قالت مصادر فلسطينية مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، إن حركة حماس ناقشت، بشكل موسع، إمكانية تشكيل حكومة إنقاذ وطني في قطاع غزة، في خطوة تستهدف إقصاء حكومة الوفاق. لكنها لم تتخذ خطوات على الأرض، بسبب عدم تقبل فصائل فلسطينية أخرى للفكرة، وخشية من غضب مصري.
وبحسب المصادر، فإن الفكرة لا تزال مطروحة على طاولة البحث، بين أفكار أخرى، في محاولة أيضاً للضغط على السلطة الفلسطينية. وأكدت المصادر أن الحركة في خضم نقاش واسع حول مستقبلها ومستقبل قطاع غزة، في ظل تفاقم الأزمات، وانسداد أفق المصالحة، وتراجع الدعم المالي لها.
وتوجه حماس نحو تشكيل حكومة إنقاذ وطني في غزة، ليس سرّاً، إذ دعت الحركة، قبل يومين، إلى رحيل حكومة رامي الحمد الله وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، تخدم الكل الفلسطيني وتُسهِم بشكل كبير في إنجاز الوحدة والمصالحة.
وأكدت المصادر أن الفصائل الفلسطينية لم تُعِر هذه الدعوة أهمية. لكن تطور الموقف أمس، مع دعوة محمود الزهار، رئيس كتلة التغيير والإصلاح، جميع أعضاء المجلس التشريعي من الكتل والقوائم البرلمانية، لعقد جلسة طارئة لمناقشة تشكيل حكومة إنقاذ وطني، وكيفية الرقابة عليها.
وقال الزهار خلال جلسة لكتلة حماس في المجلس التشريعي عقدت في غزة، إن «حكومة الحمد الله حكومة غير شرعية، لأنها لم تمنح الثقة من المجلس التشريعي وفقاً للقانون الأساسي الفلسطيني وبنود اتفاق الفصائل الفلسطينية».
وطالب الزهار النائب العام بـ«فتح تحقيق رسمي بالفساد مع رئيس الحكومة رامي الحمد الله والفريق العامل، لانتحالهم صفة الحكومة والوزارة، وقيامهم بالتصرف في المال العام خلافاً للقانون الأساسي والأصول».
ودعا «الأطراف ذات العلاقة، إلى إبلاغ الوسيط المصري بصورة حازمة عن موقف المجلس التشريعي، من أجل إلزام حركة فتح بتنفيذ بنود اتفاقيات المصالحة».
وطالب الزهار القوى الفلسطينية والأطر الوطنية الفاعلة بأن تقول رأيها صراحة في الجهة المعطلة للاتفاقيات المذكورة.
وتشير دعوة الزهار إلى ضغوط داخلية من مسؤولين في حماس لتشكيل حكومة الإنقاذ. ويعبر موقف الزهار عن رأي كثيرين في قيادة الحركة. لكن تياراً آخر يرفض ذلك، ويقول إن على حماس عدم العودة إلى حكم قطاع غزة مهما كلف الأمر.
وردت الحكومة الفلسطينية بقوة أمس، على دعوة الزهار، وقالت إن أقواله تمثل «فجوراً وطنيّاً». وأصدر المتحدث الرسمي باسم الحكومة، يوسف المحمود، بياناً جاء فيه أن «الحكومة تعتبر الأقوال الأخيرة التي أدلى بها (الزهار) فجوراً وطنياً، وهي غير مسؤولة، وتثبت روح العداء المتأصلة ضد شعبنا وقيادته، لدى بعض الأفراد الذين ينتمون إلى حماس ويتخذون منها غطاء لطيشهم وعبثهم المشهود فيما يتصل بمصالح شعبنا، وأوضح دليل على ذلك هذا الانفلات الأخير، الذي يَصُبّ في خانة تدمير ومحق أي أثر للمصالحة، وإنهاء الانقسام الذي اقترفته أيديهم».
وأضاف المتحدث الرسمي أن «الذي يجب أن يحاسب ويخضع للمحاكمة والتحقيق هو مَن يدمر ويخرب المصالحة الوطنية، ومن يخطف مستقبل أبناء شعبه، ومن يثير مثل تلك النعرات ويهدد نسيج أبناء شعبنا عبر أقواله اللامسؤولة. ومن المعيب وطنيّاً وأخلاقيّاً وقيميّاً، أن تخرج مثل تلك التفوهات التي تحاول المساس بمقام دولة رئيس الوزراء، كلما قدم رؤية جديدة لضمان تحقيق المصالحة وإنقاذ أبناء شعبنا في القطاع».
وتابع: «لقد صار واضحاً ومعلوماً أسباب إطلاق هذه الحملات (المدفوعة) ضد القيادة والحكومة، خصوصاً في هذه المرحلة، فقد اشتدت قبل خطاب السيد الرئيس في مجلس الأمن وتواصلت في اليوم التالي، وتوافق ذلك مع إعلان دولة رئيس الوزراء عن إيجاد عشرين ألف وظيفة لأبناء شعبنا الصابر في القطاع، وإعلان الحكومة عن مشاريع ضخمة». وعدّ الناطق الرسمي تصريحات الزهار ضمن «الحملة العدوانية المدفوعة» التي تشنها أطراف (عديمة المسؤولية) في حركة حماس ضد القيادة والحكومة.
ويعكس التلاسن بين حماس والحكومة الفلسطينية المدى الذي وصل إليه تدهور العلاقات بين الجانبين، وصعوبة تحقيق اتفاق في غزة.
ويُفترض أن تكون حماس سلَّمَت مسؤولية القطاع لحكومة التوافق الوطني، وفق اتفاق المصالحة في القاهرة في أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي، لكن الحكومة اتهمتها بمواصلة السيطرة على الوزارات والمؤسسات والجباية المالية.
وطرح رئيس الحكومة الفلسطينية، رامي الحمد الله، مراراً، شروط حكومته من أجل استكمال العمل في قطاع غزة، وتشمل تسلُّم الوزارات والمعابر والجباية المالية والسماح للموظفين القدامى بالعودة، لكن حماس اتهمته بممارسة التضليل.
وجاء الهجوم الحكومي على الزهار وبعض مسؤولي حماس، في وقت أعلن فيه مسؤول العلاقات الدولية في حركة حماس، أسامة حمدان أمس، أن الحركة تستعد لمرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس، مؤكداً أن القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان، لم يكن ولن يكون خياراً من خيارات الحركة.
وأضاف حمدان، وفق ما أورد الموقع الإلكتروني لإذاعة الأقصى التابعة للحركة، «لدى حماس 3 أوراق قوة، يجب ألا نغفل عنها: المقاومة، وطبيعة القضية التي لا يسهل إنهاؤها، والبيئة الإقليمية المتحركة»، مضيفاً: «فتح في مأزق فشل التسوية، وسقوط وحدانية تمثيلها للشعب الفلسطيني». وتابع: «أظن أن الرئيس عباس انتهى سياسياً».
وتواجه الساحة الفلسطينية خلافاً سياسياً وقانونياً متوقَّعاً في حالة غياب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، حول «الرئيس المؤقت»، إذ تقول حماس إنه منها وهو رئيس المجلس التشريعي وتقول فتح إنه لا توجد رئاسة حالية للمجلس.
ولم يُعرَف بعد إذا ما كان عباس سيعين نائباً له في الفترة القريبة المقبلة، وهو مطلب قديم استُبدِلت به انتخابات داخل فتح وأخرى مرتقبة داخل المنظمة لتأمين انتقال سلسل للسلطة.
ويُتوَقَّع أن تثير تصريحات حمدان غضباً واسعاً داخل حركة فتح التي يتزعمها الرئيسرعباس. واتهم مسؤولون في فتح حماس أمس بالتغريد في صف الإسرائيليين ضد الرئيس عباس.