كثيرا احتدم النقاش بين الشباب الفلسطيني حول استشهاد البطل احمد نصر جرار أو عدم استشهاده وبعضهم كتب وحلل وكاد يهاجم من صدق رواية استشهاد الفارس الفلسطيني الجميل, الشباب دققوا بالتفاصيل حول لون ذقنه وحجم الجثة التي بالصورة وملابسه وتفاصيل وجهه ولأيام اشتغل كل شباب العشرينات في فلسطين وفي جنين ومنطقتها تحديدا بالتحليل وتقديم المبررات لإقناع أنفسهم والناس بان البطل لم يترجل بعد وان الاحتلال لم يستطع اصطياد فارسهم النبيل والجميل, ولم يكن الأمر محض تحليل ونقاش امني وسياسي واجتماعي بل كان دفاعا عن حلم عاشه الشباب الفلسطيني لشهر من الزمان وهم أي أبناء العشرينات لم يعيشوا مثل هذه الحالة من قبل فكل ما هو أمامهم محض تخاذل وتراجع وهزائم إلى أن جاء البطل ليقدم لأبناء جيله رواية مختلفة عن حكاية المقاومة والصمود وليثبت أن بالإمكان تعطيل قدرات الجيش الذي لا يقهر ولو إلى حين.
الجيل الأكبر سنا من جيل البطل ينتمون لجيل بطل آخر هو والد أحمد الشهيد الأسطورة الذي فقد ساقيه ويده وظل يقاوم وينتقل من بيت لبيت ومن بلد لبد مقلقا راحة الاحتلال وجيشه إلى أن تمكنوا منه وظل رواية جميلة يتناقلها الناس كلما احتاجوا لنموذجا للصمود إلى أن جاء ابنه ليكرر الحالة فهل الأمر حكر على الأبطال وأبناءهم أم أننا بحاجة لبطولة الشعب كل الشعب حتى نتمكن من دحر احتلال بهذه القوة وهذه اليقظة وهذا التنظيم, احتلال لا يغفوا ولا تشغله عن قضية التخلص منا أية قضية مهما كبرت أو صغرت وكان لا حاجات شخصية لقادة الاحتلال وجيشه إلا حاجة التخلص من الشعب الفلسطيني وقضيته, في حين لدينا نحن الكثير من الانشغالات الهامشية والجانبية التي تصل حد إلغاء المشروع الوطني والقضية الوطنية لصالح المشروع الشخصي وفي أحسن الأحوال المشروع الحزبي أو الفصائلي وهو لا يبتعد كثيرا عن أشخاصه.
صحيح أن التجربة لم تستمر لأكثر من شهر إلا أن الدروس المستقاة كثيرة وفي غاية الأهمية وهي تبين نجاحات جيش الاحتلال وإخفاقاتنا في المقابل ومن المهم لجيل احمد والأجيال القادمة أن لا نمر عن التجربة مرور الكرام بل من الضروري أن نعطيها حقها بكل وضوح ومن الطرفين:
أولا: الاحتلال لا يتقاعس أبدا عن الرد ولا نجده عاجزا عن استخدام كل السبل للوصول إلى أهدافه وغاياته وهو اعتاد أن يقدم لنا الإثبات تلو الإثبات أن مستوطنيه الذين يجثمون على صدورنا أهم بما لا يقاس من كل الشعب الفلسطيني ولذا تراهم لا يكلون ولا يملون حتى يتمكنوا من الوصول إلى أهدافهم أولا لتمتين جبهتهم الداخلية وإقناع مستوطنيهم ان حياة المستوطن الواحد تستحق من جيشه وقيادته كل الإمكانيات والطاقات مهما كان الثمن ومهما طال الزمن وفي المقابل فان حياة أبناءنا وشبابنا وأطفالنا ونسائنا بكل المعاني لا تصل لدينا إلى هذا المستوى فمن منا لا زال يذكر مثلا أو يبحث عن قتلة الشهيد علي دوابشة وعائلته ولا سفاحي ومجرمي وقتلة الشهيد أبو خضير الذين مارسوا أقذر وأبشع جريمة في التاريخ انطوت بالنسبة لنا ولم تعد إلا مجرد ذكرى عابرة في خطاب هنا أو قصيدة هناك والفرق هنا هائل بما لا يقاس بين أولئك الذين واصلوا الليل بالنهار حتى وصلوا إلى البطل احمد جرار وبين الذين يغيب أبطالهم بمجرد انتهاء بيت العزاء مع أن العادة العربية والإسلامية أن بيوت العزاء لا تفتح إلا بعد دفن المتوفي فما بالكم بالشهيد إلا في حالتنا فنحن لا نتقن سوى بيوت العزاء إلا في حالات الثار العشائري نرى الأوداج المنتفخة تكاد تطلق الشرر دون أن يكون لذلك وجود في القضية الوطنية على الإطلاق.
ثانيا: تركز نشاط قوات الاحتلال في منطقة سكن عائلة البطل وفيما لا يزيد نصف قطر الدائرة التي عملت بها قوات الاحتلال عن 20كم على ابعد تقدير وكذا تركز هذا النشاط أيضا على شباب وبيوت العشيرة التي ينتمي إليها البطل وكان الأمر بات يخص البطل وعائلته وعلى ابعد تقدير العشيرة التي ينتمي إليها وقد تم تضييق الدائرة تدريجيا من حوله ويتبين من حركة الجيش أن البطل كان يتنقل وكانت قوات الاحتلال تتابع تحركاته مما يشير إلى ضعف حاد في قدراته على الاختفاء بما يعني انه كان وحيدا إلى حد ما وان أقاربه وأصدقاؤه كانوا هم الملاذ الحقيقي له ولذا كان تركيز قوات الاحتلال على اعتقال أقاربه الشباب وتحديدا من تربطه به علاقة شخصية أو علاقة قربى أكثر وكان واضحا أن دائرة الحماية للبطل لم تكن دائرة وطنية على الإطلاق وإلا لتمكن من الصمود أكثر فأكثر ولشكل فعلا قدوة تحتذى وقلقا لا ينتهي للاحتلال وجيشه.
ثالثا: أكثر من عشرة أحزاب وفصائل وسلطة ومنظمة وشعب قوامه في الضفة الغربية أكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني وأكثر من مليون ونصف في الجليل والمثلث والنقب والساحل ناهيك عن غزة والشتات بما يعني أن 12 مليون فلسطيني لم يتمكنوا من حماية شاب عشريني صار بطلهم ثم تركوه وحده فأي قوى هي هذه التي لم تعد تتقن سوى النعي وإصدار البيانات والاقتتال على دم الشهيد لا على حماية البطل.
أجهزة ومؤسسات دولة الاحتلال وصل بها الأمر إلى بحث إمكانية أن تكون عائلة عهد التميمي غير حقيقية وقد يصل بها الأمر حد فحص هذا الأمر في عائلة الشهيد نصر جرار وابنه احمد وهو ما يشكل اكبر اهانة لشعبنا وقضيتنا وكان بالاحتلال يريد أن يقول لنا باختصار شديد أن البطولة ليست من طبعكم وان هؤلاء الأبطال مستوردين وليسوا منكم وقد عرفنا الاحتلال دائما انه لا يطلق الشائعات ولا يرمي بأخباره أو بما يفكر إلا لأهداف يسعى للوصول إليها وهو هنا يريد أن يقول لنا أن البطولة ليست أصلا فيكم بل هي طارئة أو أنها حتى يمكن أن تكون مستوردة وليس بعيدا حادثة وادي الحرامية حين بدأ جيش الاحتلال يفحص إمكانية أن يكون منفذ العملية من بقايا الجيش الجمهوري الايرلندي مثلا وقد لا يكون بعيدا إن خرج علينا ناطقا باسم جيش الاحتلال ليقول إن نصر جرار وابنه من الممكن ان يكونوا منحدرين من الشيشان أو من الجيش الأحمر الياباني أو من أحفاد كومونة باريس الفرنسيين حتى يغتال بأبشع الطرق أحلام شبابنا وشعبنا.
كان هم الاحتلال وجيشه أن يتخلص من البطل ليس لذاته فقط بل لأنه لا يريد لأي بطل فلسطيني أن يكون القدوة والنموذج لجيل بأسره ومن جهتنا لم يجد شبابنا في فصائلهم وقيادتهم ومنظمتهم من يفكر ولو من باب احترام الذات ومبرر الوجود السياسي كيف يحمي احمد أو وذلك اضعف الإيمان كيف يفكر بالضحايا من أبناء شعبنا كعلي دوابشة ومحمد أبو خضير وغيرهم وغيرهم الكثير واخطر تلك الجرائم جرائم الاحتلال في عدوانه المتكرر على قطاع غزة وسقوط آلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى ومئات آلاف الأسر المشردة ومع ذلك انتهت الجريمة باحتفالاتنا بالنصر لا أكثر ولا اقل, كما انتهى الأمر بعلي دوابشة وأبو خضير ومحمد الدرة بخطاب أو قصيدة أو أغنية أو لوحة تشكيلية بمناسبة هنا او مناسبة هناك في حين دفع شعبنا مثلا ثمنا لمقتل الحاخام المستوطن الشهيد تلو الشهيد والجريح تلو الجريح والأسير تلو الأسير عدا عن الدمار المادي اليومي في جنين ومنطقتها وعلينا أن لا ننسى أبدا أننا وخلال أيام من مقتل الحاخام المستوطن دفعنا فقط في جنين وخلال أيام ثمنا لهذا الحاخام الشهداء احمد إسماعيل جرار واحمد أبو عبيد ثم البطل احمد نصر جرار ولا زال قتلة علي دوابشة ومحمد أبو خضير ومحمد الدرة ومجزرة أطفال عائلة بكر على شواطئ غزة عام 2014 وغيرهم وغيرهم أحرار يمارسون القتل يوميا في شعبنا والأطفال منا بالتحديد ولا زال تهويد القدس والخليل وتلال الضفة الغربية جميعها تسرق وتهود علنا ونحن لا زلنا نراوح مكاننا في البحث عن مخرج لحكاية الانقسام وفيما إذا كنا سنوقف التنسيق الأمني فعلا أم محض هراء كل ما يدور عن ذلك.
إن مواصلة تقديم القرابين من أبطال شعبنا شابا تلو شاب وشهيدا تلو شهيد ومواصلة فعل التصفيق والنشيد لهم لن يصل بنا إلى الحرية أبدا بل إلى نقص في عدد الأبطال وتراجع قدرتنا على مواصلة الفعل وقد تكون ما أسميت بانتفاضة السكاكين والتي غنى لها البعض أيضا حد اعتبارها انتفاضة تحرير القدس إثبات حي على أن الأفعال والبطولات الفردية المعزولة لن تحقق النصر لشعبنا وبلادنا وبعيدا عن فعل شعبي جماهيري حقيقي منظم وموحد لكل الشعب وقواه على قاعدة برنامج وطني واحد يلغي المصالح الحزبية والشخصية والفئوية ويجعل من الشعب والوطن وحدة واحدة اكبر من الأحزاب والفصائل والمصالح والقادة لا مجال لتحقيق الحرية والنصر لشعبنا وبلادنا وقد يكون من المفيد ان يكون البطل احمد جرار الذي غاب عنا - سواء صدقت أمنيات الشباب في حارات وبلدات جنين ومخيمها الذين يصرون أن بطلهم لا زال حيا أم لا – إثبات على أن شعبنا وأجيالنا الشابة بحاجة للقائد النموذج لا للقائد المحنط بربطة عنقه وبدلته الرسمية وسيارته الفارهة وميكروفونه وكاميرته التلفزيونية وحذلقة الكلام التي لا تغني ولا تسمن من جوع ويكفي أن نرى طريقة حديث القادة وحجم غضبهم حين يكون الحديث عن الصراعات الداخلية وعقلانيتهم المفرطة حين يكون الحديث عن الاحتلال وجرائمه لنجد أنفسنا نبكي دما على البطلين احمد ونصر جرار.