خاص الحدث ــ محمد بدر
على مدار أسابيع، شكّل الشهيد أحمد جرار كابوسا للاحتلال ولأجهزة مخابراته، وتحول جرار لأسطورة فلسطينية في المطاردة من خلال الإفلات من قبضة مخابرات الاحتلال بشكل متكرر.
استشهد جرار وأخذ معه الكثير من الأسرار لا نستطيع الإطلاع عليها، ولكن الأحياء الذين عايشوا جرار في أيام مطاردته يملكون بعض التفاصيل، هذه التفاصيل تحاول ترسيم أيام جرار الأخيرة على شكل مشاهد وحقائق.
إبراهيم لوحده .. زوجته وأطفاله بعيدون
طلب إبراهيم من زوجته أن تذهب لبيت أهلها في قباطية، لم تكن تعلم أن إبراهيم يخبئ سرا كبيرا تبحث عنه إسرائيل بكل مؤسساتها الأمنية، إبراهيم بات وحيدا في البيت دون طفليه النعمان وفاطمة الزهراء وكأنه أراد أن يجنبهم مشاهد معركة كبرى ستنطلق في منتصف الليل.
في حوالي الساعة 12 ليلا دخلت عدة سيارات خاصة بشكل غريب بلدة السيلة الحارثية غربي جنين، واتجهت باتجاه منزل إبراهيم. يقول معتز طحاينة ابن عم إبراهيم "ترجل عدد كبير من الشباب الذين يلبسون لباسا عاديا من عدة سيارات مدنية، وبدأوا يتوزعون على شكل مجموعات بالقرب من بيت إبراهيم"
ويضيف معتز أنه بعد نصف ساعة تقريبا كان جيش الاحتلال قد طوّق المنطقة، وتبين أن هؤلاء الشباب هم أفراد في الوحدات الخاصة، مشيرا إلى أن كافة البيوت التي تحيط ببيت إبراهيم تم اقتحامها واحتجاز أهلها في غرف صغيرة، قبل أن يعتلي قناصة من جيش الاحتلال أسطح هذه البيوت.
معتز طحاينة أكد لـ "الحدث" أن القوات الخاصة وخلال إخراجها لبعض المواطنين من المكان قامت بالاعتداء عليهم بشكل وحشي ومن بينهم أطفال وشيوخ كبار السن.
"أحمد جرار سوف يلاقيك قبل أن تلاقيه"
تحولت المساحة الضيقة التي تحيط بمنزل إبراهيم إلى ساحة حرب، جرافات للاحتلال وناقلات جند وقناصة وجنود مشاة ووحدات خاصة وسيارات إسعاف تابعة لجيش الاحتلال، ويعتبر معتز أن حجم القوات كان يدلل على أن شخصا خطيرا يتواجد في بيت إبراهيم.
بدأ ضباط المخابرات بمطالبة كل من يتواجد في بيت إبراهيم بتسليم نفسه، في هذه اللحظات بدأت قوة الاحتلال العسكرية المحاصرة لإبراهيم بإطلاق قذائف إنيرجا الحارقة باتجاه البيت وصليات كثيفة من الرصاص، قبل أن يخرج ويسلم نفسه لقوات الاحتلال.
معتز يروي تفاصيل التحقيق مع إبراهيم بعد خروجه من المنزل "بدأوا بضربه بالبنادق في ساحة البيت ووضعوا السلاح في فمه وقالوا له إذا لم تقل لنا أين أحمد جرار سوف نقوم بقتلك .. لدينا قرار بتصفيتك"، وبحسب معتز فإن إبراهيم كان يرد في كل مرة "دوّر على أحمد بتلاقيه .. وهو راح يلاقيك قبل ما تلاقيه".
يقول طحاينة إن التحقيق استمر مع ابن عمه إبراهيم قرابة الساعة وكان يشرف على هذا التحقيق عدد من ضباط المخابرات، قبل أن تقوم قوات الاحتلال بنقله بواسطة جيب عسكري لمكان مجهول، بعد أن يأست في الحصول على أي معلومة منه.
هذه ليست المرة الأولى التي يخضع فيها إبراهيم لتحقيق عنيف، في السابق خضع لتحقيق عسكري بتهمة الانتماء لسرايا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، وقضى في المعتقلات الإسرائيلية أكثر من سبع سنوات. بالإضافة لكونه شقيق الشهيد صالح طحاينة مسؤول الجناح العسكري للجهاد الإسلامي في الضفة سابقا والذي اغتالته "إسرائيل" في مدينة البيرة عام 1996 بعد ان تمكن من الهروب من السجن، وكذلك شقيق الإستشهادي صالح طحاينة الذي نفذ عملية فدائية في القدس.
معن سلم حالك .. أربعة ملثمون كشفوا عن وجوههم
يقول الأسير المحرر أنه كان قد التقى بعمه إبراهيم في تمام الساعة الحادية عشر قبل أن يفترقا كل إلى بيته. ويروي معن لـ "الحدث" تفاصيل اعتقاله والتحقيق معه فيقول "دخلت بيتي في الساعة الواحدة ونصف بعد منتصف الليل .. بعد أقل من 5 دقائق كان المنزل محاصرا من قبل القوات الخاصة في جيش الاحتلال وبدأوا بمناداتي عبر مكبرت الصوت لكي أقوم بتسليم نفسي".
وفي اللحظة التي خرج فيها معن من البيت، هاجمته قوة خاصة من جيش الاحتلال وقيدّت يديه وبدأ أربعة ملثمين بالتحقيق معه بشكل عنيف؛ ويشير معن إلى أن جنود الاحتلال اعتدوا عليه من خلال ضربه بأعقاب البنادق على وجهه وظهره.
الملثم: أين أحمد جرار؟
ــ "ما بعرف"
الملثم: لماذا ترك عمك إبراهيم هاتفه معك؟ هل تعلم أننا اغتلنا عمك إبراهيم؟
ــ "عمي إبراهيم كان معي بالسيارة ونسي هاتفه".
الملثم: أنت تعلم أن أحمد جرار "مجرم" و"قاتل" وتسترك عليه يعني أنك تتستر على "مجرم"؟
ــ "ما بعرف عن شو بتحكو"
الملثم: عمك إبراهيم طلب منك تنقل شخص .. هذه الشخص هو أحمد جرار .. أين نقلته؟
ــ "ما طلب مني أنقل حد"
فجأة يكشف الملثمون الأربعة عن وجوههم لمعن.
هل تعرفنا ؟
ــ نعم .. أنتم ضباط تحقيق في مركز الجلمة وحققتم معي قبل ذلك.
صحيح نحن ضباط التحقيق في الجلمة ..
ويؤكد لنا معن أنه تم نقله إلى مركز توقيف سالم، وهناك تم إبلاغه من قبل ضباط المخابرات أن عمه إبراهيم استشهد، ويضيف معن أنه بالصدفة رأى عمه إبراهيم وكان هذا سببا كافيا للبكاء والضحك في ذات الموقف؛ في ذات اللحظة. بعد ذلك التقى الاثنان في معسكر سالم حيث كان الدم يغطي وجه إبراهيم وأن الاحتلال كان يرفض معالجة الجروح في وجهه وجسده.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" هذه هي العبارة التي ظل إبراهيم يرددها خلال الإعتداء عليهم في معسكر سالم قبل أن يتم نقلهم لمركز تحقيق الجلمة، يقول معن.
محمد جردات 55 عاما .. أبو المطاردين جميعا
خالد جردات جار الأسير محمد جردات يروي لنا تفاصيل اعتقال الأخير فيقول" حاصرت قوات كبيرة من جيش الاحتلال منزل الأسير محمود جردات، كما وحاصرت بركسا يقع بالقرب من بيته .. كانت هناك جرافات وناقلات جند تحاصر البركس وكانت معظم القوات حول البركس وليس حول منزل الأسير جردات "
ويضيف خالد " فجروا مدخل البركس ثم فجروا غرفة في الداخل وظلوا يحاصرون البركس حتى الساعة 7 صباحا، تخلل ذلك إطلاق نار كثيف باتجاه البركس ومطالبة من فيه بتسليم أنفسهم".
وبالنسبة للأسير محمد جردات، يقول خالد جردات "اقتحموا منزله بشكل وحشي واعتدوا عليه، وأخضعوه لتحقيق عنيف في ساحة منزله، قبل أن تعتقله قوات الاحتلال وتنسحب".
يذكر أن محمد جردات 55 عاما اعتقل قبل المرة من قبل الاحتلال لإيوائه المطارد صلاح صوافطة قائد سرايا القدس في شمال الضفة.
أنا نقلت أحمد جرار
يقول الأسير المحرر معن طحاينة أنه وبعد اعتقال عدد من الشبان، اعترف بعضهم أن جرار موجود في السيلة الحارثية وأن إبراهيم طحاينة هو المسؤول عن تنقلاته" .. ويؤكد معن الذي التقى عمه إبراهيم والأسير محمد جردات في المعتقل أن الأسير محمد جردات روى له بعض التفاصيل التي كشفت في النهاية على يد مخابرات الاحتلال.
وفي التفاصيل، فإن إبراهيم طحاينة طلب من الأسير جردات أن يستقبل ضيفا لمدة ثلاثة أيام فقط دون أن يفصح له عن هويته، ووافق جردات على طلبه، في نفس اليوم جاء كل من طحاينة والشهيد أحمد جرار إلى محمد جردات الذي تفاجأ في البداية كون الضيف مسلحا، لكن ذلك لم يمنعه من أن يعطي هذا الضيف المسلح مفاتيح البركس، جرار الضيف وجرار المقاوم المسلح مكث في البركس عدة أيام.
بعد اعتقال عدد من الشبان، رأى إبراهيم أنه من الضروري نقل الشهيد جرار لمكان آخر، وبناء على ذلك طلب من جردات أن ينقله لبيت مهجور تابع للأمن الوطني لليلة واحدة فقط. مع الإشارة أن مفتاح البيت المهجور كان مع جردات بصفته مكلفا بحراسة البيت من قبل الأمن الوطني، وافق جردات وسلم المفتاح لأحمد جرار.
الحوار الأخير مع جرار
يقول معن أنه في الليلة الأخيرة لجرار تم نقله من البركس إلى البيت المهجور، "كان جرار متعبا ويقول لمن معه أنه يشعر بنعاس شديد"، حيث كان من المفترض أن يتم نقله في اليوم التالي من البيت المهجور إلى مكان آخر يحدده طحاينة. "شكرا لكم يا أهلنا في السيلة .. قد أتوجه لمكان بعيد من هنا" قال جرار لمرافقيه.
هذه الليلة الوحيدة في هذا البيت المهجور كانت كفيلة بأن يهجر جرار العالم الذي نحن فيه إلى عالم لا ندرك تفاصيله.
هذه التفاصيل عن اللحظات الأخيرة والكلمات الأخيرة لجرار ينقلها معن عن الأسير محمد جردات الذي التقى فيه في المعتقل بعد الاعتقال، مع الإشارة إلى أنه تم تقديم لائحة اتهام بحق الأسير إبراهيم طحاينة والأسير محمد جردات بتهمة مساعدة الشهيد أحمد جرار، وأضافت النيابة العسكرية في محكمة سالم تهمة أخرى على قائمة تهم الأسير طحاينة وهي محاولة عرقلة التحقيق وعمل المخابرات والجيش.