ترجمة الحدث- ريم أبو لبن
بدأت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تكشف تاريخ أول رئيس وزراء لإسرائيل ديفيد بن غوريون، من خلال مقابلة مع الصحفي والمؤرخ توم سيغف الذي قام خلال 6 سنوات بالتفتيش في الأرشيف الإسرائيلي حول العلاقات السرية لبن غوريون.
وفيما يلي نص المقابلة مترجما:
"كان لديه أربع عشيقات، واقترح تحويل العرب إلى اليهودية، وكان مستعداَ للتخلي عن المشروع النووي الإسرائيلي، تاريخ توم سيغف يقترب من شخصية ديفيد بن غوريون. الرجل وراء الأسطورة". هكذا
الصحفي والمؤرخ توم سيغف وهو أحد كتاب الأعمدة بصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عمد على اقتناص أهم الأدلة والتي تكشف العلاقات الحميمية لديفيد بن غوريون في ظل وجود أرشيف شخصي وهو الأخطر من وجود العلاقات الحميمية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول، حيث هناك مجموعات موثقة من حياته وأعماله في 750 كتابا وباللغة العبرية.
"إذا كان الزعيم غير مخلص لزوجته، ربما يكون غير مخلص لناخبيه، فهو إن احتال عليها، فربما يحتال عليهم". هذا هو المعيار الذي استند إليه سيغف في الرد على سؤالين وهما: أين تصل الحدود ما بين النميمة (القيل والقال) والمواد ذات القيمة التاريخية. ولماذا كان مهتماَ بمسألة الحياة الجنسية لـ بن غوريون؟
الكتاب الجديد المؤلف من 800 صفحة وباللغة العربية للكاتب (كيتر)، ويحمل عنوان " ديفيد بن غوريون : دولة بأي ثمن" وهو يكشف الحياة الجنسية الغامضة لـ بن غوريون، ويظهر كما ما لم يعرفه الإسرائيليون من قبل، فهو يكشف بإسهاب النساء الأربع اللواتي كن عشيقات له.
قال سغيف: "إنه يحدد بانتظام مصير الأمة". "لا أعتقد أنه من غير المعقول بأن لا نعرف عن نقاط ضعفه وحزنه، وعن النساء اللواتي اشتركن معه باتخاذ قرارات هامة".
أضاف : "من المقرر نشر الكاتب في الشتاء القادم بالولايات المتحدة الأمريكية ومن قبل فارر وستراوس وجيرو ( Farrar, Straus and Giroux.) ".
العلاقات "غير المشروعة" مع النساء بدأت في عام 1926، عندما كان بن غوريون يبلغ من العمر أربعين عاماَ، واستمرت هذه العلاقات بشكل متقطع وتوقفت حتى انتهاء توليه منصب رئيس للوزراء.
كانت المرأة التي "خدعها" بن غوريون تدعى ريفكا كاتسنيلسون (Rivka Katznelson)، وقد كان حينها متزوجا من بولا (Paula Ben-Gurion) وهي أم أطفاله. أما ريفكا فقد كانت اكتسبت الشهرة كمحررة لمجلة "دفار هابوليت" وهي أول مجلة نسائية في إسرائيل، وكان لها صلة بزعيم العمل "الصهيوني" بيرل كاتسنيلسون (Berl Katznelson.).
اجتمعوا عندما كانت في التاسعة عشرة من عمرها، في تجمع انتخابي تحدث فيه بن غوريون. "صغيرة ولكن المدمجة رأس كبير مع فوريلوك ضخمة - كان هناك شيء مرغوب فيه عنه"، وكيف وصفت اجتماعهم الأول
وعن تفاصيل اللقاء كتبت "هآرتس" : التقت ريفكا بـ بن غريون خلال تجمع انتخابي حيث كانت تبلغ من العمر حينها 19 عاماَ".
في حين وصفت ريفكا بن غوريون في ذاك اللقاء بـأنه "ضعيف، ورأسه كبير وشعره كثيف يسقط على جبينه ولديه شيء مرغوب فيه".
ازداد فضول سيغف حول هذه العلاقة وتحديداَ عندما رفضت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي ووزارة الاحتلال فتح ملف للجمهور يحمل اسم "ريفكا كاتسنيلسون" وذلك لأسباب تتعلق بالخصوصية الشخصية. لم يتوقف دور سيغف هنا بل اطلع على المواد الموجودة في أرشيف جنزيم (Genazim) بعد أن حصل على الموافقة من قبل أخت كاتسنيلسون للاطلاع على تلك الوثائق.
علم سيغف بأن ريفيكا قد التقت بـ بن غوريون في منزله عندما كانت بولا غير متواجدة، وكانت اللقاءات إما في مكتبه أو في الفنادق. كتب بن غوريون في رسالة رسمية إلى ريفكا وصادرة عن مكتب رئيس الوزراء طالبا منها بأن تبقى على اتصال مع مكتبه لتنسيق اللقاء القادم من خلال مساعده.
وفي الأرشيف، وجد سيغف: "كان وقته قصيرا، والصبر شغفه، ويشعر بالاشمئزاز من ألعاب الحب". كاتسنيلسون وصفت بن غوريون بأنه "جائع" كما الشخص الذي يكون (متعجلاَ، ومهتزا، ويرتعد، يحتضن، يقبل، ويتعرى)، وقد تعامل بن غورين معها وكأنها "امرأة صغيرة".
في إحدى المرات، تسبب بن غريون بـإهانة شديدة لـ كاتسنيلسون وقد سخر من كلامها وذلك عندما أدركت بأنه لا يميز بين جسدها وجسد أي امرأة اخرى. وهي بذلك قد شعرت بالاستغلال في نهاية المطاف.
كتبت: "لم يكن يعلم بأنني متزوجة، ولم يكن يعلم بوجود أطفال، لم يسأل ولم يقل ماذا يفكر بي، ولم يكن أمراَ مهماَ، هو أرادني وفقط ..فقط أرادني".
كتبت تقول له: "لم ترني أبدا، ولم تكن تريد أن تسمع ما كان علي أن أقول، أحلامي لا تهمك".
كاتسنيلسون كانت تعلم بأن بن غوريون وعلى حد وصفها :"مات مع عذريته". وفي هذا الوصف دلالة بأنه لم يكن صادقاً ووفياً مع النساء حتى مع زوجته.
وقد ذكر سيغف في كتابه الجديد: "هذا الأمر مثير للاهتمام وللغاية، وهي تعتقد بأنه يفتقر إلى القدرة الجنسية الحقيقية للنساء".
كلمة واحدة: نتنياهو
اكتشف سيغف بأن التعامل مع بن غوريون هو أكثر من مجرد درس في التاريخ.
وكتب بحسب صحيفة "هارتس" : "في السنوات الاخيرة حظي بن غوريون بشعبية عالية جداَ كما يلاحظ".
وأضاف: " لم يمر يوم دون أن يذكر اسمه في إحدى الصحف".
ما هو السبب؟ هل تعتقد بأن " هناك تعطش لوجود قياده نزيهه. التفسير يكمن في كلمة واحدة: نتنياهو".
هل لهذا التعطش أساس متين؟
لم يكن بن غوريون شخصاً فاسداَ، كان ليه صفة التواضع، ولم يكن يدخن السجائر ولم يشرب "الشمبانيا"، غير أنه كان يركب في السفينة وفي الدرجة الثالثة وكان يتبادل الحديث مع أشخاص آخرين.
ومن ناحية أخرى، قد يتم الحديث عن قضايا الفساد المتعلقة به، فعلى سبيل المثال: فيما يتعلق بمنزله الذي اشتراه في تل أبيب، حيث لم يكن مؤكدا قيامه بدفع القروض التي حصل عليها من البنك ومن قبل اتحاد العمال (هستدروت)، كما أنه لم يكن يدفع ثمن آلاف الكتب التي كان ينتقيها.
وبعد قيام الصحفي والمؤرخ سيغف بإجراء بحث متعمق، اكتشف بأن بن غوريون ترك الملايين من الكلمات وراءه، حيث كتبت سيرته الذاتية في خمسة كتب وخلال السنوات القليلة الماضية، وكل كتاب يتناول زاوية مختلفة من حياة بن غوريون.
ولم يترك الكلمات والسير الذاتية خلفه فقط، بل ترك وراءه سلسلة من المشاكل والعديد من التساؤلات السياسية والاجتماعية والأخلاقية والتي لا تزال دولة الاحتلال تتعامل معها بحسب ما ذكر سيغف.
هناك سيرتان كلاسيكيتان لـ بن غوريون وكتبها كل من شابتي تيفيث ومايكل بار- زوهار وهم يبلغان من العمر 40 عاماَ.
سيغف يقول : "منذ ذلك الحين العديد من التغيرات قد حدثت".
أضاف : "في البداية، جيل جديد من القراء قد وصل إلى مرحلة النضج، وهم لا يشعرون بشعور الإثارة كما في جيل بن غوريون".
واستكمل قوله: "تم فتح العديد من الوثائق في الفترة الانتقالية بما فيها الوثائق التي تتحدث عن اجتماعات مجلس الوزراء، والتي لم تكن متاحة للباحثين في وقت سابق".
واليوم، يؤكد المؤرخ سيغف بأنه من الممكن الاقتراب من حقيقة بن غوريون سواء كزعيم سياسي أو كإنسان، وعدم الاكتفاء فقط بكونه (صورة معلقة أو رمز وأسطورة).
وفي غضون ست سنوات من البحث، يقول سيغف : "أكتشف زعيماَ محفوفاَ بالتناقضات الدرامية".
أضاف :"كان بن غوريون الزعيم الصاعد وغير المتجدد، المحفور في الصخر والصلب".
وقبل ذلك، كان بن غوريون يتحدث بصوت حاد، وقد أجبر على الحديث بلغة اليديشية، وكان قريباَ من اليأس الانتحاري ويشعر بالفشل.
وسط كل ذلك، اكتشف سيغف الرومانسية والشعرية والعاطفية التي كان يتمتع بها بن غوريون. وبهذا فقد تحولت الوثائق في لحظة ما للتطرق إلى شخص مختلف: "الشخص الذي كان عرضة للمزاج السيء و الانفجارات قد تعرض لتحولات شديدة مقرونة بالسعادة العليا تارة واليأس الشديد تارة اخرى".
سيرة المؤرخ سيغف ملئية بالاقتباسات المنقولة عن بن غوريون وخلال فترات مختلفة ومنها " بالكاد أعثر على مصلحة في الحياة تدوم بشكل أطول".
وفي اقتباس اخر : "حتى في لحظات السعادة لا استطيع أن احرر نفسي من الحزن العميق الذي اخترق ذاتي، لم أعد استطيع تحمل المحن، إنه حجيم داخلي يطاردني".
وفي ذات يوم، اتجه لكتابة كهذه : "كل يمر، يتوقف، سرمدي، هلاك، بطلان، لا شيء، ما لا نهاية، ما هو معنى وجودنا البائس؟ الرحيل دون أثر، بلا هدف. من سيجيب؟ من سيقول؟ القبر – الجواب واحد، والغرض الوحيد".
"ربما كانت طبيعتي تميل إلى اللوم". كتب بن غوريون في لحظات أخرى. " ولكن أنا شخص وحيد جداَ وأحياناَ بعض الأمور قد تكون صعبة، صعبة جداَ لي". هناك لحظات مرهونة باختفاء قلبي، لحظات ممزقة وقاسية، أسئلة صعبة تعذبني وليس لدي أي أحد ألجأ إليه. إنني أقف بمفردي وعبئ ثقيل يلقى على كاهلي، عبئ ثقيل جداَ وعلي تحمله".
وبعد مرور الوقت، تظهر كلمة "القلق" في كتاباته.
في ذات السياق، يقول سيغف: "إن التحرك التاريخي الذي قاده غالباً ما جعله يشعر بالقلق".
سيغف وجد أدلة في مذكرات بن غوريون أنه كان طريح الفراش ولمدة بضع أشهر ولم يذكر السبب، حيث استسلم للأوجاع والأمراض التي لحقت به ومنذ طفولته التي مر بها في بولندا، كان يعاني في بعض الأحيان من الشعور بالضعف، وفي بعض الأحيان لا يستطيع النوم، وكان يقضي أوقاته للعلاج في المستشفى.
قد تكون هذه الأمور صعبة على صاحبها وهنا يقصد القادة الكبار، فهم يمرون بهكذا ظروف صعبة.
كتب سيغف : "هذا الأمر صحيح، ولكن قد يختلف الأمر لدى بن غوريون، فهو مثيرة للاهتمام بشكل خاص لأنه يعلم بها تماماَ، فكل شيء قد كتب في مذكراته وفي رسائله".
أضاف : " قرأت عن التدفق العاطفي الذي لا نهاية له، علمت ببؤسه وشعوره بالوحدة، وعن حنينه للحب، لقد وجدت القدرة والرغبة للمراقبة الذاتية الحساسة والشجاعة، وهذا جعله كشخص رائع. أنه لأمر مدهش وحميمي كيف يكون عندما يعلق مشاعره في مذكراته أو رسائله".
قال سيغف معلقاَ على كتابات بن غوريون : " كنت أشعر بأن بن غوريون كان يكتب كل هذا لكتابة سيرة ذاتيه له في المستقبل وهنا يريد القول : "الرجاء فهمي جيداَ، ومعرفتي كما كنت حقاَ".
في نهاية بحث سيغف المطول عن حياة بن غوريون، توصل إلى استنتاج "مقلق" بأن بن غوريون كان يميل أحياناَ إلى الانفصال عن الواقع.
تكاليف شديدة الانحدار
يأتي نشر كتاب الصحفي والمؤرخ سيغف بعد 50 عاماً تقريباً من لقائه بن غوريون بشكل شخصي، أي في أبريل عام 1968، حيث سافر سيغف وصديقين إلى سدي بوكر(Sde Boker ) لمقابلة بن غوريون وكان يبلغ من العمر (23)عاماَ حينها، حيث كان يعمل يسغيف كمحرر، وخلال مسيرته الصحفية وبما في ذلك عمله في "هآرتس"، كان يجري عدة مقابلات مع رؤوساء أو وزراء وملوك وعندما قابل بن غوريون (82)عاماَ، قال : "لا شيء يقارن بتجربة مواجهة التاريخ".
بن غوريون قال : "كنت أعلم وفي سن الثالثة بأنني لن أبقى في المكان الذي ولدت فيه". وتذكر طفولته في بلدة بلونسك البولندية. ولهذا السبب، قال بأنه لا يريد أن يتعلم اللغة البولندية لأنه يعلم بأنه سيعيش في أرض إسرائيل.
وقد أدى كشف هوية بن غوريون وعلاقته بـ الصهيونية إلى ترجمة عنوان السيرة الذاتية الجديد "دولة بأي ثمن"، وكانت هذه الأثمان، وكما يشير الكتاب والمقابلة التي أجراها مع سيغف كانت ولا تزال شديدة الانحدار.
وعلى سبيل المثال، فقد فوجئ سيغف بأن بن غوريون، وفي مرحلة مبكرة جداً من حياته المهنية، أي في عام 1919، قد أسس حزب أهدوت هافودا ("وحدة العمل")، إذ أعرب عن فكرة : "أنه لم تكن هناك فرصة للسلام مع العرب".
"كل شخص يرى صعوبة فيما يتعلق بمسألة العلاقات بين اليهود والعرب، ولكن لا يرى الجميع أنه لا يوجد حل لهذه المسألة. لا حل". هذا ما قاله بن غوريون في كلمة كان قد ألقاها قبل ثلاثين عاماَ من وجود إسرائيل.
أضاف : "نريد أرض إسرائيل كدولة، والعرب يريدون الأرض أن تكون دولة لهم، ولا أعلم هل من سيوافق من العرب على أن تكون ارض إسرائيل لليهود".
في وقت لاحق، اعتبر بن غوريون أنه من البديهي أن إسرائيل ستتعرض دائما لتهديدات بـ التدمير، وأن العرب لن يقبلوا بوجودهم حتى ولو أدركوا بأنه لا توجد إمكانية لتدمير تلك البلاد.
وفي هذا الاطار لاحظ يسغيف بأن بن غوريون و طوال حياته كلها، كان يتبع نهجاَ قائماَ على عدم تخلي أي شعب عن أرضه وبالتالي كان من الممكن في أفضل الأحوال إدارة الصراع ولكن ليس لحله. وهذا هو الثمن الذي يدفع دون سلام".
ولعل هذا هو السبب الذي جعل بن غوريون يعتقد ومنذ الوقت الذي حضر به إلى فلسطين، في فكرة ترتبط في مسألة نقل السكان، حيث كان يؤيد في نهاية الثلاثينيات النقل القسري وكان لا يرى فيه أي شيء غير اخلاقي.
ذكر سيغف أن بن غوريون، الذي عمد على إنشاء دولة يهودية له وهو "مشروع حياته"، طلب من البريطانيين عشية تأسيس إسرائيل تمديد فترة الانتداب ووافق على تأجيل تحقيق حلمه ذلك، ولعدة سنوات.
في بداية عام 1947،و قبل بضعة أشهر من التصويت على تقسيم الأمم المتحدة في 29 نوفمبر مهد الطريق لإقامة دولة إسرائيل، حيث عقد بن غوريون اجتماعا مع وزير العدل البريطاني (ويليام جويت). وفي منتصف الليل، اتفقوا على وثيقة مصيرية، كان نصها الأساسي هو أن الانتداب البريطاني في فلسطين سيظل ساري المفعول لمدة خمس أو عشر سنوات أخرى.
كتب المؤرخ سيغف :"جزء من الأسطورة يوضح بأن بن غوريون يشعر بأنه يعرف ما يجب القيام به، وبهذا المعنى يشبه القادة الآخرين، مثل لينين وتشرشل، الذين يعتقدون في الحاجة إلى إعادة تشكيل مصير شعبهم ويعتقدون بأنهم يستطيعون القيام بذلك، وهذا ما يعتقده الشعب".