السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

عن الجماهير هذه المرة أمير داود

2014-11-25 01:16:12 AM
عن الجماهير هذه المرة
أمير داود
صورة ارشيفية

عتبة

أجمل حلقات برنامج "البرنامج" لباسم يوسف التي شاهدتها، هي الحلقة التي يبدأ كلامه فيها بثقة واضحة مع جمهوره حين يقول: "السيسي". يتوقف باسم يوسف هنا، فيضحك الجمهور كله في إشارة منهم بأن الرسالة قد وصلت. الجمهور يفهم دائماً، دائماً ما يتلقف هذا النوع من الرسائل، هنالك مساحة مخصصة وجاهزة لدى "الجماهير" لالتقاط قفشات مثل هذه، لكن، وما أن يغادر الفرد/ العضو هذه المساحة المائعة التي يغلب عليها التماثل والذوبان، مساحة الجمهرة والجماهير، حتى يستدعي، أي الجمهور، جهداً أكبر وبالضرورة وقتاً أطول أيضاً للإمساك بهذه الرسائل، في دفاع مستميت عند الفرد لحدود مملكته الجسدية والنفسية.

في إطار مشابه، نَبَش كل من "سيجموند فرويد" و"غوستاف لوبون" في الجماهير كمادة بحث في السياق النفسي الاجتماعي، كتب لوبون أولاً عن الموضوع، فرد عليه فرويد في كتاب مفصل، كتاب أشرعه بحثاً عن الجماهير، هذه الكتلة الكبيرة السهلة الممتنعة، أعمل فيه صاحب نظرية التحليل النفسي نبشاً مشاكساً وبعيداً عن المألوف كالعادة. إذ أن إحالة وضع الجماهير وعلاقتها مع القائد/ الزعيم إلى وضع جنسي استسلامي ضمن ما يعرف بعلاقة المرسل والمتلقي جنسياً، تبدو فكرة ملفتة للانتباه، يصرُّ فيها مخترع مفهوم "اللوبيدو" أو الطاقة الجنسية إلى زج الجنس في هذا المربع أيضاً، وهو زج يدعو إلى الكثير من البحث والتأمل على حد سواء.

وإذا ما تم الإمعان في دراسة الحالة المقطعية للجماهير، على المستوى السلوكي، فإن تلك الروابط الوجدانية، كما يسميها فرويد، بين الجماهير والزعيم، تظل واضحة وضوح الشمس، لدرجة أنه يتعسر أحياناً دراسة منطق الانصياع وتشريحه في إطار فهم هذا السلوك.

في عالم اليوم، العالم الذي خفتت فيه معظم الشعارات القومية، أو شعارات القضايا الكبرى لصالح القضايا الوجودية الصغيرة، أخذت الجماهير شكلاً آخر، في إزاحة توافقية لمتطلبات عالم اليوم، لكنها، وفي الوقت نفسه، احتفظت، أي الجماهير، بالخصائص الأساسية للنمط الكلاسيكي منها، كقابليتها للتهيّج والتهييج السريعين، اتكاؤها على المألوف والمتفق عليه، وأخيراً، إيمانها الشديد بخطاب الصراخ على حساب منطقية التحليلات اللازمة.

في إطار قريب إلى حد ما، يمكن إسقاط ما وصل إليه فرويد في تشريح الجماهير على العلاقة الجدلية القائمة بين طرفي الكتابة، الكاتب والمكتوب له، أو القاريء. في الأدب، يأخذ الشاعر/ الروائي/ الأديب الكبير صورة الزعيم الكلاسيكي، في استدعاء يبدو محموداً عند المعجبين والقراء، إذ تبدو الصورة كالتالي: كلما اتسعت دائرة الجماهير حول هذه الشريحة من الأدباء، يزداد منسوب التسليم في إطار روابط الوجدانية التي تربطهما، فينخفض منسوب التمحيص والنقد من جهة، ويزداد الإيمان حتى في أكثر المنتجات رداءة لديه من جهة أخرى، فيتحول الأديب إلى مآل من مآلات الزعامة الكثيرة، في إشارة فاقعة إلى وضع يشبه الاستسلام أو تسليم الأدمغة عند الجماهير، وهو ما يقودنا إلى سؤال أخير: هل حقاً هناك علاقة واضحة فاقعة بين الأدباء وجماهيرهم من جهة، ولوبيدو فرويد من جهة أخرى؟

كل شيء وارد قطعاً!