المؤلف: باسكال دي ميكو
مدير عام السياسات الخارجية لدائرة سياسات الاتحاد الأوروبي
أدت الاكتشافات التي قامت بها إسرائيل في عامي 2009 و2010 إلى تحويل منطقة شرقي البحر الأبيض المتوسط إلى منطقة منتجة للغاز الطبيعي ومصدر محتمل للطاقة للأسواق الأوروبية والآسيوية.
ولكن الظروف المحيطة بالمنطقة ابتداءً من الأوضاع السياسية المضطربة في مصر مروراً بالحرب الأهلية في سوريا والتوتر بين غزة وإسرائيل وصولاً إلى الخلاف طويل الأمد بين تركيا وقبرص، بالإضافة إلى النزاع على الحدود البحرية، تشكل جميعها عوامل تؤدي إلى تعزيز الشكوك بما يتعلق بالفرصة الاقتصادية المتمثلة في هذه الاكتشافات، ويضاف إلى هذا كون صناعة الغاز في منطقة شرقي البحر الأبيض المتوسط في مرحلة مبكرة جداً، وتبدو الدول المعنية غير قادرة على تنسيق خططها من أجل الوصول إلى القدرة على التصدير في المستقبل.
ويبدو أن الجهات الفاعلة العالمية تتجهز من أجل استغلال الإمكانيات والتداعيات الاستراتيجية في منطقة شرقي البحر الأبيض المتوسط، حيث أن روسيا تسعى للمحافظة على احتكارها لسوق الغاز، بينما تسعى الولايات المتحدة لدعم مصالحها التجارية، أما أوروبا فتسعى للزيادة من أمن توفر الطاقة لديها وتقليل الاعتماد على روسيا في ظل أزمة شبه جزيرة القرم. وفي هذا السياق، يجب على الاتحاد الأوروبي أن يدعم المثلث الاستراتيجي المتمثل بإسرائيل وقبرص وتركيا، كخطوة أولى من أجل تأمين مصدر للطاقة عبر شرقي البحر الأبيض المتوسط.
1. إمكانيات الطاقة لحوض شرق المتوسط (حوض الشام) في ظل عدم الاستقرار السياسي
قامت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (USGS) عام 2010، بتقديم تقديرات تنص على أن حوض شرق المتوسط، والذي يعتبر واحد من ثمانية أحواض متواجدة في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، قد يحتوي على موارد غاز طبيعي تزيد عن ال3455 مليار متر مكعب، وهي كمية يمكن مقارنتها باحتياطي الغاز في العراق، وبينما أدت الاكتشافات الجديدة للموارد الهيدروكربونية بإعادة تعريق مشهد الطاقة في الشرق الأوسط وشهدت على زيادة بمقدار 27% من موارد الطاقة في المنطقة ما بين عام 1990 وعام 2009، فإن اكتشاف إسرائيل لحقلي تمار وليفايثان في عامي 2009 و2010 هي التي أدت إلى تغير جذري في خارطة حوض الشام من ناحية الطاقة، وجعلت المنطقة تعتبر مصدراً محتملاً لتصدير الطاقة. وبالرغم من أن مجموع احتياطي إنتاج الغاز الطبيعي في حوض الشام (والبالغ 515 مليار متر مكعب) يعتبر ضئيلاً، عند مقارنته بالمستويات العالمية (كما يشير الرسم البياني رقم 1)، إلا أن الاكتشافات الجديدة في المياه البحرية الواقعة على حدود إسرائيل وقبرص في حوض الشام، قد رفعت كمية الغاز الطبيعي القابل للاسترداد في المنطقة إلى ما يزيد عن ال1076 مليار متر مكعب، وقد تؤدي الاستكشافات المستقبلية إلى زيادة في احتياطي الغاز خلال فترة قصيرة.
وفقاً لوكالة الطاقة العالمية، فإن إمكانيات زيادة الإنتاج لا تزال تتعرض للإعاقة بسبب عدم الاستقرار السياسي، فإن النزاعات طويلة الأمد في منطقة شرقي المتوسط، مثل النزاع العربي الإسرائيلي، تلقي بظلالها على المشروع، حيث أن الخصومات السياسية الإقليمية تزداد حدة بسبب الخلافات السياسية المتعلقة بصحة الحدود البحرية المعروفة باسم المناطق الاقتصادية الخالصة (EEZ).
وتعمل الخصومات الماضية والحاضرة في الشرق الأوسط على تقويض استكشاف وإنتاج الغاز شرقي المتوسط، مما يتسبب بانقسامات داخل الدول، وفي الوقت نفسه، فإن إمكانيات الغاز في حوض الشام تبقى غير مستغلة. وقد أظهرت كل من إسرائيل وتركيا وقبرص
مؤخراً، أن الاعتبارات الاقتصادية قد بدأت بالتغلب على المخاوف الأمنية والسياسية في سياق إعادة تشكيل التحالفات العالمية والإقليمية. إضافة إلى ذلك، فإن الوقت يشكل عنصراً أساسياً، حيث أنه ابتداءً من 2018-2020، فإن كل من أستراليا وموزمبيق والولايات المتحدة وكندا، بدأت بالتخطيط لتصدير الغاز إلى آسيا، فإذا حدث المزيد من التأخر في البدء بعملية الاستكشاف عن الغاز بسبب النزاعات القائمة، فإن كل من إسرائيل وقبرص، والتي تمثل أكثر دول المنطقة تقدماً من حيث التنقيب عن الغاز، ستضطر إلى بيع الغاز بأسعار مخفضة.
2. توقعات الطاقة لإسرائيل
2.1 تقرير تقييم الطاقة
تعد إسرائيل من أكثر دول شرقي المتوسط استهلاكاً للغاز الطبيعي، حيث ازدادت نسبة استهلاكها للغاز في السنوات الأخيرة من معدل سنوي 0.0099 مليار متر مكعب في عام 2002 إلى ذروته التي وصلت 5 مليار متر مكعب عام 2011، ومن المتوقع أن ينمو هذا الاستهلاك ليصل إلى 9.7 مليار متر مكعب بحلول عام 2015 وإلى 13.3 مليار متر مكعب بحلول عام 2020. وبينما كان المصدر الأساسي للغاز الطبيعي المستهلك خلال العقد الماضي من مصادر محلية (حقل غاز ماري-ب المكتشف عام 2000) والذي زود إسرائيل بما يصل إلى 4.25 مليار متر مكعب في عام 2012، فإن إسرائيل اعتمدت بشكل كبير على الغاز المستورد من مصر من أجل توفير ما يصل إلى 40% من احتياجاتها من الغاز في عام 2010 (انظر إلى الرسم البياني رقم 2)، حيث أن هذا الاعتماد على الغاز من مصر كان يؤدي بإسرائيل للوصول إلى انقطاع في الطاقة عن انقطاع تزويد الغاز من مصر بشكل متكرر بسبب الهجمات على خطوط الأنابيب من سيناء، وقد تغير هذا الظرف بشكل مضطرد في عام 2013 بعد أن بدأ حقل تمار في إسرائيل بالعمل وتزويد الغاز لإسرائيل.
التحسينات الجذرية في توقعات إسرائيل للطاقة والناتجة عن اكتشافات الغاز قد أودت بوزارة البنى التحتية الإسرائيلية بأن تشجع على التحول إلى الغاز الطبيعي، حيث أن حصة الغاز الطبيعي في إنتاج الطاقة قد نمت من 20% عام 2008 إلى 40% عام 2010، ومن المتوقع أن تزداد إلى 50% بحلول عام 2015. كما تقوم شركة كهرباء إسرائيل المملوكة من الحكومة بمتابعة مبادرات
من أجل استبدال الفحم والبترول بالغاز في محطات توليد الطاقة، ومع التوقعات بأن يفوق إنتاج الغاز الطلب بحلول شهر يونيو من عام 2013، فإن الحكومة الإسرائيلية كانت قد أكدت قرارها بتصدير 43.2% من غازها البحري بالرغم من الانتقادات الموجهة عن طريق عدد من السياسيين المعارضين لهذا المخطط. وفي الوقت ذاته، وبالرغم من الإقرار بأمن التزود بالطاقة والإمكانيات الناتجة عنه، والمتمثلة بالنمو الصناعي، فإن إسرائيل تخشى أن يؤدي اعتمادها الزائد على الغاز إلى جعل البنى التحتية للغاز الطبيعي (خطوط الأنابيب ومحطات الغاز الطبيعي المسال) أكثر عرضة للهجمات الإرهابية.
2.2 اكتشافات حقول الغاز في إسرائيل
بينما بدأت إسرائيل بالكشف عن كميات من احتياطي الغاز الغير مستغل في الفترة الواقعة ما بين 2000-2004، كان كل من حقل غاز تمار وليفايثان وللذات تم اكتشافهما في عامي 2009 و2010 على التوالي هما اللذان أديا لتحويل إسرائيل إلى دولة مصدرة للغاز في المنطقة، مما منحها مصدراً جديداً من القوة مقارنة بجيرانها، وقد بدأ الإنتاج في حقل تمار للغاز في شهر أبريل من عام 2013 ليصل العائد من احتياطي الغاز المثبت إلى 283 مليار متر مكعب، وسيتم استخدام الجزء الأكبر من هذا الغاز لتغطية الطلب المحلي المتزايد، كما وقد قامت الأطراف التي تعمل على استكشاف حقل ليفايثان للغاز، المتمثلة بشركة مجموعة ديليك (45%) وشركة راشيو للتنقيب عن الغاز (15%)، وكلتاهما شركات إسرائيلية، مع شركة نوبل للطاقة (40%) وهي شركة أمريكية، بالتقدم بتقديرات تشير إلى أن سعة هذا الحقل تصل إلى 510 مليار متر مكعب، ولكن لا يتوقع بأن يبدأ الإنتاج من هذا الحقل قبل عام 2017. وبما أن حقل تمار قادر على تغطية جزء كبير من احتياج إسرائيل للطاقة في المستقبل القريب، فإنه من المرجح استخدام ما يتم إنتاجه من حقل ليفايثان من أجل التصدير. وبشكل إجمالي، فإن إسرائيل قد قامت بإثبات وجود 950 مليار متر مكعب من احتياطي الغاز، فمع الأخذ بعين الاعتبار كمية احتياطي الغاز مع قرار الحكومة بتصدير 43.2% من الكمية المنتجة، فإن الكمية التي ستكون متاحة للتصدير تصل إلى ما يقارب ال410 مليار متر مكعب.
2.3 أنماط واتجاهات التجارة الإسرائيلية الجديدة
على الرغم من التطور الكبير لتوقعات الطاقة، إلا أنه من الممكن أن تجد إسرائيل صعوبة بتصدير الغاز الطبيعي من حقل ليفايثان للغاز الطبيعي، حيث أنه من الممكن لعدد من القضايا الهيكلية أن تهدد تطوير حقل ليفايثان، وتشمل هذه القضايا مشكلة ضمان وصول شحنات الغاز عبر مناطق اقتصادية، خاصة في دول مجاورة تحمل العداء لإسرائيل، بالإضافة إلى وجود خلافات داخل الحكومة الإسرائيلية حول وجهات تصدير الغاز المحتملة ووجود حالة من عدم اليقين فيما يتعلق بالمستوى المناسب من الضرائب.
ولايمكن للمبيعات المستقبلية للغاز من حقل ليفايثان بأن تتقدم إلا بأخذ الاتفاقية الوحيدة، والموقعة بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية والدول المعنية الثلاث، كمرجعية، حيث تقوم الاتفاقية على أن يزود حقل ليفايثان الضفة الغربية ب4.75 مليار متر مكعب من الغاز لفترة تصل إلى 20 سنة، ولكن هذه المحاولة لخلق شراكة قائمة على الطاقة، واجهت معيقات تتعلق بقضايا ضريبية معقدة، حيث أنه بالرغم من تفضيل إسرائيل فرض ضريبة مبيعات على السلطة الفلسطينية مقابل نقل الغاز من حقل ليفايثان إلى الضفة الغربية، إلا أن إسرائيل لا تزال ترفض الاعتراف بشرعية السلطة الفلسطينية كحكومة لدولة.
وستقوم طبيعة الشراكات التي تكونها إسرائيل مع الدول المجاورة بترك أثر كبير على ما إذا كانت ستصدر الغاز باتجاه الشرق أو باتجاه الغرب: حيث أن الحكومة الإسرائيلية لم تحدد بعد إذا ما كانت ستصدر لآسيا أو لأوروبا، وبالرغم من وجود نقص كبير في الغاز وارتفاع في الأسعار في كل من مصر والأردن، إلا أن طبيعة العلاقات السياسية تجعله من الصعب التصدير لآسيا. وبالرغم من أن مصر، والواقعة بحالة من عدم الثبات السياسي منذ فترة رئاسة محمد مرسي، تبقى مترددة فيما يتعلق بالسماح لإسرائيل باستخدام قناة السويس، إلا أن التزامات المعاهدة الموقعة تضمن حرية العبور، ولكن محطة للغاز الطبيعي المسال على البحر الأحمر تبقى تحت تهديد هجمات إرهابية في سياق الربيع العربي. وبالرغم من هذه الصعوبات، إلا أنه يمكن النظر إلى الاتفاقية التي تم توقيعها مع الأردن في ال19 من فبراير عام 2014 على أنها خطوة أولى باتجاه تصدير الغاز إلى آسيا، حيث تنص الاتفاقية على تزويد ما يقارب ال2 مليار متر مكعب من الغاز لمدة 15 عام عبر خط أنابيب لمنشآت أردنية على البحر الميت. أما بالنظر اتجاه الغرب، فإن تصدير إسرائيل للغاز باتجاه الاتحاد الأوروبي ستتم مواجهته بمنافسة روسية، مما يجعل المخطط الإسرائيلي أكثر صعوبة، إلا أن الأزمة الروسية الأوكرانية قد تقوم بتحسين هذا المقترح وهذه الإمكانية. (أنظر إلى فرع 4.3.2)
بالإضافة إلى العوائق السياسية المهمة المتمثلة بعلاقة إسرائيل السيئة بالدول العربية المجاورة، فإن عملية استكشاف الغاز الطبيعي في إسرائيل تواجه تحديات تنظيمية جدية، وبالأخص الأدعاءات من سلطات مكافحة الاحتكار بأن الشراكة ما بين مجموعة ديليك وشركة نوبل للطاقة تشكل تقييداً احتكارياً لسوق تجارة الغاز الطبيعي، مما قد يتيح المجال أمام شركة وودسايد الأسترالية للمشاركة في استكشاف حقل ليفايثان.
حيث أنه تحت مذكرة التفاهم التي تم توقيعها في ال7 من فبراير 2014، فإن الشركة الأسترالية العملاقة تخطط لحيازة حصة قدرها 25% من حقل ليفايثان بهدف بناء محطة غاز طبيعي مسال عائمة (FLNG) بهدف تصدير الغاز إلى آسيا، ولكن الأسعار والمخاطر الأمنية لبناء محطة غاز طبيعي مسال في المياه الإسرائيلية قد تقوم بإعاقة هذا المخطط، وهذا أيضاً بالرغم من تفضيل لجنة تزيماك لهذا المشروع.
أما التحدي الأخير الذي يواجه إسرائيل في سعيها لتصدير الغاز الطبيعي، يكمن في الاختيار بين أنواع البنى التحتية التي سيتم بناؤها، فمثلاً يسهل بناء خطوط الأنابيب من أجل تزويد الزبائن الأوروبيين الذين يسعون لوضع الضغط وتقويض الاحتكار الروسي، أما في الجانب الآخر، فإذا اختارت إسرائيل التصدير للأسواق الآسيوية فيجب على صناع القرار تزويد بنى تحتية مناسبة من أجل شحن كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال. وبالمقابل، يمكن لإسرائيل التخلي عن تصدير الغاز الطبيعي وأن تركز على تصدير الطاقة الكهربائية، وسيقوم القرار النهائي بالتأثير على ربحية حقل ليفايثان للغاز، مع وجود تغير كبير في العائد المتوقع من الاستثمار اعتماداً على المشروع الذي سيتم اختياره في النهاية.
3. النزاعات الإقليمية القانونية والسياسية على استغلال الغاز
3.1 الحدود البحرية شرقي البحر الأبيض المتوسط
تبقى الحدود البحرية شرقي المتوسط غير قابلة للتوقع بسبب التوتر السياسي طويل الأمد والمتغلغل في المنطقة مما يجعل من الصعب الاستثمار في استكشافات الغاز الطبيعي، ومن ضمن دول شرق المتوسط المشتركة في هذا الصراع فإن كل من إسرائيل وتركيا وسوريا لم تقم بالتوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة بشأن البحر (UNCLOS)، بينما وقعت عليه كل من مصر ولبنان وقبرص (1983 و1995 و1988 على التوالي). وتسعى هذه الاتفاقية إلى توفير آلية لحل النزاعات المتعلقة بترسيم الحدود في المناطق الاقتصادية الخالصة (EEZ) وممارسة الولاية القضائية على الجرف القاري.
وتقوم هذه الاتفاقية، بالإضافة إلى القانون العرفي، بالتصريح بالحق بإعلان مناطق اقتصادية خالصة (EEZs) لما يصل إلى 200 ميلا بحريا ابتداءً من خط الماء المنخفض (المادة 57)، كما ويسمح في بعض الأحوال بحيازة جزء من الجرف القاري بما يزيد عن 200 ميل (المادة 76).
إسرائيل ولبنان: قامت كل من إسرائيل ولبنان في عام 2011 بتسليم مطالب للأمم المتحدة من أجل ترسيم حدود مناطقها الاقتصادية الخالصة، مما تسبب بقضية عدم توافق مع اتفاقية الحدود البحرية التي تم قامت الدولتان بالتفاوض عليها مع قبرص في عامي 2007 و2010 على التوالي.
وقد أدت التناقضات بين الاتفاقيات إلى إيجاد منطقة متنازع عليها حيث تتداخل المناطق الاقتصادية الخالصة لكل من لبنان وإسرائيل (أنظر إلى الرسم البياني رقم 6)، حيث تغطي المنطقة المتنازع عليها مساحة 850 كيلومتر مربع وتتوغل في مناطق الحفر لكل من حقلي تمار وليفايثان.
إسرائيل وقبرص: قامت كل من إسرائيل وقبرص بتوقيع اتفاقية عام 2010 لترسيم حدود المناطق الاقتصادية الخاصة بها، حيث دخلت هذه الاتفاقية حيز التنفيذ في ال25 من فبراير عام 2011.
إسرائيل ومصر: لا يوجد اتفاقية حتى الآن بين الدولتين بخصوص الحدود البحرية، ويمكن أن يتم تداول هذه القضية قريباً بعد أن صرح وزير النفط المصري سامي فهمي في يناير من عام 2011 بأن اكتشافات إسرائيل للغاز تقع داخل ولاية مصر البحرية.
ويمكن للأمم المتحدة أن تلعب دوراً هاماً في هذه النزاعات عن طريق التدخل بشرعيتها من أجل مساعدة هذه الدول للوصول إلى حل فيما يتعلق بحدودها البحرية، ولكن الأمين العام للأمم المتحدة غير مخول لاتخاذ أي موقف فيما يتعلق بترسيم الحدود البحرية، حيث أن هذه السلطة مقصورة على محكمة العدل الدولية، وفقط في حال تقدم الدول المعنية بطلب بهذا الخصوص.
3.2 إعاقة تطوير حقل الغاز مقابل غزة بسبب النزاع بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي
قامت شركة مجموعة الغاز البريطاني (BG) باكتشاف حقل الغاز البحري في غزة، والواقع على مسافة 17-21 ميلاً بحرياً من ساحل غزة، حيث يحتوي حقل الغاز الصغير هذا على 28 مليار متر مكعب من الغاز وهي كمية غير كافية للتصدير، ولكنها قادرة على تزويد الكهرباء لكل من قطاع غزة والضفة الغربية عن طريق القيام بتبادلات للكهرباء مع إسرائيل.
لم تبرز بعد الفائدة الكبيرة للسلطة الفلسطينية، حيث أن كمية احتياطي الغاز الضئيلة لا تسمح بتحقيق مربح كبير في حال تطويرها لأهداف إنتاج الطاقة، وبهدف الحد من مخاطر الاستثمار قامت شركة غاز بريطانيا (BG) (والحائزة على 60% من حقوق استكشاف الغاز) بالبحث عن عقود غاز طويلة الأمد مع زبائن آخرين، وخصوصاً إسرائيل، حيث حدثت العديد من المفاوضات المتتالية بين الشركة والسلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية في كل من عام 2000 و2007 و2012، ولكن وجود عدم الثقة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، بالإضافة إلى الانقسام السياسي الواقع في الجانب الفلسطيني، حالا دون التقدم في المفاوضات.
كما وقد أدى عدم الاستقرار في مصر والاضطرابات في شبه جزيرة سيناء بعد الربيع العربي إلى حدوث نوع من عدم الاستقرار في العلاقات المصرية الإسرائيلية، مما زاد من اعتماد إسرائيل من حيث الطاقة على شركة ديليك للطاقة، وقد دفع هذا رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو إلى استئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني من أجل استكشاف الغاز. وفي هذا السياق، قام نتنياهو في شهر أكتوبر من عام 2013 بالموافقة على بدء السلطة الفلسطينية بتطوير حقل الغاز وقد تسمح الاتفاقات الأولية بين شركة غاز بريطانيا وشركة اتحاد المقاولين الفلسطينيين بالبدء بإنتاج الغاز عام 2017.
وحتى إذا استطاعت شركة غاز بريطانيا من النجاح بالوصول إلى حقل الغاز الفلسطيني، فإن عليها بأن تتنافس مع شركة غازبروم الروسية، حيث قام الرئيس الفلسطيني محمود عباس بنقاش اتفاقية استثمار تبلغ قيمتها 1 مليار دولار أمريكي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتي تهدف إلى تطوير حقل الغاز البحري مقابل غزة. يتوقع في هذا السياق بأن تقوم روسيا، والتي تمتلك أكبر احتياطي غاز مثبت بالعالم والمقدر ب48600 مليار متر مكعب، بأن تستخرج 30 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من حقل غاز غزة.
وفي النهاية، فإن تطوير حقل غاز غزة يمثل سيناريو تربح فيه كل من إسرائيل وفلسطين، حيث أن التنقيب عن احتياطي الغاز سيزيد من استقلال الجانب الفلسطيني عن إسرائيل من ناحية الطاقة الكهربائية وسيخفض من اعتماد السلطة الفلسطينية على الدعم الأجنبي. أما في الجانب المقابل، فإن الاقتصاد الإسرائيلي سيستفيد من تطوير حقل الغاز في غزة حيث أن إسرائيل تغطي حالياً جميع احتياجات الضفة الغربية وغزة للطاقة الكهربائية بينما آليات الدفع تعتبر ضعيفة جداً.
وبينما تبقى المفاوضات مع إسرائيل معقدة فيما يتعلق بحقل غاز غزة، نظراً لاشتراك كل من روسيا وحماس والسلطة الفلسطينية، فإن الإمكانيات لتعاون مستقبلي في مجال الطاقة تنبع من الاتفاقية التي تم تووقيعها في ال6 من يناير عام 2014 والتي تنص على تزويد الضفة الغربية بالغاز من حقل ليفايثان (أنظر إلى فرع 2.3).
3.3 ودائع الغاز اللبنانية غير مستغلة بسبب الخلافات مع إسرائيل
يعتقد المراقبون في مجال صناعة والتنقيب عن الغاز أن إمكانيات اكتشاف الغاز في المياه المقابلة للبنان أكبر من جيرانها من دول المنطقة، حيث أنه من المؤكد بأن كميات الغاز قد تصل إلى 2718 مليار متر مكعب كما صرح وزير النفط اللبناني جبران باسل، وعلى الرغم من هذا إلا أن لبنان كانت من آخر دول شرق المتوسط في البدء باستغلال احتياطي الغاز.
وقد أدت إمكانية ازدياد إنتاج الغاز في منطقة شرق المتوسط إلى دفع لبنان للنظر في أهمية إمكانيات الغاز في المياه المقابلة لها، وبالرغم من ازدياد حساسية المخاوف الأمنية فيما يتعلق بالطاقة، إلا أن عدم الاستقرار السياسي في لبنان أدى إلى إعاقة الحكومة من إصدار قراران (واحد يتعلق بتعيين الحدود البحرية واللآخر يتعلق بالموافقة على اتفاقية للتنقيب عن وإنتاج الغاز) مما أدى إلى تأجيل عملية تقديم العطاءات من أجل تخصيص المتعاقدين للتنقيب عن الغاز والذي كان يفترض أن يبدأ في ال10 من يناير 2014. بالإضافة إلى هذا، فقد تقدمت عملية ترسيم المناطق الاقتصادية الخالصة في لبنان ببطء، كما أن فشل لبنان بالوصول إلى اتفاقية مع قبرص لترسيم حدود المناطق الاقتصادية الخالصة أدت إلى إيجاد منطقة متنازع عليها حيث تتداخل المناطق الاقتصادية الخالصة للبنان وإسرائيل (أنظر للرسم البياني رقم 6). وتزيد هذه التعقيدات السياسية من صعوبة الاستمرار في عملية التنقيب عن الغاز في المناطق المتنازع عليها والتي يقدر بأنها تحتوي على كميات من احتياطي الغاز تساوي حقل غاز تمار في إسرائيل.
كما يتعقد الموضوع أكثر بسبب أن كل من إسرائيل ولبنان غير واقعتين تحت السلطة القضائية لمحكمة العدل الدولية وغير مرتبطتين بقوانين اتفاقية منتاجو باي القائمة على آليات لحل النزاعات، أما من ناحية القانون الدولي فمن الممكن القول أن إسرائيل مجبرة على الاعتراف بترسيم حدود المناطق الاقتصادية الخالصة اللبنانية تحت طائلة القوانين العرفية.
3.4 علاقات الغاز ما بين إسرائيل وقبرص وانعكاساتها على تركيا
قام رؤساء الوزراء لكل من قبرص وإسرائيل بالاجتماع في ال17 من ديسمبر 2010 في نيقوسيا ووقعوا على اتفاقية تنص على تسوية دائمة فيما يتعلق بترسيم حدود مناطقهم الاقتصادية الخالصة، وبعد فترة قصيرة في بداية عام 2011، قامت شركة نوبل للطاقة باكتشاف حقل غاز أفروديت في المنطقة الاقتصادية الخالصة الغربية لقبرص مع احتياطي غاز يقدر ب102-170 مليار متر مكعب. وطبقاً لوزارة الطاقة القبرصية، فإن احتياطي الغاز في المياه المقابلة لقبرص قد تبلغ في الواقع ما قد يصل إلى 1700 مليار متر مكعب من الغاز، وفي ظل هذه المعطيات فإن العلاقات القبرصية الإسرائيلية تحسنت بشكل كبير، بينما ازداد التوتر بين قبرص وتركيا.
ويؤدي هذا النزاع حالياً إلى إعاقة قيام قبرص بتطوير حقل غاز أفروديت، كما تعزز التوتر فيما بين قبرص وتركيا في شهر فبراير من عام 2014 عندما قامت مركبة بحرية من الجيش التركي بالهجوم على سفينة نرويجية تقوم بالعمل على مسح زلزالي للمنطقة، كما هددت تركيا بوضع الشركات التي تشارك بتطوير حقول الغاز القبرصة الواقعة تحت الماء على قوائمها السوداء، ولهذا السبب فإن تركيا تواجه حالياً نوعاً من الفتور في العلاقات مع كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول الخليج العربي.
ويمكن القول بأن هذه النزاعات الدبلوماسية في منطقة شرقي المتوسط، وبالإضافة إلى أثرها في زيادة التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، فإنها تتطور لتصبح ذات طبيعة اقتصادية واستراتيجية بسبب الأهمية الكبيرة للغاز الطبيعي في نمو الاقتصاد، فليس من المفاجئ بأن تكون العلاقات الدبلوماسية بين كل من إسرائيل وقبرص وتركيا قائمة على إمكانيات تصدير الغاز الطبيعي.
3.4.1 الخط الاستراتيجي عبر إسرائيل-قبرص-اليونان
قامت كل من إسرائيل وقبرص بتوقيع اتفاقية عام 2012 للبدء بإعداد مجموعات فاعلة لنقاش ممر للطاقة في البحر الأبيض المتوسط من أجل تصدير الغاز القبرصي والإسرائيلي إلى أوروبا عبر اليونان، وقد شمل هذا الممر ثلاثة خيارات هي:
مصنع غاز طبيعي مسال مشترك بين إسرائيل وقبرص
خطوط أنابيب لحمل الغاز الإسرائيلي والتركي إلى أوروبا
خط كهرباء من إسرائيل وقبرص إلى اليونان
وقد اختارت قبرص مبدئياً بناء مصنع غاز طبيعي مسال بسعة أولية تصل إلى 7 مليار متر مكعب سنوياً، كما كشف في اجتماع مجلس الوزراء القرصي في أبريل من عام 2012، حيث سيسمح الميناء الذي قد يتم بناؤه في مدينة فيسيليكوس بإيصال الغاز القبرصي إلى الأسواق الأوروبية والشرق آسيوية، ولكن من أجل إبقاء مشروع مصنع الغاز الطبيعي المسال ذو جدوى اقتصادية فإن قبرص بحاجة للدعم المالي من إسرائيل من أجل تغطية التكاليف المقدرة ب10-15 مليار دولار أمريكي، كما أنها بحاجة للغاز الإسرائيلي. وتحظى حقول الغاز التي تم اكتشافها حتى الآن في قبرص بأهمية استراتيجية كبيرة ولكنها غير كافية للاستجابة للطلب المحلي على المدى البعيد، مما يطرح أسئلة فيما يتعلق بجدوى مصنع الغاز الطبيعي المسال، حيث أن هذا المشروع بحاجة إلى جلب الغاز من حقول الغاز البحري في كل من إسرائيل وقبرص لمصنع الإسالة حيث سيتم شحنها فيما بعد إلى اليونان من أجل إعادة تحويله إلى غاز. ومن المؤكد أنه يوجد العديد من المنشآت القادرة على إعادة تحويل الغاز المسال في البحر الأبيض المتوسط والتي بمقدورها أن تخدم كنقطة عبور إلى أوروبا (أنظر إلى الرسم رقم 7). أما بالنسبة لإسرائيل فإن مصنع الغاز المسال يوفر لها جميع الفوائد الاستراتيجية المرنة للغاز الطبيعي المسال، والمقام في منشآت على الأراضي الأوروبية.
أما الخيار الذي يعتبر ذا تكلفة مرتفعة، فهو يقوم على بناء خط أنابيب كبير (30-40 مليار متر مكعب سنوياً) بحلول عام 2019 في منطقة شرقي المتوسط ليصل بين كل من إسرائيل وقبرص واليونان (والتي تمثل الدول الثلاثة الديمقراطية غير المسلمة في منطقة شرقي المتوسط) قبل ضم هذا الخط من الأنابيب إلى شبكة خط أنابيب عبر البحر الأدرياتيكي)
وبالرغم من أن خيار تأسيس خطوط أنابيب يعتبر الأقل تكلفة، إلا أن الصعوبات التقنية المتمثلة بعبور مسافة 1150 كيلومتر في قاع البحر على عمق 6000 متر، قد تستلزم استثماراً قد يبلغ ما يقارب ال17 مليار دولار أمريكي، ولكن فمن المؤكد أن هذا المشروع يعطي مناعة فيما يتعلق بالشكوك والخلافات المتعلقة بالمناطق الاقتصادية الخالصة التركية أو في ترسيم الحدود المصرية القبرصية للمناطق الاقتصادية الخالصة.
أما الخيار الثالث الذي تم نقاشه في مذكرة التفاهم التي تم توقيها بين إسرائيل وقبرص واليونان في شهر أغسطس من عام 2013، فهو يقوم على بناء خط كهرباء آسيوي أوروبي تبلغ سعته 2000 ميغاواط ليصل إلى شبكة الكهرباء المشتركة لعموم أوروبا، حيث تبلغ تكلفة هذا المشروع ما يقدر ب2 مليار دولار أمريكي وسيشمل وضع “كابل” طوله 1000 كيلومتر في قاع البحر من أجل نقل الطاقة الكهربائية من محطات طاقة تعمل على الغاز، ولكنه، وكما الحال بخصوص خط الأنابيب بين البحر المتوسط وأوروبا، فإنه سيمر عبر المياه التركية والمصرية مما سيطرح العديد من الأسئلة فيما يتعلق بجدوى المشروع.
ومن المؤكد بأن المشاريع القبرصية الإسرائيلية تعمل على زيادة التوتر مع تركيا، فمن أجل عدم تفاقم الموضوع فلم تقم إسرائيل حتى الآن بالكشف عن استراتيجياتها لتصدير الغاز بشكل رسمي، أما قبرص فما زالت تقوم بمحاولات للتوصل لاتفاقية مع لبنان وإسرائيل ومصر لكي تبدأ في عملية التنقيب عن الغاز الطبيعي، كما أنها تبحث في إمكانيات عقد شراكات مع كل من شركة نوبل للطاقة ومع شركة توتل الفرنسية وشركة ENI الإيطالية وشركة KoGas الكورية الجنوبية، ومن المقدر أن تبدأ شركة نوبل للطاقة بالحفر هذه السنة مع تقديرات تصل إلى وجود ما بين 28-56 مليار متر مكعب من الغاز قبل الحفر، أما كل من شركة توتال وENI وKoGas فمن المتوقع أن تبدأ بالتنقيب في مقابل المناطق الاقتصادية الخالصة لقبرص مع نهاية عام 2014 وبداية عام 2015 في ضوء اكتشاف المزيد من حقول الغاز، وستكون النتائج حاسمة فيما يتعلق ببناء مصنع الغاز الطبيعي المسال. وبالنسبة لمعظم صناع القرار في قبرص فإن المسألة مسألة وقت قبل إيجاد المزيد من الغاز لدعم بناء مصنع الغاز الطبيعي المسال، ففي الواقع فإن قبرص تأمل بأن تبدأ بالعمل على محطة غاز طبيعي مسال في عام 2016 كما أعلنت في شهر نوفمبر من عام 2013 بما يتعلق باتفاقية مغ شركة توتال من أجل تطوير محطة الغاز الطبيعي المسال.
ومع استمرار المفاوضات مع الشركات والبلدان المجاورة من أجل زيادة الاستثمار، فإن الحكومة القبرصة تسعة كذلك للبحث عن البدائل، حيث تم الإعلان مؤخراً عن طريق وزير الطاقة والاقتصاد والصناعة والسياحة القبرصي يورغس لاكوتريبس بأن هذه الخيارات تشمل وحدة عائمة للغاز المسال مع خط أنابيب إلى مصر.
3.4.2 الخط الاستراتيجي عبر إسرائيل-تركيا
بالرغم من التجاه العلاقات التركية الإسرائيلية للأسوأ بعد حادثة الهجوم على سفينة مرمرة، إلا أن المحادثات الديبلوماسية بشأن التعويضات لعائلات الضحايا خلقت نوع من التقارب مؤخراً، وفي هذا السياق، قامت إسرائيل في أوائل عام 2013 بالتقدم بعرض من أجل بناء خطوط أنابيب من حقل ليفايثان للغاز إلى السواحل الجنوبية لتركيا وإلى جنوب شرق أوروبا، وقد تم استخدام هذه المخططات لبناء خطوط أنابيب من حقل ليفايثان عن طريق تركيا من أجل موازنة العلاقات الإسرائيلية القبرصية ومن أجل تصدير الغاز من ساحلها على المتوسط إلى أوروبا.
وقد يثبت أن مشروع بناء خط أنابيب بين تركيا وإسرائيل أكثر ربحية من مشروع قبرص المقترح من أجل بناء مصنع الغاز الطبيعي المسال، حيث أن لهذا المشروع تكاليف مباشرة أقل، وفي الحقيقة فإن العديد من الشركات العالمية والتركية قد أبدت اهتمامها بتمويل هذا المشروع والذي تقدر تكلفته ب5 مليار دولار أمريكي، وبالرغم من إمكانية تطبيق هذا المشروع إلا أن خط الأنابيب هذا يجب أن يمر عبر الجرف القاري القبرصي، مما يجعل المشروع مستحيل التنفيذ، وبشكل بديل، يمكن أن يأخذ خط الأنابيب طريقاً آخر ليمر عبر الجرف القاري لكل من لبنان وسوريا ولكن علاقة إسرائيل المتوترة مع الدولتين تجعل من هذه الفكرة صعبة التنفيذ.
كما ويزداد الوضع تعقيداً بسبب معارضة روسيا لفكرة خط أنابيب من تركيا إلى حقول الغاز الإسرائيلية لكي لا تخسر قدرتها على احتكار أسواق الطاقة في كل من تركيا وأوروبا. وقد قال عدد من الخبراء مؤخراً بأن الحكومة الإسرائيلية لن تتغاضى عن بناء خط الأنابيب التركي خشية أن تصبح إسرائيل معتمدة على الخطوط التركية، وعلى الرغم من هذا وعلى الرغم من المساوئ السياسية والاستراتيجية المرتبطة بخط الأنابيب التركية لحقل ليفايثان، فإن شركة الطاقة التركية زورلو للطاقة (ZOREN) كانت قد بدأت بمحادثات مع الشركاء في حقل ليفايثان في أكتوبر من عام 2013.
يقتضي السعي وراء تنقيب ناجح عن الغاز في منطقة شرق المتوسط الوصول إلى حل دبلوماسي متوازن بين كل من تركيا وقبرص واليونان وإسرائيل، وبالرغم من التحديات السياسية والتقنية والتجارية الهائلة، إلا أن كل من تركيا وقبرص كانتا قد استطاعتا الوصول إلى اتفاقية في شهر فبراير من عام 2014، تقوم على إعلان مشترك واستئناف للمفاوضات، حيث ركز الإعلان على إمكانية حدوث تعاون لتأسيس مسار تصدير مزدوج يشمل خط أنابيب تهدف إلى تصدير الغاز الإسرائيلي والقبرصي إلى تركيا. كما أشار خبراء في مجال الطاقة إلى أن الفوائد الاقتصادية التي ستعود إلى تركيا بسبب هذا المشروع قد تقنعها بالتعاون مع إسرائيل وقبرص للقيام بصفقة طاقة في منطقة شرق المتوسط.
3.5 المصالح المشتركة بين إسرائيل ومصر فيما يتعلق باتفاقيات الغاز
لقد أصبحت مصر عام 2008 المصدر الرئيسي للغاز إلى إسرائيل بعد اتفاقية قام بها الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، حيث كان 40% من الغاز الإسرائيلي يصل عن طريق خطوط أنابيب من مدينتي العريش وأشكيلون، وقد تم إنهاء الاتفاقية بعد الإطاحة بمبارك عام 2011، وقد أدت الفوضى التي تلت ذلك إلى الوصول إلى قلة إستعمال لمولدات الطاقة وانقطاعات طويلة للطاقة حيث أن الاضطرابات السياسية في مصر قد تؤدي إلى تحول مصر خلال فترة قصيرة من مصدر للغاز إلى مستورد، حيث أنها تفشل في استيفاء التزاماتها التعاقدية.
وفي هذا السياق، يمكن لإسرائيل أن تستفيد من المنشآت والبنى التحتية المتواجدة لتزويد مصر بالغاز، حيث قامت شركتي ديليك ونوبل للطاقة بالبدء بمحادثات من أجل شحن الغاز إلى مصر عبر خطوط أنابيب أشكول-العريش والتي كانت تغذي إسرائيل بالغاز
وقد أشار الخبراء بأن المفاوضات الجارية بخصوص الغاز قد تمثل محاولات إسرائيلية لاستغلال المنشآت المصرية قليلة الاستعمال وأن تصدر الغاز الطبيعي المسال عن طريقها لأسواق أجنبية، وبالرغم من أن الحكومة العسكرية الحالية تبدو واعدة فيما يتعلق بإعادة تأسيس تعاون في مجال الطاقة، ولكن المعارضة السياسية المحلية وأعمال العنف في شبه جزيرة سيناء، بالإضافة إلى رغبات الشركة للغاز الطبيعي القابضة (EGAS) للدخول في هذا السوق (سوق تصدير الغاز الطبيعي المسال)، تجتمع لتجعل من هذه الصفقة صعبة التنفيذ.
ومن الحلول المفضلة من الجانب المصري والتي قد يسمح لها بالاستمرار بالإيفاء بالتزاماتها لتصدير الغاز تشمل نقل الغاز عن طريق الأنابيب من قبرص إلى منشآت الغاز الطبيعي المسال في إدكو ودمياط، ولكن المنشآت القبرصية اللازمة لتصدير الغاز الطبيعي لن تصبح فاعلة حتى عام 2020، مما يجبر مصر على استيراد الغاز من إسرائيل. وتنص الاتفاقية المقترحة على أن تقوم قبرص بتصدير الغاز الإسرائيلي إلى منشآت الغاز الطبيعي المسال المصرية لكي تقوم مصر باستيفاء التزاماتها والقيام بإسالة الغاز الإسرائيلي في المنشآت المصريية، وهذا سيقوم بفتح الأسواق لإسرائيل في الشرق الأقصى.
4. مصالح الجهات المعنية الخارجية الرئيسية في منطقة شرقي البحر الأبيض المتوسط