"كلما تقدم عقرب الوقت، عاد الزمن إلى الوراء"، لربما تكون هذه الفكرة الوحيدة التي تمكنت بالخروج بها من فيلم (الكتابة على الثلج) للمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، والذي كنت أحد الحاضرين لافتتاحه السبت الماضي.
مستوى الفيلم جاء من وجهة نظري الشخصية على غير المتوقع من مخرج بقامة اسم رشيد مشهراوي؛ لما لهذا الاسم من حضور فلسطيني وعربي وربما عالمي، وتحديدًا في الإنتاج الفلسطيني لما يسمى بالفن السابع.
لم أتناول فكرة الزمن في الفيلم اليوم للحديث عنه فنيًّا أو سياسيًّا، ببساطة لكوني لست ناقداً متخصصاً، ولكن اتناولها بوصفها مدخلاً قد يكون مفيدًا في تناول وضعنا الداخلي، وفي الواجهة منه وضع ملف المصالحة التي ترعاها الشقيقة مصر منذ البدء، واتخذت خطوات متقدمة بشأنها قبل أربعة أشهر من اليوم، وزيارة كامل أركان الحكومة الفلسطينية لقطاع غزة في تلك الأثناء على ضوء هذا التقدم.
هذه الزيارة التي استقبلها الشعب الفلسطيني بالكثير من التفاؤل الذي اتضح فيما بعد أنه كان تفاؤلاً مفرطًا في الآمال والتوقعات. لم يمر الوقت طويلاً حتى بدأ المواطن يشعر بأنَّ عقارب ساعة المصالحة، إنما تعود إلى الوراء عوضًا عن تقدمها إلى الأمام.
في هذا الوقت تحديدًا جرت مياه كثيرة، سواء فيما يخص وضع غزة الذي لم يعد يطاق اقتصاديًّا واجتماعيًّا، أو في وضع القضية برمتها بعد ما رشح من إجراءات إسرائيلية اتكأت على موقف الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب من القدس، وإعلانه المشؤوم بوصفها "عاصمة للدولة الإسرائيلية"، ما شجع حكومة الاحتلال على التسريع في إجراءاتها التي وصل أحدها لإقرار مشروع قانون جديد لضم مستوطنات الضفة الغربية، فضلاً عن مشروع القانون الذي أُعدَّ خصيصًا لحظر التفاوض على مستقبل القدس إلا بموافقة ثلثي أعضاء الكنيست.
فكرة الزمن هنا لعبت دورها المنتظر منذ أمد طويل، حين أتاحت الفرصة للكل الوطني باتجاه استثمار الموقف السياسي والوطني الموحد والصلب بشأن التصدي لهذه القرارات -بما فيها القرار الأمريكي المعتدي على الحق الفلسطيني والعربي في المدينة المقدسة- ومساندة الجماهير الفلسطينية والعربية لهذا الموقف الجريء من القيادة الفلسطينية وفصائل العمل الوطني كافة.
ولكن المفاجأة غير السارة، أنَّ عامل الزمن هنا لم يكن بالأهمية المفترضة لدى شريحة واسعة من القادة لاستثماره في إنهاء ملف المصالحة مرة واحدة وإلى الأبد، فبدلاً من طي صفحة الانقسام بوصفها صفحة سوداء مرت وانتهت من تاريخ الشعب الفلسطيني ونضاله المعمد بالكثير من الدماء، بات المواطن يشعر أنَّ عقرب الوقت في زمن المصالحة، وكأنه الحائل الذي يدفع بالزمن باتجاه العودة إلى الوراء بشكل متسارع يهدد ما تبقى من آمال في الوصول بقضيتنا الوطنية العادلة إلى بر الأمان؛ ما يعني أنَّ فيلم مشهراوي لم يكن الوحيد الذي لم يقنعني كمتلقي باستثمار فكرة الزمن على أكمل وجه سينمائياً، فالأمر سواء بينه وبين العديد من قادة العمل الوطني في بلادنا، إذ باتت "لعبة الزمن"، لعبة لفكرة لم تكتمل وطنياً، فهل صحونا؟