ذهبت إلى الصراف الآلي، سحبت مبلغاً من راتبي، خرجت لي أوراق نقدية جديدة، أحاول أن أتهجأ الأحرف العبرية لأعرف من صاحب الصورة على الورقة النقدية، فأجد ورقة مائتي شيقل الزرقاء تحمل صورة الشاعر الصهيوني "نتان الترمان" المقرب من بن غوريون إلى درجة أن نقادهم اعتبروه "شاعر بلاط"، وأجد ورقة المئة شيقل تحمل صورة شاعرة مهاجرة من روسيا اسمها "ليئا غولدبرغ"، وورقة العشرين شيقل الجديدة تحمل صورة شاعرة أخرى و.. و .. وهكذا.
على المقلب الآخر تطالعنا الأخبار بما تمارسه وكالة غوث اللاجئين من تقليص خدماتها للاجئين الفلسطينيين، والتي تتجه نحو وقفها وتصفية القضية الفلسطينية، وغير ذلك من مظاهر تضييق الخناق.
ما جعلني أنحو هذا المنحى في التقديم، قراءتي لما كتبه الحالم الثاني "خلدون يحيى" تلميذ الصف الثامن في مدرسة كفر راعي/جنين قبل عشرة أعوام، الممرض في المستشفى الاستشاري حاليا. الحالم الأول كان مجد القاضي.
صاغ خلدون قصته على غرار دريد لحام "غوّار" في مسرحية "كاسك يا وطن"، حيث دار حوار بين غوار وأبيه الميت، فحدثه عما آل إليه الوضع العربي. الفارق هو أن غوار كشف الفيلم في نهاية حواره بطريقته الكوميدية فقال بأن وضح الصورة الحقيقية وأخبر أباه أن ما قاله في البداية " كله خرط في خرط يا أبي" "الله وكيلك يا أبي صرنا فرجة"، أما خلدون الطفل فعاش الحلم حتى آخره: ورأى فيما يرى الحالم أن اللاجئين عادوا إلى بيوتهم وأن الحدود بين فلسطين والأردن ومصر ولبنان قد أزيلت، وأن بطاقات التموين قد انتهت وأن صورة "أبو عمار" تزين الدينار الفلسطيني والعلم الفلسطيني يرفرف على القدس الشريف عاصمة الدولة.
ما زال خلدون بعد مرور الأعوام العشرة يستعذب الحلم، فيقول خلدون الشاب ردا على أسئلتي:" عندما كتبت هذه الخاطرة كنت طفلا ومن حق الأطفال أن يحلموا بواقع أجمل، عشت مع كل كلمة فيها وتمثلت كل عبارة وكل جملة، عشت الحلم حقيقة ولو للحظات. كم كانت جميلة.. تغلغلت إلى داخلي وكياني، كنت مقتنعا بكل جوارحي بالكتابة لعله يأتي عام 2018 ويصبح الحلم حقيقة، أصبحت الآن شابا أخوض غمار الحياة وأنخرط في سلك العمل والعاملين، ولا زلت أحلم ولو عُرض عليَّ مرة أخرى أن أتخيل فسأتخيل وأشكر أولئك الذين يدعوننا إلى التخيل ما دام الواقع بعيد المنال".
طلب مني خلدون طلبا بسيطا وهو أن أؤمن له نسخة من كتاب "تخيل فلسطين عام2018" أتمنى ألا أخذله في هذا الطلب.