منذ مدة والمقولة السياسية الفلسطينية الأبرز، هي الذهاب إلى مجلس الأمن في مسعى للحصول على برمجة دولية لإنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية، ونظرا للإغلاق السياسي المطلق، الذي فرضه نتنياهو على المسار الإسرائيلي الفلسطيني، ونظرا للفشل الصريح الذي وصل إليه الوزير كيري، بعد تسعة أشهر من الاستثمار الملح على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، وجد الفلسطينيون المؤيدون من العرب والعالم، أن الخيار السياسي الممكن، لتفادي اندثار القضية الفلسطينية هو نقل اللعبة المتعثرة على أرضها إلى مكان آخر، ربما يكون أكثر حناناً وعطفاً عليها ألا وهو الأمم المتحدة.
الإسرائيليون اتخذوا من التوجه الفلسطيني هذا ذريعة لمواصلة اجراءاتهم القمعية والانتقامية ضد الفلسطينيين، والأمريكيون رأوا في هذا التوجه ما يقترب من انقلاب على اللعبة الجارية وتغيير دراماتيكي للمسار، ولم يتوانى الأمريكيون في إشهار عدائهم للفكرة وتهديد الفلسطينيين بالويل والثبور وعظائم الأمور إن نفذوا مسعاهم "الانقلابي".
وانقسم العالم حول الموقف الفلسطيني، البعض يؤيد لأنه لا يملك حجة للمعارضة، والبعض الآخر يصمت لأنه راغب في الخطوة إلا أنه يخاف من رد الفعل الأمريكي والإسرائيلي عليها.
ودخل الفلسطينيون جراء ذلك في عملية إحصاء من سيصوت معهم في مجلس الأمن، فإن بلغوا الأعضاء التسعة فسيكون ذلك نجاحا دبلوماسيا لا يهزمه إلا الفيتو الأمريكي، وإن لم يوفروا التسعة سيكونوا سجلوا قضيتهم في الأمانات انتظارا لوقت ملائم يعيدون فيها طرح الأمر من جديد.
ولا يخلو الأمر من جهات عربية وإقليمية ودولية نافذة، همست في أذن أبو مازن بأن يتريث ويؤجل، خصوصا وأن اضطرار أمريكا إلى استخدام الفيتو سيحرجها ويحرج المتحالفين معها في حربهم الكونية والمصيرية ضد الدولة الإسلامية التي احتلت مساحات واسعة من أراضي العراق وسورية، ولا أحد يعرف على وجه الدقة كم تحتل بصورة غير معلنة من مدن وقرى في مجتمعاتنا العربية والإسلامية.
إن قراءة دقيقة وبعيدة عن الهوى لمعادلة القوى السائدة الآن في منطقتنا وفي العالم، تشير إلى أن قرار الذهاب إلى الأمم المتحدة هو قرار صائب، إلا أن تنفيذه هو الذي يحتاج إلى حسابات أكثر دقة، وفي السياسة فإن رفع سلاح ما والتهديد باستخدامه هو أجدى ألف مرة من استخدامه فعلا، وبما أننا كفلسطينيين اتخذنا قرار الذهاب ليس إلى مجلس الأمن وحده وإنما إلى كافة المؤسسات الدولية بما فيها محكمة الجنايات، فإن الاحتفاظ بهذا القرار دون الرجوع عنه هو عمل جدي للغاية لخدمة القضية الفلسطينية، ولا يعيبنا لو أجلنا الذهاب إلى وقت أكثر ملائمة فهذه هي السياسة، وكم مرة اضطررنا إلى التهديد بأمر ثم اضطررنا بعد ذلك إلى تجميد التهديد، ومثلما تفهم الناس قرار التهديد، تفهموا قرار التجميد، لهذا أؤيد شخصيا تأجيل الذهاب إلى مجلس الأمن ولا أؤيد إطلاقا الرجوع عن قرار الذهاب، فالتأجيل في السياسة عمل مشروع أما العدول عن قرار أساسي فيه خدمة للقضية فهذا ما ينبغي أن يظل محرما.