ترجمة الحدث – ريم أبو لبن
" النهج التجاري والأعمال". استراتيجية جديدة أضافها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بجانب النهجان السابقان والمهيمنان على مسألة تقديم المساعدات الخارجية الأمريكية وهما : الاستراتيجية والإنسانية. وهذا بحسب تقرير نشره موقع " بيزا سينتر".
النهج الاستراتيجي يبنى على المصالح، أما الإنسانية فهي تنبى على "الرحمة" والتعاطف، أما النهج التجاري فهو يعتمد بشكل أساسي على الانتاج والعائد. وعليه فإن القوى العظمى تستخدم في سياساتها الداعمة النهج الاستراتيجي أما الأوروبيين فهم الأقرب للإنسانية.
أما ترامب فهو قد أتقن لغة "النهج التجاري" في تقديم المساعدات الأمريكية للفلسطينيين وقد ظهر هذا جلياَ بعد إعلانه بأن القدس عاصمة لإسرائيل، في حين وجه تهديدات بقطع المساعدات الأمريكية عن الفلسطينيين في حال رفضوا التفاوض مع الجانب الإسرائيلي، كما عمد على تخفيض المخصصات الأمريكية المقدمة لدعم وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين " الأونروا".
هذا النهج الجديد قد يؤثر على مواقف كلا من دولتي مصر والأردن، وذلك لأن هاتين الدولتين هما الأكثر استفادة من المساعدات الأمريكية، وقد يبدو هذا ظاهرة للعيان من خلال ردات أفعالهم المنخفضة و"الخجولة" تجاه إعلان ترامب بما يخص القدس، كما يمكن أن يكون لها تداعيات على علاقات إسرائيل مع الفلسطينيين والولايات المتحدة الأمريكية.
الرئيس الأمريكي ترامب هو رجل أعمال يطبق نهجاَ تجارياَ تجاه الدبلوماسية الخارجية وفي تقديم مساعداته للخارج.
فقد عمد على تخفيض الدعم الأمريكي للمقدم لـ وكالة " الأونروا" وبقيمة 65 مليون دولار،غير أنه هدد الفلسطينيين وخلال انعاقد مؤتمر المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بقطع الدعم عنهم إذا لم يعودوا إلى المفاوضات مع إسرائيل.
ترامب يسعى لتحقيق "الصفقة النهائية" ما بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وهو لا يسعى لتحقيق اتفاق سلام، فقد ما أراده هو " صفقة".
وعلى خلفية قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي يندد بالاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل، كرر ترامب تهديده بوقف المساعدات الأمريكية للدول التي صوتت ضد إعلانه في الأمم المتحدة.
هكذا أضاف ترامب نهجاَ تجارياَ اتبع بجانب الاستراتيجية والإنسانية القائمة على أساس تقديم المساعدات الأمريكية الخارجية.
الدول التي تتسم بـ"القوى العظمى"وهي المتمثلة بـ الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، تقدم مساعدات عسكرية واقتصادية على حد سواء كوسيلة لخدمة مصالحها الاستراتيجية.
في فترة الحرب الباردة، عمدت الولايات المتحدة الأمريكية على استخدام مساعدات أجنبية لدعم الحلفاء كـ إسرائيل والتي كانت تخضع للغوطات من جانب الاتحاد السوفيتي، في حين أن الاتحاد قد تصرف بنحو مماثل تجاه حلفائه ومن بينهم كوبا.
في حين قدمت الولايات المتحدة مساعدات واسعة النطاق لإسرائيل ومصر وذلك من باب دعم المفاوضات ما بينهم والحفاظ على اتفاق السلام في حال تم التوصل إليه.
هذه الاستراتيجية الأمريكية ما زالت قائمة حتى هذه اللحظة. حيث أن أمريكا تقدم المساعدات العسكرية لإسرائيل حتى تتمكن الآخيرة من مواجهة تحدي أي تحالف إقليمي معادي لها.
أما الصين فهي تستخدم الآن مساعدات اقتصادية واسعة النطاق لتوسيع وتعميق نفوذها على الساحة الدولية وتحديداَ في القارة الأفريقية.
بجانب القوى العظمى، تتربع بعض دول أوروبا الغربية والاسكندنافية على عرش الثراء لكي توسم بـ "الدول الغنية"، بما فيها (هولندا، فرنسا، ألمانيا، بلجيكا، بريطانيا، السويد، النرويج، الدنمارك)، وهذه الدول تقدم المساعدات والمساهمات دون أن تحصل على أي عائد ومن باب الإنسانية بعيداَ عن المنهج الاستراتيجي التي تتبعه الدول العظمى.
وهذه الدول تقدم المعونة للبلدان الفقيرة و"المتخلفة" لتضيق الفجوة ما بينها وبين العالم المتقدم، غير أن بعض الدول الثرية تعمل على تخصيص نسبة من ناتجها المحلي الإجمالي كدعم لدول فقيرة من باب الشعور بالإنسانية.
الفلسطينيون وبعد توقيف اتفاق أوسلو قد تلقو مساعدات من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وبقيمة تقدر بـ مليارات الدولارات.
وقد قدمت أمريكا المساعدات للفلسطينيين لأسباب استراتيجية مماثلة لتلك التي تكمن وراء المساعدات المقدمة لمصر، وفي مضمونها هدف واضح يرمي إلى تعزيز عملية السلام مع إسرائيل والحفاظ عليها.
أما المساعدات الأوروبية فقد مُنحت للفلسطينيين لأسباب تتعلق بالإنسانية، "وهذا الأمر نابع من فكرة أن الفلسطينيين فقراء ومحتاجون ومضطهدون ووجب مساعدتهم".
الأوروبيون يقدمون المساعدات والمعونات للشعب الفلسطيني دون أن يدركو كيف يتم استخدامها ! في حين أنهم قد تجاهلو الأسباب وراء معاناة الفلسطينيين. بحسب ما ذكر الموقع.
لكي تضح معالم الصورة أكثر، على سبيل المثال : " استثمارات حركة (حماس) الضخمة سنوياَ لمئات الملايين من الدولارات في صناعة الصواريخ وبناء الأنفاق، وذلك على حساب سكان غزة المحتاجين".
وجاء في التقرير : " لم يتساءل أحد في وقت سابق عن مقدار الأموال القادمة من المساعدات الخارجية والتي تدخل في النهاية المطاف إلى الحسابات المصرفية الخاصة بالقادة الفلسطينيين".
من هنا، بدأ الأوروبيون بطرح العديد من الأسئلة بعد أن أثبت لهم بأن السلطة الفلسطينية تستخدم دعمهم ومساعداتهم لدفع رواتب مرتفعة لـ"الارهابيين" الفلسطينيين على حد تعبير الموقع، وهم الذين أدينوا وسجنوا في إسرائيل، كما يتم إنشاء مؤسسات عامة تحمل أسماء " إرهابيين".
الولايات المتحدة الأمريكية قد منحت السلطة الفلسطينية ومنذ اتفاق أوسلو ما مجموعه 5.2 مليار دولار بحسب ما أفادت دائرة أبحاث الكونغرس الأمريكي، وهذا الرقم هو أعلى معدل للمعونة الخارجية الأمريكية.
وخلال الفترة ذاتها، قدمت الولايات المتحدة لـ وكالة "الأونروا" مبلغاَ إجمالي يقدر بـ 4.5 مليار دولار.
وكان قد ضاعف الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما المخصصات الأمريكية الموجه لكلا من السلطة الفلسطينية ووكالة " الأونروا".
في عام 2008، تلقت السلطة الفلسطينية قرابة 400 مليون دولار. وفي عام 2009 حصدت حوالي 900 مليون دولار أمريكي.
أما وكالة " الأونروا" فقد تلقت دعماَ أمريكياَ في عام 2008 و بقيمة تصل إلى 184 مليون دولار . وفي عام 2009 حصل على 268 مليون دولار أمريكي.
ومؤخراَ، تلقت السلطة الفلسطينية ملبغاَ يتراوح ما بين (500-400) مليون دولار سنوياَ، في حين قدمت لها وكالة " الأونروا" مبلغاَ يتراوح ما بين (400-350) مليون دولار.
وعليه وبحسب ما ذكر التقرير، إن المبرر وراء تقليص المساعدات المقدمة لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" هو أن هذه الوكالة تديم وضع الفلسطينيين كـ لاجئين، غير أن معظم موظفيها في قطاع غزة ينتمون لحركة " حماس"، غير أن مدارسها تزرع الكراهية تجاه اليهود وإسرائيل، وهي تقوم بغرس الصواريخ إسفل تلك المدارس بجانب إطلاق النار على إسرائيل من المناطق المحاذية تلك المدارس.
وجاء في التقرير : " كان ينبغي إغلاق وكالة الأونروا منذ فترة طويلة، ونقل مهامها إلى مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين والتي تتعامل مع اللاجئين على مستوى عالمي".
أضاف : " بدلاَ من اغتنام هذه الفرصة لإعادة تقيم وكالة الأونروا بشكل جاد، عمدت بعض الدول مثل بلجيكا وهولندا إلى رفع مستوى تقديم الدعم والمساعدات إلى الوكالة لتعويض النقص الأمريكي".
في ذات السياق، بالنسبة للرئيس ترامب فإن المعونة المقدمة هو استثمار وما ينجم عنه هو "العائد" وما يحقق المصلحة للإدارة الأمريكية، لاسيما وأن الهدف من تقديم المساعدات للفلسطينيين هو وجود عملية السلام.
غير ان الفلسطينيين غير مستعدين للتفاوض (كما هو الحال في فترة ولاية أوباما)، فإن المبرر لتقديم المساعدات قد ينهار.
وكان الرئيس ترامب قد وجد نفسه قد تعرض للاستياء والاهانة نتيجة مقاطعة الفلسطينيين لزيارة نائبه مايك بينس لإسرائيل، بجانب الإهانات التي تلقاها من قبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس وشركائه على حد تعبير الموقع.
" إدارة ترامب تدير العصا للفلسطينيين وتقدم لهم الجزرة". وفي دافوس استولى ترامب على تلك العصا، وحذر الفلسطينيين من قطع المعونة الأمريكية عنهم في حال لم يعودوا إلى طاولة المفاوضات ( وهنا يتمثل العائد الاستثماري الذي يتبعه ترامب) غير أنهم ستزداد معاناتهم.
من جهة أخرى، قال المبعوث الأميركي لعملية التسوية جيسون غرينبلات وخلال اجتماع عقد مؤخرا في بروكسل وضم الدول المانحة للفلسطينيين بأنه إذا عاد الفلسطينيون إلى طاولة المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي فإن الولايات المتحدة ستواصل تقديم مساعداتها.
من الممكن جدأ أن يساهم هذا النهج الذي يتبعه الرئيس ترامب في تحقيق الاعتدال النسبي بما يخص ردات فعل كلا من مصر والأردن تجاه اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتعزيز استجابة الفلسطينيين لقرار ترامب.
مصر والأردن، هي من أكثر الدول التي تتلقى مساعدات أمريكية، حيث حصلت كل دولة على حدا في العام الماضي قرابة 1.6 مليار دولار أمريكي، وهاتين الدولتين قد وافقتا على استقبال بينس، بينما قاطع الفلسطينيون زيارته.
الفلسطينيون قالوا بأن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على لعب دور الوسيط في النزاع مع إسرائيل، بينما العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أعلن بأن لا إجراء مفاوضات دون الولايات المتحدة الأمريكية.
في حين قال مسؤول مصري رفيع المستوي بأن مدينة رام الله وبلدة أبو ديس قد يشكلان عاصمة لدولة فلسطينية.
قد يشكل نهج ترامب التجاري تجاه المساعدات الخارجية تحدياَ لإسرائيل، لاسيما وأن ثلث تلك المساعدات الأمريكية المقدمة للفلسطينيين يوجه لإدارة التدريبات والحفاظ على نظام الأمن الخاص بهم.
تجميد المساعدات الأمركية لن يضر على الأرجح بالتنسيق الأمني الفلسطيني مع الجانب الإسرائيلي، غير أن حجب الموارد المتبقية قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، وربما يثيرموجة جديدة من "العنف".
وعلاوة على ذلك، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تمنح إسرائيل سنوياَ دعماَ عسكرية يصل إلى 3 مليارات دولار أمريكي.
قال ترامب : " إن على إسرائيل أن تدفع شيئاَ مقابل إعلان القدس عاصمة لها، وتقديم تنازلات كبيرة كجزء من اتفاق سلام". وبالتالي فإن نهج ترامب "التجاري" قد ينطوي عنه ضغط كبير قد يطال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وخاصة عندما يعلن نهائياَ ترامب " صفقة نهائية".