هذا هو حال نتنياهو، تقول مسيرته طويلة الأمد في رئاسة الحكومة الإسرائيلية، إنه كلما تورط في قضية خاسرة ، هرب منها إلى قضية أخرى... وخاسرة أكثر.
لا أقصد فقط قضايا الفساد الأربع، وانهماكه في معالجتها بمجرد التذكير بأهمية بقائه في منصبه، فهنالك ما هو أهم وأخطر وأكثر استراتيجية، فهو يواصل التحذير من الخطر الإيراني المحدق بإسرائيل، من خلال الترسانة الباليستية، والتواجد القوي على الجبهة الشمالية، ولا يكتفي بإشهار قدرة الجيش الإسرائيلي على هزيمة الإيرانيين ووكلائهم في سورية ولبنان، بل وسع الدائرة في ميونخ، حين أعلن جاهزيته لضرب إيران في عقر دارها، ولإضفاء مصداقية على أقواله واعتمادًا منه على قدراته الخطابية، فقد أضحك المشاركين في مؤتمر ميونخ حين أقام دليلاً دامغًا، على هذه الأقوال الكبيرة، فرفع أمام الحضور وعلى شاشات التلفزيون التي تغطي العالم بأسره، قطعة من حطام الطائرة الإيرانية التي أسقطت في الجولان.
ليس هذا كل شيء فالجبهة الشمالية إنْ لم يستطع فتحها لأسباب روسية، وربما صاروخية وباليستية، فها هو يمهد لفتح الجبهة الجنوبية بحرب تدميرية على غزة، معتمدًا على أنه لا أحد سيخِفُّ لنجدتها حين يقوم بجولة تدميرية لها لم يعد يعرف رقمها.
وإمعانًا في حمل كومة بطيخ في يد واحدة استحدث نتنياهو جبهة جديدة تبدو فرعية' إلا أنها تقع في صلب الموضوع، إنها جبهة البلوك 9، حيث مخزون الغاز الوفير الواقع في المياه الإقليمية اللبنانية، تحت ادعاء من نتنياهو بأنها إن لم تكن في المياه الإقليمية الإسرائيلية فهي في منطقة متنازع عليها، هنا لم يضع حزب الله وصواريخه على المهداف، بل أضاف إليه كل اللبنانيين الذين اتحدوا بنسبة مئة بالمئة، وهم مستعدون للقتال دفاعًا عن ثروتهم الوطنية التي ستنقل بلدهم الصغير، ولكن النوعي إلى واقع اقتصادي أفضل بكثير مما هو عليه الآن، ويضلل نتنياهو نفسه إذا اعتقد أنّ اللبنانيين سيتهاونون في هذه القضية.
أما الثقل الأكبر الذي وضعته خطابات نتنياهو على كاهل إسرائيل ـ فهو إعلانه أنه قادر على حماية العرب جميعًا من الخطر الإيراني، وادعاؤه هذا يتطلب وفق معادلته تقديم القدس مقدم حساب لهذا الوهم.
حقًّا إنّ شر البلية ما يضحك، هنالك لاعبان فقط يستطيعان حمل هذا الكم من البطيخ في يد واحدة .. الأول ساحر يعتمد على الخداع البصري، والثاني لاعب سيرك يعمل في المسارح والملاهي، وبوسع نتنياهو أن يختار لنفسه واحدة من الاثنتين.