غزة - حامد جاد
يرى منتجون ومسوقون لأصناف مختلفة من منتجات قطاع غزة في استئناف فتح سوق الضفة الغربية أمام منتجات غزة خطوة مهمة على طريق عودة نشاطهم التجاري الذي حرموا من ممارسته لأكثر من سبع سنوات من الحصار المفروض على قطاع غزة، مقللين في ذات الوقت من إمكانية تأثر سوق غزة بأي تداعيات قد تترتب على نقص بعض المنتجات الزراعية أو ارتفاع أسعارها، فحجم الأضرار والخسائر التي لحقت بهم على مدار السنوات الماضية إثر الحصار والحروب المتتالية يمنحهم الحق المطلق في استثمار فرصة العودة إلى نشاطهم التجاري علهم يعوضون جزءاً من خسارتهم.
وينظر تجار ومسؤولون إلى القرار الإسرائيلي المتخذ منذ مطلع الشهر الماضي الذي قضى بالسماح بنقل منتجات غزية إلى سوق الضفة بأنه لا بد وأن يقترن بتسهيلات جوهرية تكفل رفع القيود وإجراءات الفحص المعقدة التي تمارسها سلطات الاحتلال على المعابر، مما يعيق إمكانية العودة إلى تسويق كميات وفيرة من منتجات القطاع إلى سوق الضفة الغربية التي كانت تستهلك قبل الحصار المفروض نحو عشرة آلاف طن من المنتجات الزراعية، بالإضافة لاستقبال سوقها مئات الشاحنات المحملة بالمنتجات الأخرى لقطاع غزة.
وفي أحاديث منفصلة أجرتها الحدث مع ذوي العلاقة بتسويق منتجات غزة في سوق الضفة من منتجين وتجار ومسؤولين، اعتبر تحسين السقا مدير عام التسويق والمعابر لدى وزارة الزراعة أن فتح سوق الضفة أمام منتجات غزة لن يؤثر على القدرة الشرائية للمستهلك الغزي، لافتاً إلى حرص وزارته على توازن الأسعار في سوق غزة، وفي ذات الوقت حرصها على إتاحة الفرصة أمام المزارعين وتجار المنتجات الزراعية للاستفادة من فتح سوق الضفة بعد أكثر من سبع سنوات من الحصار والخسائر المتلاحقة التي حلت بهم.
غزة لديها وفرة من الإنتاج الزراعي
وقال السقا: "لدينا في غزة ما يلبي احتياجاتنا من الخضار ويفيض عنها لذا نجد دوماً أن أسعار الخضار منخفضة بسبب وفرتها، فعلى سبيل المثال، أحياناً يصل ثمن صندوق البندورة الذي يحتوى على نحو عشرة كيلوجرامات إلى خمسة شواكل، وإن ارتفع الثمن عن ذلك فلا ضير من التركيز على سوق الضفة حتى وإن وصل سعر الكيلوجرام الواحد من البندورة في عزة إلى ثلاثة شواكل وسعر بيعه في الضفة بأربعة شواكل فإن هذا لن يؤثر كثيراً على المواطن الغزي، بل سيساعد التاجر والمزارع على التعافي من الأضرار التي لحقت به خلال السنوات الماضية، ففارق السعر بشيكل واحد يعني أن المزارع والتاجر سيحققان ربحاً يصل إلى ألف شيكل للطن الواحد، ولكن إن ارتفعت الأسعار وتجاوز السعر أربعة شواكل في غزة، وهذا يحدث نادراً، فمن الممكن تقنيين نقل المنتج إلى سوق الضفة بكميات محدودة، مع مراعاة احتياجات سوق غزة".
وأضاف: "بشكل عام أسعار المنتجات الزراعية في سوق غزة أقل منها في الضفة الغربية، وحالياً لدينا وفرة كبيرة من منتجات المحاصيل المزروعة في البيوت البلاستيكية "الدفيئات"، حيث تشكل هذه الفترة ذروة إنتاج المحاصيل الشتوية، والبعض من المحاصيل الصيفية التي تزرع في الدفيئات، لذا يتطلع المزارعون لشحن كميات كبيرة من هذه المنتجات خلال الأسابيع القليلة القادمة للضفة، حيث أن ماتم شحنه حتى الآن إلى سوق الضفة يقدر بنحو مئتي طن من الخيار والبندورة والملفوف والكرنب والفلفل والرطب، ولدينا حالياً 15 صنفاً من المنتجات الزراعية الجاهزة للتسويق في الضفة".
وبين السقا أن غزة كانت قبل منتصف عام 2007 تزود سوق الضفة بنحو 10 آلاف طن من الخضار والسوق الإسرائيلية بنحو 30 ألف طن، متوقعاً أن يصل إجمالي الكمية التي سيتم تسويقها خلال فترة العام الأول من بعد أن تم السماح مجدداً بالعودة إلى سوق الضفة، لنحو خمسة آلاف طن، معرباً عن أمله بزيادة حجم التبادل التجاري بين قطاع غزة والضفة وزيادة كميات تصدير الأسماك والخضروات وسائر المنتجات الغزية إلى الضفة بما يسهم بتحسين الوضع الاقتصادي في القطاع".
فتح سوق الضفة لن يؤثر على المستهلك الغزي
أما تاجر المحاصيل الزراعية عبد الرؤوف أبو سفر، فأشار إلى أن شركته تعمل منذ 40 عاماً في مجال تسويق المنتجات الزراعية لقطاع غزة في سوقي الضفة وإسرائيل، إضافة إلى قيامها بالتصدير للأسواق الخارجية ومنها الأسواق العربية، حيث قامت الشركة قبل عامين بتصدير كمية من البندورة إلى السعودية، لافتاً إلى أن ما تسوقه شركته للضفة حالياً شمل أصنافاً مختلفة من الخضار، ومن المتوقع مضاعفة هذه الأصناف والكميات التي توردها شركته إلى سوق الضفة اعتباراً من نهاية الأسبوع الحالي نظراً لتوفر كميات كبيرة من الخضار في سوق غزة.
وأكد أبو سفر أن فتح سوق الضفة أمام منتجات غزة لن يؤثر بأي حال من الأحوال على المستهلك المحلي، حتى وإن كان هناك ندرة في الإنتاج، فليس هناك، حسب رأيه، ما يمنع الاستمرار في تسويق منتجات غزة الزراعية إلى الضفة انطلاقاً من ضرورة تعويض المزارعين عن خسائرهم المتراكمة على مدار سنوات الحصار.
وأوضح في هذا السياق أن كافة مزارعي القطاع باشروا بزراعة أراضيهم فور انتهاء الحرب الأخيرة، وبالتالي هناك وفرة من الإنتاج الزراعي بحاجة للتسويق إلى خارج أسواق غزة كي لا يضطر المزارعون إلى بيعها في سوق غزة بأقل من سعر التكلفة، أو أن يضطروا لإتلافها كما كان يحدث في العديد من مواسم الإنتاج خلال السنوات الماضية.
ويعزز أبو سفر موقفه تجاه ضرورة مواصلة تسويق منتجات غزة في أسواق الضفة في كافة الظروف بقوله: "المفترض أن يشكل دعم المزارع والتاجر الغزي أولوية لدى كافة الأطراف حتى ولو كان ذلك على حساب المستهلك الغزي لفترة زمنية معينة، وإن كان هذا الأمر مستبعد حدوثه، فعلى سبيل المثال عندما ارتفع سعر الخيار في الأردن لم يتوقف التجار والمزارعون الأردنيون عن التصدير للخارج، وهذا كان موقف وزير الزراعة الأردني نفسه، وبالتالي فحال اقتصاد غزة بحاجة لدعم، ونأمل أيضاً فتح السوق الإسرائلية أمام منتجاتنا الزراعية كما كان عليه الحال قبل الحصار".
منتجات الأثاث في الضفة تباع بضعف ثمنها في غزة
من جهته أشار وضاح بسيسو أمين سر اتحاد الصناعات الخشبية إلى الأوضاع الصعبة التي واجهت قطاع الأثاث خلال السنوات الماضية بفعل انقطاعها قسراً عن الأسواق الخارجية وسوقي الضفة وإسرائيل، معتبراً أن فتح أسواق الضفة شكل مطلباً لأصحاب مصانع وورش الأثاث على مدار السنوات السبع الماضية التي فقد خلالها منتجو الأثاث زبائنهم في السوقين المحلية والخارجية على حد سواء.
وقال بسيسو: "فوجئنا عندما توجهنا مؤخراً لزبائننا من تجار الضفة لنجد أن غالبيتهم العظمى تعاقدوا مع موردين جدد من الأسواق الخارجية، فبعد أن سمح الاحتلال بعودة منتجاتنا إلى سوق الضفة بعد ثماني سنوات من الحصار توجهنا لمن كنا نتعامل معهم ونسوق لهم بضائعنا فوجدنا معظمهم يستوردون من الخارج والبعض الآخر أنشأ ورشاً لإنتاج الأثاث بكلفة مرتفعة نظراً لعدم توفر الأعداد المطلوبة من الأيدي العاملة الماهرة والمدربة وارتفاع أجور العمالة المتوفرة في الضفة، فعلى سبيل المثال تبلغ كلفة طقم غرفة النوم لدينا ستة آلاف شيكل، بينما في الضفة تصل إلى ضعف الثمن، وهذا يعطي المجال لدخول سوق الضفة بقوة".
وتوقع بسيسو أن يبرم تجار ومنتجو الإثاث في غزة اتفاقات مع مسوقي الأثاث في الضفة لتنظيم آلية الإنتاج وعمليات الدفع، مؤكداً أن هذا الأمر يتطلب الحصول على تسهيلات من البنوك لدعم أصحاب مصانع وورش إنتاج الأثاث، خاصة الذين تضرروا من الحصار، وتمكينهم من الحصول على تسهيلات مصرفية بفوائد ضئيلة ليتمكنوا من استعادة نشاطهم.
وأكد أن الطاقة والقدرة التشغيلية المتوفرة لدى مصانع الأثاث تكفل تغطية احتياجات سوقي غزة والضفة وما يكفي للتصدير إلى الخارج دون التسبب بارتفاع منتجات الأثاث في سوق غزة، موضحاً أن حجم صادرات الأثاث للسوق الإسرائيلية قبل الحصار بلغ حمولة 120 شاحنة شهرياً وللضفة 30 شاحنة وأن الأسبوع الحالي شهد نقل أول شحنة للضفة، وكانت عبارة عن حمولة شاحنتين، حيث من المتوقع أن يبلغ المعدل الشهري خلال أول عام بعد منع دخول منتجات الأثاث للضفة حمولة نحو عشر شاحنات.
جاهزية غزة لتسويق منتجاتها في الضفة
بدوره أشار المهتم بمتابعة الحركة التجارية عبر المعابر محمد سكيك، مدير مركز التجارة الفلسطيني "بال تريد" في غزة إلى أن العديد من الإحصاءات والدراسات التي تناولت التجارة البينية أكدت مدى أهمية التبادل التجاري الداخلي بين قطاع غزة والضفة الغربية من حيث المردود الذي يعود على القطاعات الاقتصادية الداخلة في التجارة بين شقي الوطن إذ تشير البيانات إلى أن غزة كانت تسوق إلى الضفة الغربية في إحدى سنوات ما قبل الحصار بما قيمته نحو 20 مليون دولار، وأن قيمة مبيعات الضفة إلى غزة بلغت 90 مليون دولار، وأن متوسط عدد الشاحنات الشهرية الخارجة من قطاع غزة إلى الضفة الغربية بلغ 430 شاحنة شهرياً، منها ما يتراوح من 100 إلى 120 شاحنة محملة بالمنتجات الزراعية المختلفة التي كانت تنقل شهرياً في الموسم الزراعي من غزة إلى الضفة.
وأوضح سكيك أن "بال تريد" تعمل حالياً، بالتعاون مع اتحاد الصناعات والغرفة التجارية لغزة، على إعداد دليل البضائع المستهدف تسويقها في الضفة الغربية، كما ينظم المركز لقاءات مع عدد من منتجي البضائع المختلفة وشركات النقل بهدف بحث الاستعدادات اللازمة لعودة شحن منتجات القطاع المختلفة إلى الضفة، مؤكداً أهمية توفير البيانات والمعلومات المتعلقة باحتياجات سوق الضفة بما يكفل تفعيل دور القطاع الخاص في غزة المعني والمهتم بتسويق منتجاته في سوق الضفة التي تعد من أهم الأسواق المستهدفة لمنتجات القطاع، إذ كانت تستحوذ قبل الحصار على نحو 35% من إجمالي منتجات القطاع المصدرة للخارج.
وأشار إلى جاهزية تسويق الكثير من المنتجات الغزية في سوق الضفة الغربية التي أبرزها منتجات الصناعات الخشبية والنسيج والخياطة والصناعات المعدنية والبلاستيكية واليدوية، إضافة إلى منتجات القطاع الزراعي، لافتاً إلى أن مبيعات قطاع الأثاث في عام 2005 بلغ نحو 55 مليون دولار، منها ما نسبته 33% للسوق الإسرائيلية أو عبرها لأسواق مختلفة، ونسبة 15% لأسواق الضفة الغربية، أما قطاع الخياطة والنسيج فقدرت القوة الإنتاجية لهذا القطاع ككل في العام نفسه بنحو 39 مليون دولار صدرت معظمها لإسرائيل، بينما قدر مجمل العائد من القطاع الزراعي في قطاع غزة بنحو 154.5 مليون دولار، حيث تنتج غزة ما بين280 إلى 300 ألف طن من المنتجات الزراعية، وأن ثلث هذه الكمية كان يتم تصديرها، أما مبيعات قطاع الصناعات الغذائية فتقدر بنحو 12 مليون دولار تباع بشكل أساسي للسوق المحلية ويصدر منها لإسرائيل 15% فقط.
واعتبر سكيك أن عودة دخول منتجات غزة إلى الضفة من شأنها تحقيق أرباح مجزية للتجار والمنتجين للسلع المختلفة، كما أن من شأن ذلك أن يخفف عن التاجر في الضفة من تحمله لعبء ارتفاع أسعار المنتجات الإسرائيلية التي كان يضطر لشرائها في ظل منعه من شراء منتجات غزة.
وأكد سكيك أهمية ما تحققه التجارة البينية من مزايا على صعيد توفير فرص العمل أمام أعداد كبيرة من العمال والمهنيين، الأمر الذي يخفف من أزمة البطالة ويعمل على زيادة الطاقة التشغلية للمصانع ويمنح
فرصاً متنوعة للمنتجين للبيع بالسوق المحلية، ويعزز من المنافسة وتبادل الخبرات ويرسخ وحدة التكامل الاقتصادي والتجاري بين المحافظات الشمالية والجنوبية.
وشهدت الأيام الأخيرة الماضية تصدير عدة شحنات من منتجات غزة من بينها شحنة من منتجات قطاع الخياطة والنسيج كشحنة تجريبة اشتملت على نحو 600 قطعة من المعاطف والملابس النسائية الأخرى وشحنة من منتجات الأثاث وعدة شحنات من منتجات القطاع الزراعي من بينها شحنة من الأسماك وذلك للمرة الأولى منذ نحو ثماني سنوات.
وكان وكيل وزارة الاقتصاد الوطني د. تيسير عمرو أشار إلى أن القيود الإسرائيلية المفروضة على حركة التبادل التجاري بين الضفة والقطاع تحول دون تحقيق التكامل الاقتصادي بين جناحي الوطن وتشكل عائقاً كبيراً أمام النهوض بالقطاعات الاقتصادية المختلفة التي تعرضت لدمار كبير جراء الحروب الإسرائيلية والحصار المفروض على القطاع، مشدداً في بيان صحافي صدر عنه مؤخراً على ضرورة إزالة تلك القيود، والسماح بتصدير منتجات غزة، إلى أسواق الضفة الغربية بانسياب، لما يشكله ذلك من أهمية كبيرة في خفض أسعار السلع وتحسين أوضاع المزارعين، والتغلب على الدمار الذي لحق بقطاع الزراعة خاصة.
ودعا عمرو إلى ضرورة رفع وتيرة التبادل التجاري بين الضفة والقطاع وعدم الاقتصار على هذه الكميات القليلة، وأن تكون الكميات التي تم شحنها مقدمة لتدفق كافة السلع التجارية، مبيناً أن القطاع الزراعي، يشغل نحو 11% من نسبة القوى العاملة في قطاع غزة، ما يقرب من 44 ألف عامل، في حين بلغ حجم صادرات غزة إلى أسواق الضفة قبل الحصار الإسرائيلي من مختلف أنواع الخضار 10 آلاف طن سنوياً، وخلال سنوات الحصار أصبح صفراً.