أساءت جهات إعلامية إلى تصريحات د. صائب عريقات مع مراسل القناة الإسرائيلية الثانية حين سلطت الأضواء على العبارة التي قال فيها: "إن الرئيس الحقيقي للشعب الفلسطيني هو ليبرمان ورئيس وزرائه هو مردخاي."
فبغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع النهج السياسي الذي يؤمن به د. عريقات، لكن الكلام الوارد في المقابلة هو كلام مهم، بل لعله الأهم له، والذي سيدخل ضمن سجلات توثيق المرحلة السياسية الحالية، لأنه يشكل اعترافاً واضحا من د. عريقات، وبكثير من المرارة والألم، بأن المسار السياسي، الذي دافع عنه طويلا، وكان عرابه، وكبير مفاوضيه، قد فشل.
وليس أصعب على المرء من أن يصل إلى مرحلة يواجه فيها نفسه، بأنه قد فشل، بغض النظر عن السبب والمتسبب، فهو يعلم جيدا، أن الأشخاص يرحلون لكن التاريخ من ورائهم يبقى إلى الأبد.
لقد قدم د. عريقات اعترافا مستشرفا فيه القادم، بأن الدولة الفلسطينية ستختفي، ولعل في إشارته إلى الجيل الصاعد ركيزة لهذا الاستشراف، حين قال إن الجيل الشاب اليوم يؤمن أن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لا يكون إلا من خلال دولة واحدة بحقوق متساوية.
ففرضية الضغط حتى التنازل ومن ثم التنازل لم تعد قائمة الآن لأن المؤسسات الرسمية الفلسطينية لم تعد قادرة على منح الشرعية لأي تنازل يمكن تقديمه تحت بند المفاوضات أو العملية السلمية. من هنا نرى أن الرئيس عباس، يتحرك جاهدا، لكن مكانه، لإيجاد مخرج واحد في أي اتجاه، لكنه للأسف لن يجد ذلك المنفذ.
ولعل د. عريقات يُقدم للرئيس عباس في هذه المقابلة الحل السحري: الدولة الواحدة، فنحن كشعب نؤمن بالتعايش مع اليهود "كدين" لا "كقومية" أو "إثنية -عرقية"، وقد عشنا مع مختلف الديانات، وعشنا مع كل الشعوب التي جاءتنا من وراء البحار لتحتلنا، منذ ما قبل التاريخ، إلى ما بعد ميلاد المسيح.
إن أقوال د. عريقات، شكلت حالة من الاعتراف، ذكرتني، برواية مكسيم غوركي "الاعتراف- أو- أين الله"، التي كتبت قبل أكثر من 100 عام من الآن، في أوضاع كانت تعاني روسيا في ظل حكم لينين معاناة اشتدت فيها قبضة النظام على حياة الناس بمختلف مجالاتها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وكان غوركي يطرح حينها فكرا مختلفا، عن فكر صديقه لينين، اللذين كانا معا يؤمنان بنهج واحد اختلف ما بعد تطبيق الثورة لأفكارها على الأرض.
لسان د. عريقات في المقابلة كأنه يقول:
"جلستُ مطرقا وكل شيء بداخلي مطرق كأنه مكسو بالرصاص،
أشعرُ أنني ثقيلٌ مثل الصخر، وباردٌ مثل الجليد،
كززتُ على أسناني، كمن يريد أن يكبح جماح أفكاره،
فيما هي جمرات تتقد وتحقرني.
كنت أشتهي أن أعض أحدا، لكن ما من أحد حولي.
فأمسكتُ بشعري أهز نفسي كأني لسان جرس،
وأصرخُ في أعماقي، وأبكي وأجن."
(اعتراف أين الله- مكسيم غوركي)