الحدث- ريم أبو لبن
"تجربة ملحمية منذ بدايتها، فقد أديرت الحروب على أرض المعركة لا في صالونات بعيدة، كانت صوت الإذاعة تحمل الثورة إعلاميا، وأغاني المقاومة تنشرها وطنيا، والآراء المختلفة تعزز الحالة نضاليا".
هكذا وصف أول وزير للإعلام في فلسطين نبيل عمرو المشهد الإعلامي الفلسطيني الذي كان يصنع أحداثه من مكان خارج الوطن لكنه كان ملتحما معه إلى حد أن المستمع لصوت العاصفة في القاهرة يظن أنه من داخال فلسطين.
قال عمرو لـ"الحدث" معقباَ على تجربته كرئيس لإذاعة "صوت العاصفة" التي كانت تبث من القاهرة: "بدأت العمل الإذاعي بمحض الصدفة عام 1970، بعد حديث هاتفي مع مؤسس صوت العاصفة، الراحل فؤاد ياسين، حينها لاحظ أنني أمتلك صوتاً إذاعياً، فعلى الرغم من أنني لم أكن أفكر بالعمل الإذاعي حينها؛ إلا أنني حصلت على عدة تدريبات في الإذاعة، وخلال أشهر قليلة عملت معلقاً رئيسيا، حتى أصبحت رئيسا لها بعد عام واحد".
وأوضح عمرو، أن المشهد الإعلامي الفلسطيني قد وقع في بؤرة الحزبية الضيقة، حيث لا مكان للمعارضين أو المنتقدين، وهذا ما يتجلى في الإعلام الرسمي.
الإعلام سابقاَ : ثوري وليس وظيفي
في حديثة لـ "الحدث" قال عمرو: إن أداء الإعلام الفلسطيني قد تغير؛ حيث كان يحرك في المستمع مشاعره الثورية، لا سيما وأن هذا الشعور قد جعل المقدمين والكتاب في حالة من الاندماج مع الثورة والمقاتلين وحتى مع الشعب الذي كان ملتزماَ بشكل قوي بالثورة الفلسطينية. مضيفا، إن الإعلاميين في ذلك الوقت كان عملهم يتجلى بأداء الرسالة، رغم أنهم لم يكونوا محترفين، ولكنهم كانوا مؤمنين برسالتهم، منتمين لها. باختصار لم يكونوا موظفين.
وتابع عمرو حديثه: "أذكر بأن ليبيا كانت تؤسس لإنشاء إذاعة الوطن العربي، ووقع الخيار علينا للعمل كمذيعين أقوياء في صوت العاصمة، وقد عرض علينا حينها راتب يعادل 20 ضعفا مما كنا نتقاضاه في صوت العاصفة، ولكن لم يغادر أحد منا مبنى الإذاعة، وبقينا نؤدي رسالتنا التي بدأنا بها".
وقال: "عملنا في الإذاعة كان يعني إيصال رسالة، فنحن لسنا موظفين لنختار الراتب أو المكان الأفضل، وهذا الرد كان يعكس روح العمل لدينا. وهذا لا يعني أن الأداء كان يخلو من أخطاء مهنية، ولكن كان بإمكاننا معالجتها، فهي تجربة قوية جداَ".
الإعلام الحالي: إعلام أحادي
وفيما يتعلق بالإعلام الفلسطيني وتحديدا الإعلام الرسمي؛ قال عمرو "هو إعلام أحادي، ولا يتوفر فيه الفضاء الكافي لتعزيز التعددية السياسية التي نحن بأمس حاجة لها الآن، فلم تتح الإذاعة الرسمية للمعارضين فرصة التعبير عن وجهة نظرهم، ويتم إقصاؤهم من المشهد.".
أما الإعلام المحلي، فقال إن عليه أن يُفكر مليا في :"التخلص من هذا النهج، والانفتاح على فضاء أوسع يضم كل الأطياف الفلسطينية، لاسيما وأن الشعب الفلسطيني لديه انتماءات فكرية واجتهادات كثيرة، ولديه المعارضون للسياسة والموالون والمتفهمون لها وكذلك المنتقدون، وكل ذلك من المفترض لو أتيحت له الفرصة للتعبير عن وجهة نظره أن يُساهم في إغناء وإثراء المشهد السياسي".
مواكبة العصر فقيرة
وفي ذات السياق، أضاف عمرو، أنه يتوجب على الإعلام أن يتطلع من حوله ويقيم أداءه، مرتكزا بالأساس على مواكبة عصرية لتطور صناعة الإعلام في العالم، التي تمضي بشكل متسارع، فلم يستطع إعلامنا إلى الآن اللحاق بها، وظل فقيرا لعصرية الآداء.
ويوضح: "عليه أولا أن يتخلص من الرسمية الزائدة، وتحديدا الإذاعة والتلفزيون الفلسطيني الرسميين، وأن ينفتح على الآخر، وأن يستفيد من التقدم التكنولوجي الذي أصبح فضاء مفتوحا يتيح إيصال الرسالة الإعلامية إلى العالم بسهولة، وأن يستفيد من الكفاءات الشابة ويستثمر فيها ويطورها."
وهذا الأمر بحسب عمرو قد يحقق نجاحاً للإعلام الفلسطيني، وإن لم يفعل ذلك؛ فسوف يبقى تأثيره محدوداً، وسنظل نخاطب أنفسنا.
الصحافة الورقية بقيت مكانها
وتطرق عمرو إلى الصحافة الفلسطينية بالقول في السابق كان الداخل الفلسطيني يشهد اختلافاَ طفيفاَ وكان الإجماع حينها لصالح الثورة الفلسطينية؛ لاسيما أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الإطار الجبهوي الذي كان يجمع كل القيادات والفصائل والقوى الفلسطينية، غير أن المنابر الإعلامية كانت مفتوحة آنذاك وتتحدث بلغة واحدة".
وأضاف "الفصائل الفلسطينية كان لها إعلامها الخاص وتتمتع بالحرية؛ حيث لم يكن يقترب منها أحد فكانت تناقش وتعارض وحتى كانت في بعض الأحيان تحرض."
ويوضح: "ورغم أن البيئة العامة الفلسطينية كانت في المنفى، إلا أنها كانت تضم منابر متعددة وتشكل الحالة الإعلامية الفلسطينية بشموليتها؛ وكانت تعمل بما أتيح لها من أدوات، وكان هناك مطبوعات لكل فصيل، وأحيانا إذاعة وصحيفة أسبوعية أو نصف شهرية، وكانت هذه المطبوعات تكتب ما تشاء".
الصحافة الورقية الآن، يقول عمرو: "بقيت مكانها منذ تأسيس السلطة الفلسطينية، لم تبتكر طريقة جديدة لتطيل عمرها بين يدي القارئ، ولم تتمكن هي الأخرى من الاستفادة من تجارب عالمية أو حتى تجارب الإعلام الورقي في اسرائيل للحفاظ على بقائه، والحفاظ على جمهوره."
رسائل الفلسطينيين غير مسموعة دوليا؟
ويرى عمرو أنه قد يتفق البعض على صحة الرأي السائد بأن الإعلام الفلسطيني وحتى هذه اللحظة غير قادر على تقديم الرواية الفلسطينية إلى العالم كما يجب، وأننا نواجه في الجانب الآخر حصارا إعلامياً إسرائيلياً، لكن عمرو يرى الأمر غير دقيق.
ويقول: "أنا أرى أن هذا الرأي ليس دقيقاً، فالتأثير الإعلامي لإسرائيل بدأ يتراجع نظراً لسياساتها المرفوضة دولياً، وبالتالي، فإن المسألة الأهم تتمثل في أن كسب التأييد يتوقف على أداء المستوى السياسي المدعوم إعلاميا."
ويؤكد عمرو على افتقار الإعلام الفلسطيني لأمور كثيرة تمنعه من أن ينافس وبجدية المنابر الإعلامية العملاقة والتي تتحدث باللغة العربية أو بلغات أخرى.
وفي ذات السياق، أوضح عمرو أن العالم العربي ينتج عشرات الآلاف من الساعات التلفزيونية وبكفاءة فنية عالية، كما وينفق مليارات الدولارات على هذه الأعمال حتى تصل للعالم.
وبحسب عمرو، وُضِع الإعلام الفلسطيني في منافسة هو غير قادر على إعداد الكادر لها أو حتى الإنفاق عليها، وبالمقابل فإن المنابر الخارجية تستقطب الكفاءات وتقدم لهم الميزات الكبيرة.
مخاطبة الجمهور الإسرائيلي بلغته
وفي رده على سؤال "الحدث"، حول القدرة على مخاطبة الجمهور الإسرائيلي بلغته، قال "نحن لسنا مؤثرين على هذا الصعيد، فالإعلام الإسرائيلي هو الأكثر تأثيراً بسبب وجود تلفاز وإذاعة رسمية ناطقة باللغة العربية، وذلك قد يرجع سببه إلى توفر الإمكانات وقوة البث بالموجات المتعددة، وهذا ما لا يتوفر لدى البيئة الإعلامية الفلسطينية، كما وأننا نفتقر لكفاءات إعلامية تتحدث باللغة العبرية".
وبيّن عمرو "أنه يمكننا الاستعانة بفلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948 في هذا المجال، فهم يمتلكون النبض الفلسطيني واللغة".
من أين نبدأ؟
قد يكون البحث عن جواب لهذا السؤال هو الأصعب، تحديداَ بعد مرور سنوات من العمل الصحفي والتنقل بين مدارس وجبهات إعلامية، ويضيف عمرو: "عندما عملت وزيرا للإعلام، حينها سألني أحد الصحفيين في اليوم الأول: ما هو أهم شيء قد أقوم به؟ أجبت: أن ألغي وزارة الإعلام".
ومن وجهة نظر عمرو، فإن وزارة الإعلام تحد من الفضاء الذي يتسم بالحرية الواسعة، لاسيما وأن الدول المتقدمة قد ألغت وزارة الإعلام وتركت الإعلام مفتوحاَ، وما يتحكم به هو القانون وليس التوجيه، فهناك قانون والجميع ملتزم به".
اليوم، يتم محاسبة الصحفي ومن يتهم بـ"التحريض" استناداَ لقرار بقانون جديد هو قانون الجرائم الإلكترونية والذي أقر عام 2017. إذا كيف يتسع الفضاء الإعلامي في ظل قانون غير قابل للتعديل ويصفه البعض بأنه قانون " مجحف" بحق الحريات الصحفية؟
وفي ظل هذا التخبط الإعلامي الذي يعيشه الصحفي الفلسطيني، تحتفل الإذاعات العالمية بذكرى اليوم العالمي للإذاعة، والذي يصادف يوم 13 فبراير/شباط من كل عام، حيث اختير التوقيت بالتزامن مع إطلاق إذاعة الأمم المتحدة عام 1946م.
وكان أحد الصحفيين قد كتب في هذه المناسبة، "في اليوم العالمي للإذاعة، لدينا زملاء في سجون الاحتلال والسبب هو الأثير، ولدينا إذاعات تم استهدافها من قبل الاحتلال، ورغم ذلك التغطية مستمرة والرسالة ستصل".
يذكر أن نبيل عمرو له باع طويل في العمل الإعلامي وفي الصحافة المسموعة والمكتوبة، حيث تقلد عام 1973 منصب مسؤول عام لإذعة صوت فلسطين التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، فيما أسس عام 1995 وتولى إدارة جريدة الحياة اليومية، والتي تتحدث بلسان السلطة الفلسطينية، وتولى بعد ذلك منصب وزير الإعلام الفلسطيني.