الحدث - ياسمين أسعد
"لا تعطيني سمكة، بل علمني كيف اصطادها" مثلٌ اتبعته وزارة شؤوون المرأة والمؤسسات القائمة بمشاريع تمكين المرأة الفلسطينية اقتصادياً، والتي باتت تستهدف النساء اللواتي يقطن مناطق الريف والقرى المهمشة، في محاولةٍ لاستثمار طاقاتهم المخزونة وأفكارهم الابتكارية للنهوض بالسوق الفلسطينية ومنتجاته الإبداعية بطابع وطني يصل العالم بلمسة أُنثوية.
ويعرف "التمكين الاقتصادي للمرأة" بأنه تزويد النساء الرياديات صاحبات الأفكار بالدعم المالي والفني لإيجاد مشاريع مستدامة تمكنها من العيش بكرامة ودون حاجة الآخر، أو دعم مشاريع صغيرة قائمة بالفعل من الجوانب التسويقية والفنية على حد سواء، بما يضمن استدامة المشروع وتمكين المرأة من تطوير ذاتها اقتصادياً.
وفي هذا السياق، قال وكيل وزارة المرأة بسام الخطيب لـ"الحدث": إن التمكين الاقتصادي للنساء من أهم المحاور التي تعمل عليها الوزراة، ونهدف من خلاله إلى تأهيل النساء وتعليمهم وتدريبهم على مشاريع دائمة وليست منح مؤقتة للتأثير في التنمية الاقتصادية والمشاركة في صنع القرار وسوق العمل وشغل مناصب سياسية".
وحول دور وآلية عمل الوزارة في تفعيل مثل هذه المشاريع، أكد الخطيب "نعمل في مشروع تمكين المرأة اقتصادياً ضمن المنهجين النظري والعملي، فنحن ندعم المشاريع الصغيرة للنساء الفلسطينيات عبر رسم الخطط الاستراتيجية لإدراةوتشغيل المشاريع، عبر التنسيق بين النساء أصحاب المشاريع الريادية والمؤسسات المانحة الموفرة للخدمات".
وأضاف: "نستهدف من خلال هذه المشاريع النساء الأسوء حظاً في مناطق القرى الفلسطينية المهمشة التي تعاني من الفقر المطقع، خاصةً النساء اللواتي أصبحن بصورة مفاجأة وفي أعمار مبكرة معيلاتللعائلة، وتبعاً لقيود الاحتلال السياسية والظروف الاجتماعية، فتلك النساء فريسة سهلة للاستغلال المجتمعي، لذلك نعمل على التمكين الشخصي والنفسي لهنّ قبل تمكينهن اقتصادياً".
واستطرد قوله: "عبر التدريبات المكثفة وورش العمل التي تخضع لها النساء، في مجالات متنوعة يتم تأهيلهن إدارياً مالياً وقانونياً، فتصبح النساء أكثر وعياً بكيفية إدارة المشاريع، وتطويرها لتصبح أقرب للمنافسة على المستوى العالمي وعبر التسويق المناسب للمنتج تحقق الأرباح وبالتالي التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة في المجتمع".
وأوضح الخطيب أن الوزارة تعمل بشكل أساسي على تغيير الصور النمطية عن طبيعة العمل النسوي، مبينا أنه "في فلسطين للأسف باتت منتجاتنا تقليدية، لذلك نسعى كوزارة إلى تطوير نوعية المشاريع والمنتج للمنافسة في الأسواق العالمية، عبر التركيز على جودة المنتج وسعره وجاذبيته، إذ نشجع النساء على ابتكار أفكار غير تقليدية لمشاريعها الريادية بالتنسيق مع المؤسسات المانحة، وندعم أي مشروع قائم فعلاً يحمل صفات المنافسة والتميز العالمي".
وحول المعيقات التي تحول دون تحقيق النساء لأهداف المشروع، قال وكيل وزارة المرأة "إن المرأة قادرة على الوصول للموارد، لكن هذا لا يعني أنها من تتحكم بها"، موضحاً أن الرجل من يتحكم في أغلب الأوقات في المشاريع، إذ أن سياسات البنوك المنهكة كالفوائد، وشروط الغرف التجارية تجبر المرأة على اللجوء للرجل لتسجيل المشروع باسمه، وكذلك في مسألة الكفالة للقروض، وضعف المعرفة القانونية للنساء بمثل هذه القضايا.
وأضاف هناك مشاكل خاصة بالمشروع أبرزها "رأس المال، وضعف التخطيط، وضعف القدرات الفنية للمشاريع، والجهل بطبيعة السوق، والتركيز على منتج مكرر، وضعف التسويق الذي يحول بالتالي دون تحقيق الأرباح؛ فالتسويق في فلسطين لا يتعدى الـ20% لكون المنتج تقليدي إما مطرزات أو مواد غذائية".
وأوضح وكيل وزارة المرأة آلية العمل المتبعة لضبط تلك المعيقات المركزة على توفير رأس المال للمشاريع، وتشجيع النساء على النهوض بمنتجات جديدة وتسويقها عالمياً، إذ عملت الوزارة على فتح قنوات تسويقية عالمية بالتنسيق مع السفارات الفلسطينية في دول عربية وأجنبية، ليكون لهذه المنتجات وكيل لتصديرها في الخارج، كما أننا نعمل مع مجلس الوزراء لأخذ قرار كحكومة لشراء المنتجات والهدايا من تلك المشاريع، لأنه لابد من المشاركة في التسويق وليس الإنتاج فقط".
كما أن وزارة المرأة تعمل على التنسيق مع مجلس الوزراء، فأي قرار يتم رفعه لصالح تمكين المرأة تعمل الحكومة على اعتماده، إضافة إلى أن عددا من الوزارات تساهم في تمكين المرأة حيث تقوم وزارة العمل بضمان حقوق المرأة العاملة، ووزارة المالية قدمت إعفاءات من ضرائب الدخل للنساء، كذلك تم التنسيق مع الغرف التجارية من أجل تخفيف الرسوم وإدخال النساء كأعضاء فيها والمساعدة في تخفيف شروط العضوية أو التسجيل للمشروع. ويتم التنسيق مع وزارتي الشؤون الاجتماعية والاقتصاد لاختيار المشاريع النسوية الملائمة للمعايير الموضوعة وتقديم القوائم للمؤسسات المانحة.
وبسؤاله عن كيفية ضمان ديمومة المشاريع، أكد الخطيب أن الوزارة تضمن من خلال التعاون مع المؤسسات العربية والأجنبية المانحة، توفير جزء من التمويل للمشاريع لتقوم المرأة بتطبيق ما تعلمته على أرض الواقع، وحصلنا على الموافقة على تبني العديد من المشاريع الاقتصادية النسوية الفردية والتعاونيات وضمان ديمومتها، عبر توفير ولأول مرة مراكز تسويقية دائمة خاصة بها في البلدان النائية. ومن هذه المؤسسات؛ منظمة الإسعاف الأولي، ومؤسسة الشرق الأدنى، ومؤسسة قطر الخيرية، والهيئة العمانية للأعمال الخيرية.
وفي زيارة لمنظمة الإسعاف الأولي والاضطلاع على مشروعها الخاص بالتمكين الاقتصادي للمرأة (WEE)، أوضحت مسؤولة الإعلام والتواصل في المؤسسة والمتابعة للمشروع، ريهام أبو عيطة، أن المؤسسة باشرت منذ بداية العام بالمشروع بالتنسيق مع جمعية نساء من أجل الحياة، الذي يهدف لتمكين النساء في عشرة قرى معزولة في محافظتي "سلفيت وقلقيلية" وكذلك النساء في المنطقة "ج" من خلال مجموعة من الأنشطة التي تهدف لرفع مستوى الوعي وتعزيز توظيف المرأة وريادة الأعمال، وكذلك المساواة ما بين الجنسين في سوق العمل الفلسطيني.
وحول فكرة المشروع، قالت أبو عيطة إنه "منــذ عــام 2002 وإلــى جانــب البرامــج الطويلــة الأجــل التــي ترعاهــا المنظمــة في المناطق المحتلة، تهــدف هــذه الاســتراتيجية الجديدة إلــى دعــم اقتصــاد العائلات الريفيــة الفقيــرة مــن خـلال دعــم مشــاركة المــرأة فــي المجتمــع. وعــلاوة علـى الـدورات التدريبيـة المخصصـة للنسـاء، يهـدف هـذا المشـروع بشـكل أساسـي إلـى نشـر الوعـي العــام بيــن الرجــال الذيــن يلعبــون دوراً حاســماً فــي التطــور الجتماعــي.
وتضيف أبو عيطة، "المشروع بدأ بعمل دراسة لتحديد احتياجات المشروع، ثم باشرنا بتنظيم ورش تدريبية لأكثر من 40 سيدة في مجالات النوع الاجتماعي والإطار القانوني لحماية حقوق النساء، إضافة لمهارات التسيير وإدارة الأعمال ومهارات الحاسوب والإنترنت.
وأوضحت أن "المشروع الآن يستهدف 600 إمراة للتوعية بالقضايا سابقة الذكر، وتدريب 40 منهم وتأهليهن على مناصرة ودعم قضايا التمكين القتصادي للمرأة، ويتم دعم 115 امرأة بمنح مالية (10 آلاف دولار)، لإطلاق مشاريع صغيرة أو تعاونيات (40 مشروع فردي، 5 تعاونيات).
وحول ضمان الديمومة لكافة المشاريع، أكدت المسؤولة الإعلامية للمشروع، أنه "خلال العام الجاري سنقوم وبالتنسيق مع البلديات بافتتاح مركزيين تجاريين دائميين في كلتا المحافظتين لضمان تسويق منتجات المشاريع النسوية كافة، وتحقيق عوائد ربحية للمالكات عبر تسويقها على المستوى المحلي". مبينة أن المنظمة تضع شروط بتسجيل المشروع في الغرف التجارية وضمن معايير لضمان الإستمرارية.
وفي استهداف توعوي للرجل وبنسبة 98% للراغبين بتوعية الرجل لصالح المرأة، استطردت أبو عيطة حديثها عن المشروع "شركاء في الحياة..شركاء في المسؤوليات"، حيث تم إعداد دورات تدريبية استهدفت 160 رجلاً، حول قضايـا حقـوق المـرأة الفلسـطينية فـي سـوق العمـل، وقضايــا النــوع الاجتماعــي وأهميــة المشــاركة الاقتصاديــة للمــرأة وآثارهــا الإيجابيــة علــى الاقتصاد الوطني، مؤكدة أن الورش كان لهاالتقيم التفاعلي الإيجابي.
وفي السياق ذاته، أوضحت مديرة مشروع "النهوض بمشاريع المرأة" في مؤسسة الشرق الأدنى هبة بقيلة، أن المشروع المستمر لثلاث سنوات، يستهدف دعم 200 إمراة لتنمية مشاريعهم الصغيرة لتصبح مشاريع مستدامة ومربحة متاحة للسوق وتسهل خلق فرص عمل في السوق الفلسطينية".
وحول المعيقات التي تواجه النساء ذوي المشاريع، قالت بقيلة "نحن نستهدف النساء في المناطق الأكثر فقراً داخل محافظات رام الله، وبيت لحم، والخليل، التي تعاني معيقين أساسين وهو الحصول على رأس المال ووصول المنتج للسوق، إضافة للموقع الجغرافي البعيد لهن، والحواجز الاجتماعية والثقافية، وافتقار التدريب في قضايا إدارة الأعمال والوصول للسوق ورأس المال، 'ضافة إلى مشكلة التسويق للمنتجات".
وحول دور المشروع في تقديم الحلول الملائمة لسيدات الأعمال أكدت بقيلة: "نقدم الدعم للنساء الراغبة في إقامة مشاريع صغيرة أو نساء لديها مشاريع قائمة من خلال التمويل بالمنح، والتدريب في مجالات التسويق ومعايير الجودة للمنتج، وكذلك تقديم الدعم بالتسويق".
وأضافت: "يوجد لدينا معايير لضمان هدف تمكين المرأة اقتصادياً كأن يكون المشروع مسجلاً لدى الغرف التجارية بملكية امرأة، وأن يكون المشروع قابل للتطور، ويكون المستفيد الأول منه امرأة، إضافة لخلق 80 فرصة عمل لامرأة ورجل".
وأوضحت هبة، أنه تم إبرام اتفاقية مع البنك الوطني بتقديم قروض بفوائد مصفرة لتلك المشاريع وبمدة ارجاع تصل لثلاث سنوات، مؤكدة أن "46 سيدة تحصل على قروض بدون فائدة"، وبهذا حللنا مشكلة كبيرة لسيدات الأعمال .
وتابعت بقيلة أن المشروع يوفر لجنة متابعة ومنسقين ميدانيين لمتابعة استمرارية المشاريع بعد طرحها في الميدان، وتقييم احتياجات النساء للمواد التدريبية في تلك المرحلة المبكرة، للوصول إلى منتج مميز يسوق عالمياً".
وأشارت إلى العديد من المشاريع وقصص النجاح لنسوة بمشاريع فلسطينية غير اعتيادية التي لاقت أرباح وسرعة انتشار على المستوى المحلي والعالمي.
وستسلط صحيفة الـ"الحدث" الضوء على أبرز قصص النجاح للنساء الفلسطينيات في الأعداد اللاحقة.