الحدث
في عام 1962 في الضاحية الجنوبية في بيروت، لم يكن يعلم فايز مغنية وآمنة سلامة أن مولودهم الجديد عماد سيصبح هدفا لأكثر من 40 جهاز استخبارات حول العالم.
عندما بلغ عماد سن السابعة عشر، انتمى لحركة فتح وشارك في دوراتها العسكرية، قبل أن يصبح مقاتلا في الوحدة العسكرية الخاصة (قوة 17)، لم يكن وقتها اجتياح إسرائيلي للبنان، ولكن عماد اختار أن يبدأ المواجهة مع إسرائيل مبكرا. كانت تنبئه طفولته أن إسرائيل تحتل القضية المركزية للعالم العربي والإسلامي وأنها سرطان يتمدد ويتمدد.
في العام 1982 شنت "إسرائيل" عدوانا على لبنان للقضاء على وجود منظمة التحرير في لبنان، ومع بداية الاجتياح سارع مغنية للانضمام إلى "أفواج المقاومة الإسلامية"، قبل أن يصبح أحد المؤسسين للجناح العسكري لحزب الله اللبناني.
وفي ذات عام الإجتياح، في عام 1982، قاد عماد مغنية ثلاث عمليات، جعلته في صدارة قائمة المطلوبين من قبل الولايات المتحدة وفرنسا. والعمليات كانت: تفجير السفارة الاميركية في بيروت في أبريل (نيسان) 1983 والتي اسفرت عن مقتل 63 اميركيا، وتفجير مقر قوات المارينز الاميركية في بيروت، الذي أودى بحياة 241 أميركيا، وتفجير معسكر الجنود الفرنسيين في الجناح، والذي اسفر عن مقتل 58 فرنسيا.
ورغم أن معلومات أجهزة المخابرات العالمية عن مغنية ضئيلة، إلا أن تقاريرها كانت ترمز إليه بالمسؤولية عن كل نشاط حزب الله سواء في مقاومة الاحتلال، أو في عمليات حزب الله الخارجية، وهناك شبهات بمشاركته في الهجوم على مركز يهودي فيبوينس ايرس عاصمة الأرجنتين أوقع 85 قتيلا ونحو 300 جريح في يوليو 1994.
بعد انسحاب "إسرائيل" من لبنان في عام 2000، اتهمته إسرائيل بالوقوف وراء عمليات اختطاف الجنود الإسرائيليين بعد الانسحاب، وكان مغنية خلال حرب عام 2006 مسؤولا عسكريا ميدانيا مباشرا، حيث شارك بنفسه في المعارك مع جيش الاحتلال في الجنوب اللبناني.
في إحدى مشاركات الأمين لحركة الجهاد الإسلامي رمضان شلح حول اغتيال عماد مغنية، قال أنه وقف ذات مرة مع عماد مغنية على الحدود وبدأ مغنية بترديد أبيات درويش "سنطردهم من اناء الزهور وحبل الغسيل .. سنطردهم عن حجارة هذا الطريق الطويل .. سنطردهم من هواء الجليل". مغنية كان له علاقات قوية مع الفصائل الفلسطينية وتعتبره في الانتفاضة الثانية أحد الداعمين الأساسيين لها.
مغنية وعالم المخابرات ..
يعتبر مغنية من أخطر المطلوبين في العالم قبل استشهاده، فقد عرضت الولايات المتحدة مبلغ 25 مليون دولار لمن يدلي بمعلومة قد تمكّن من الوصول إليه، كما أنه على لوائح المطلوبين للانتربول والاتحاد الأوروبي ومعظم الدول العربية، وبكل تأكيد كان مطلوب رقم (1) لإسرائيل.
وكانت الكثير من التقارير تتحدث عن أن عماد مغنية يغير كثيرا في ملامح وجهه من خلال عمليات التجميل التي كان آخرها في العام 1997، وأن الرجل يتنقل من خلال جوازات سفر مزيفة، فيما يمنع أهله من لقاء أحد إلا بموافقة الجهاز الأمني التابع لحزب الله. السرية التي تكتنف سيرة عماد غنية وصلت لدرجة أن حسن نصرالله أنكر ذات مرة وجود شخص بهذا الإسم في حزب الله، كان مغنية بالنسبة لنصرالله رجل المهمات الخطيرة والضرورية.
في 12 _2_2008 كان عماد مغنية يسير في شوارع دمشق، كان مغنية مطمئنا من أن أحدا لا يعرفه في الشارع، على مقربة منه كان عملاء الاستخبارات الأمريكية والموساد يرصدون تحركاته. تحركات مغنية كانت قد كشفت قبل هذا اليوم بأسابيع، وعندما اقترب مغنية من سيارة دفع رباعي كانت في الشارع، تم تشغيل العبوة الناسفة التي وضعت في مؤخرة السيارة من قبل مقر الموساد في إسرائيل. مما أدى لاستشهاده فورا.
وفي كتاب الجاسوس الطيب يروي كاي بيرد نقلا عن ضابط الاستخبارات الأمريكي السابق روبرت ايمس بعضا من تفاصيل اغتيال مغنية، مشيرا إلى أنه تم التأكد من قدرة العبوة على قتله من خلال 25 تجربة أجريت عليها في منشأة تابعة للمخابرات المركزية الأمريكية بحضور عملاء من الموساد.
بعد استشهاد مغنية كثرت الروايات حول طريقة الوصول له، فقد كشفت المخابرات السورية عن اعتقال أحد المشاركين في مراقبة مغنية وهو أردني من أصل فلسطيني، جندته المخابرات الإسرائيلية خلال زيارته للخليل.
تبقى أسرار مغنية بينه وبين قاتليه كبيرة، فالرجل عمل ضد قاتليه عشرات الأعوام، وعمل قاتلوه ضده عشرات الأعوام للوصول إليه .. لكنه رحل بعد أن استوفى ثأره.