجع عن قرار المغادرة، وإنهاء تعامله معهم.
انتصر مصعب في النهاية، واستطاع السفر إلى الولايات المتحدة، ولكن دائرة الهجرة طلبت منه أن يغادر؛ لأنّ والده يعدّ أحد كبار قادة حركة حماس التي ترى بها الولايات المتحدة تنظيمًا إرهابيًّا، وأيضًا هو أسير في سجون إسرائيل، وهنا من هب لمساعدة مصعب هو صديقه الحميم بن يتسحاك الذي ترك هو الآخر من الخدمة وتحول إلى محامٍ خاص.
سافر بن يتسحاك إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ووقف أمام المحكمة في سان دييجو في كاليفورنيا التي كانت تنظر في ملف قضية مصعب وكشف أمام القضاة عن هويته وعمله السابق في الشاباك، وشهد لصالح مصعب، وأنه كان على مدى سنوات طويلة يخدم دولة إسرائيل ومناهضًا لحركة حماس.
انتصر الصديقان، واستطاع مصعب أن يحصل على لجوء سياسي في الولايات المتحدة الأمريكية ؛لأنه كان من الواضح للجميع أنه لن يستطيع العودة إلى بيته، وأنه إذا ما عاد سيقتل على الفور.
مصعب لم يعش حياته خائفًا، بل على العكس نشر كتابه الذي يوثّق تجربته وسيرته الشخصية وعمله السري تحت اسم "ابن حماس"، واشترك في فيلم وثائقي أطلق عليه اسم (الأمير الأخضر) ولم يتردد في المشاركة في برامج تلفزيونية في الولايات المتحدة وأوروبا لمناصرة إسرائيل والدفاع عن السلام مع الفلسطينيين، وأكثر من ذلك جاء إلى إسرائيل لزيارات قصيرة واشترك في إطلاق الفيلم الوثائقي الذي يوثّق تجربته في إسرائيل.
مصعب حسن يوسف يعيش حتى اليوم في الولايات المتحدة دون عنوان ثابت ودون حراس شخصيين أو أي وسائل حماية استثنائية.
هو دائم البحث عن معنى لحياته، وقد تحوّل في الآونة الأخيرة إلى البوذية.
"لا يكفي أن تكون بوذيًّا أو مسيحيًّا"، قال لمؤلف هذا الكتاب، الذي التقاه في نيويورك، بل عليك أن تكون اليسوع أو بوذا، وأن تخاطر بحياتكأ وأن تكرسها من أجل أهدافك التي تؤمن بها.
قصة تجنيد الشاباك الإسرائيلي لابن حماس (الجزء الاول)