تبعد أقرب نقطة حدودية سورية عن أقرب نقطة حدودية إيرانية ما يقارب من 270 كم، يفصلهما شريط حدودي ضيق في شمال العراق تعيش فيه أغلبية كردية، في حين يعيش على الشريط الحدودي ما بين العراق وايران من الجهتين الإيرانية والعراقية أغلبية كردية أيضا، وكذلك على طول الحدود التركية العراقية السورية.
لذلك نرى أن هنالك دعما اسرائيليا أمريكيا لإنشاء دولة كردية، هدفها الأساسي هو فصل إيران عن سوريا وحزب الله في لبنان، وبالتالي كسر هذا التحالف الاستراتيجي وخط الإمداد البري بالسلاح لحزب الله ليتم التخلص منه كخطر استراتيجي يهدد اسرائيل.
أما هدفها الثاني فهو السيطرة على حقول النفط والغاز في سوريا، فالتقديرات الأولية تشير إلى أن في سوريا غازا إذا ما تم البدء باستخراجه اليوم فهو لن ينضب إلا في عام 2051 ، ففي طرطوس تحديدا يوجد بحر من الغاز، فلا غريب إذا أن تكون لروسيا قاعدة عسكرية هناك، لتمنع أي منافس لها بالتوجه نحو سوق الغاز الأوروبي، فهي تخشى مثلا من أن تقوم قطر بمد خط أنبوب غاز عبر سوريا وصولا لأوروبا فتفقد موقعها كأكبر مُصدِّر للغاز لأوروبا.
قطر من جهتها تدرك الواقع الجيوسياسي الجديد للمنطقة، لذلك اتخذت جهة معاداة النظام السوري، فلا مصلحة لها في بقائه، وتريد لسوريا أن تصبح شيئا من الماضي، فالغاز السوري تهديد وجودي لها لأنها تسيطر على ثلث سوق الغاز المسال العالمي وتمتلك أضخم محطات تمييع للغاز، واستخراج الغاز السوري، يعني أن تكلفة تسوق الغاز القطري سيكون أعلى من نظيره السوريز السوري، فضلا عن أنه لن يسمح لها بمد خط أنابيب إلى السوق الأوروبية.
في الجولان المحتل، حيث بدأت اسرائيل بالتنقيب عن النفط هنالك عشرة أضعاف الكميات الموجودة في حقول النفط في الدول الأخرى، وذلك بحسب ما قال يوفال بارتوف كبير الجيولوجيين في شركة أفتيك المنقبة عن النفط للقناة الاسرائيلية الثانية، وبما يكفي اسرائيل من البترول لأربعة قرون، لهذا يفهم تصريح نتنياهو الأخير في بعده الجيوسياسي تصريحا استراتيجيا بأن اسرائيل لن تتخلى عن احتلالها للجولان.
من جهتها نشرت الولايات المتحدة الأمريكية قرابة ألفي جندي في شمال سوريا على 10 قواعد عسكرية ضمن حلفها مع الأكراد، هذه القواعد تشكل بديلا لقاعدة أنجيرليك التركية، وتشكل معامل قوة وردع في وجه التواجد الروسي في سوريا، وتتسبب في تصدع التواصل ما بين إيران وسوريا وحزب الله.
اعتراض الأتراك لباخرة التنقيب القبرصية في مياه البحر المتوسط بذريعة المناورات العسكرية، قبل نحو أسبوعين، ونشرت أنقرة بعد هذه الحادثة بوارج حربية لمنع شركة إيني الإيطالية من التنقيب عن الغاز قبالة سواحل قبرص.يؤكد على أن أي تقاسم للغاز في مياه البحر المتوسط لا يتم دون تركيا.
تهديد نصر الله بضرب منصات الغاز الإسرائيلية في خطابه الأخير، تهديد هدفه حماية الحقوق اللبنانية في الغاز المكتشف في بلوك-9، الذي تريد اسرائيل سرقته، ما يدفع الأخيرة إلى التفكير بأكثر من سيناريو للسيطرة على الغاز اللبناني، ليكون سيناريو الحرب السيناريو الأهم، بينما تخرج مصر من معادلة الغاز وتحيدها رغم أن حقول الغاز المكتشفة في المياه الإقليمية المصرية تعد الأكبر في البحر المتوسط.
المشهد العام ومآلته، وسقوط الطائرة الإسرائيلية، يعني أن التقاسم الاقتصادي السياسي لسوريا لم يبدأ بعد، لكن تلك كانت أول إرهاصاته.