ما زلت أعتقد أننا كشعب كنا مهيئين لأن نكون أهم دولة تحترم الأعراف الديموقراطية، ممارسة وفعلا، حتى وإن كانت في ظل شروط وقيود "أوسلو"، الركيزة الأساس لهذا الاعتقاد أن الشعب الذي لم يكن له دولة يوما ما على مر التاريخ، كان متعطشاً لأن تكون له دولة وأن تحكمه قيادة من بين أبناء شعبه. لذلك كانت الآمال المعقودة على القيادة العائدة من تونس كبيرة، وكان الشعب متلهفاً لأن تكون له مؤسساته وحكومته ووزاراته ومجلسه التشريعي، وبطاقة الهوية وجواز سفر، ومطار وميناء، فحمل الشعب القيادة العائدة من تونس على الأكتاف وفرح بها و"ها- ها" لها. لكن وللأسف، كل الأحلام تبخرت في الهواء حين أصبح مفهوم الديموقراطية وسيادة القانون شعاران للاستهلاك السياسي، ففسد الوطن وأُفسِد المواطن بسوء الإدارة السياسية له، ولم تفلح ولن تفلح محاولات إصلاحه إلا بمعجزة.
ما استدعى الحديث عن الديموقراطية هو المشهد المفرح للانتخابات الرئاسية في تونس، والتي سبقتها الانتخابات البرلمانية، والتي جميعها جرت في أجواء ما بعد الربيع العربي بكل ديموقراطية سلسة ومريحة، دون أية شكوك في شرعيتها كما حدث في دول مجاورة وما زال يحدث في دول أخرى من المنطقة.
ما نجح فيه رئيس تونس ما بعد الاستقلال الحبيب بورقيبة – مع كل التحفظات عليه-أنه استطاع أن ينزع فتيل الفكر القبلي والعشائري والعائلي والديني إلى ما هو خارج المؤسسات السياسية التونسية فصارت المأسسة جزءا أًصيلاً في الفكر السياسي التونسي حتى الأحزاب الدينية كحزب النهضة، الحزب السياسي الأهم والأبرز في تونس، تمتع بحنكة سياسية حافظت على تونس حتى الآن من خلال إدارته لمعاركه السياسية ما بعد الربيع العربي في تونس باحترامه لمبادئ اللعبة الديموقراطية.
أما نحن، وللأسف، فإن القيادة التي أمضت 12 عاماً من نضالها وثورتها في تونس، لم تتعلم شيئاً من ذلك البلد الأخضر. ولم تكن محصلة إدارتها لهذا الشعب سوى انقسام سياسي بغيض سيبقى وصمة عار في تاريخ هذا الشعب العظيم.