بقلم: رولا شهوان*
في ظل اهتمامي بموضوع الأرشيف البصري الفلسطيني، استوقفني فيلم "الارشيف المنهوب والمخفي"، الذي يتناول الارشيف الفلسطيني المسلوب والمخزن في الارشيفات الاسرائيلية، الفيلم من اخراج الدكتورة رونا سيلا، أكاديمية اسرائيلية محاضره في جامعة تل ابيب، وهي أيضاً باحثة في نفس المجال.
مع نهاية العام المنصرم2017، تواصلت مع أحد الأصدقاء في فلسطين 1948، محاولة الحصول على نسخه من الفيلم المذكور أعلاه للاطلاع عليه، وهو من جهته تواصل مع المخرجة، التي أبلغته بأنها تدعوني إلى عرض الإفتتاح في مدينة تل أبيب، إستغربت جداً من دعوتها، وأبلغت صديقي بأنني لا أستطيع الحضور لمشاهدة العرض، فأنا لا أملك تصريحاً يسمح لي بالدخول إلى أرضنا القابعة داخل الجدار، ولا أستطيع أيضاً الوصول إلى القدس، التي لا تبعد سوى 15 كيلو متر عن مدينة رام الله حيث أسكن، فكيف لي أن أصل تل ابيب.
طلبها هذا أثار استغرابي وزاد من رغبتي في حضور الفيلم، فكيف لأكاديمية إسرائيلية أن تتبنى الرواية الفلسطينية بخصوص الأرشيف الفلسطيني المنهوب، وهي لا تدرك مدى القيود التي تحد من قدرة الفلسطينيين على التنقل بحرية؟
سعدت جداً بالحصول على نسخة إلكترونية من الفيلم من أحد الأصدقاء، قمت بمشاهدته مرة أولى وكررت المشاهدة، في محاولة لفهم مدى تماهي طرح المخرجة مع الطرح الفلسطيني بشأن موضوع الارشيف، حاولت أن أقرأ الفيلم بحيادية، آخذه بعين الإعتبار التوجهات اليسارية المسالمة للمخرجة والأكاديمية التي تنعكس في مقالاتها، لكنني وجدت نفسي أمام طريقة عرض تجعلك من الوهلة الأولى تدرك أن الراوي هو إسرائيلي، فاللغة الانجليزية المحكية في الفيلم هي ذات النبرة التي نسمعها على حواجز الإحتلال، ونفس اللكنة التي تذكرنا بجنود الاحتلال، وهم يعترضون طريقنا ويسألوننا عن وجهتنا وتفاصيلنا الشخصية.
تبدأ المخرجة الفيلم بكلمة عزيزتي خديجة "خديجة أبو علي"، هذه الجملة علقت بذاكرتي من المرة الأولى للمشاهدة، فهي تعطي انطباعاً بأن العلاقة التي تجمعنا كشعب محتل مع عدونا هي علاقة ودية وحميمة خاصة للمشاهد الغربي، أيضاً توحي للمشاهد أن الطرف الأقوى هو من يملك زمام المبادرة بالحديث عن الطرف الآخر(الفلسطينيين)، وعن ارشيفهم ويروي قصتهم، وهو الذي يملك القوة والقدرة على امتلاك المعلومة، فالمخرجة استطاعت الوصول إلى هذه الأرشيفات والإطلاع عليها، لذلك فهي من يسيطر على التاريخ والمعلومات من منطلق من يمتلك المعلومة يمتلك القوة.
تروي المخرجة قصة والدها الذي كان يعمل بالجيش وقاتل في مدينة القدس، وهو من استولى على الصور الفوتوغرافية من استديو في مدينة القدس ، ثم تم منح هذه الغنائم لجريدة عسكرية كانت مهتمة بتجميع الارشيفات المنهوبة، لم أشعر حتى بتعاطف المخرجة مع الضحية، وهي تروي هذه القصة التي توجع كل فلسطيني يشاهد الفيلم، وتذكرنا بغطرسة الاحتلال، وجبروته ومدى الظلم والنكبة التي أحلت بنا وما زالت.
تصر المخرجة على استخدام كلمة العرب خلال الفيلم، فهي عندما تتحدث عن سرقة الصور والالبومات من العرب من استديو رصاص الذي يملكه عربي ، وعندما تصف عملية سرقة الجنود لصور فوتوغرافية كانت بحوزة "عربي ميت"، لم توضح سبب وجود هذا العربي وماذا كان يفعل. فتكرار كلمة عربي بهذه الطريقة لم يكن مُوفقا، وإنما أكد الرواية الصهيونية التي تدعي بأن الفلسطينيين لم يكن لهم وجود ولا هوية ما قبل 1948.
من يستمع لحديث الجندي الذي شارك في هجوم على بيروت 1982، نبرة الصوت الذي يتحدث بها وطريقته في سرد تجربته بحزن وندم وخوف وكأنه كان مرغماً على ذلك، تلمس مدى الرعب الذي كان يشعر به هؤلاء الجنود الغزاة، من خلال ذلك تصور المخرجه انسانية الجندي الاسرئيلي.
إن ملاحظاتي وانطباعي الشخصي عن الفيلم لا يقلل من أهميته، إن خصوصية هذا الفيلم تنبع من كونه يشكل اعترافاُ صريحا بسرقة الاحتلال للوثائق والارشيفات الفلسطينية، ويسلط الضوء على موضوع الأرشيف الفلسطيني المنهوب من خلال شهادات حيه تثبت ذلك، وتؤكد أن سرقة هذه الارشيفات تمت بطريقة ممنهجة ومنظمة من قبل الحركات الصهيونية.
تؤكد المخرجة أن عمليات النهب والجمع كانت تهدف إلى محو كل ما يثبت الوجود الفلسطيني ويعزز روايته.
يقدم هذا الفيلم وثيقة قانونية للجهات المختصة في السلطة الوطنية الفلسطينية،حيث يمكن الارتكازعليها للمطالبة بهذه الارشيفات التي تصنف قانونيا بغنائم حرب.
بالرغم من حيادية المخرجة في بعض مشاهد الفيلم، إلا أن الصوت الفلسطيني كان غائباً عند الحديث عن موضوع الارشيف، فالمخرجه تحدثت وسردت قصة الارشيف بنفسها نيابة عن السيدة خديجة والسيدة تمام الأكحل اللتان لم تظهرا في الفيلم، السيدة رونا تحدثت عنهن وعن تجربتهم. كذلك الأمر عندما تحدثت عن تجربة المخرج العراقي قيس الزبيدي وارشيف منظمة التحرير.
تختتم المخرجة بالقول العزيزات (خديجة وتمام) "لا أنسى الحديث الذي دار بيننا في أحد مقاهي عمان"، لماذا التأكيد على هذا الجو الودي الذي يحكم العلاقة بيننا كفلسطينيين وبينهم كمحتليين، والواقع يؤكد عكس ذلك، لا أنكر أن المخرجة بذلت مجهوداً في البحث عن الأرشيف الفلسطيني المنهوب داخل الارشيفات الإسرائيلية، لكن الطرح وغياب الصوت الفلسطيني المباشر هو ما يجعل الفيلم وسيلة أخرى من وسائل الاحتلال لمصادرة الرواية الفلسطينية والصوت الفلسطيني، واثبات أن الأقوياء هم القادرون فقط على كتابة التاريخ.
* باحثة ومختصة بالأرشيف البصري