نهج الاقتصاص من المواطنين هي سمة أساسية في الدول الشمولية، وعندما تكون الكيانات ليست دولاً في الحقيقية إلا في ذهنية المتنفعين منها، لأن الشكل الحالي لهذا الكيان يخدم أهدافاً وطموحات شخصية بغطاء وطني، فإن المصلحة العامة تُقاس بمدى رضا النظام عن المواطن. وليس العكس.
في الأيام القليلة سمعت على الأقل عن حالتي تقاعد مبكر لناشطين كانوا ضمن حراك المعلمين الذين كانوا من المدافعين عن حقوق المعلمين. وبالأمس أصدرت وزارة التربية والتعليم بيانا صحفيا قالت فيه إن التقاعد المبكر لبعض الموظفين قد تم وفق القرار بقانون رقم 17/2017، وبموجب توصيات صادرة عن لجان متخصصة من الوزارة والمديريات، والتي عكفت على مدار الشهور الستة الماضية على دراسة كافة الحالات سواء تلك التي تقدمت بطلبات خطية أو أحيلت إليها لأسباب فنية بحتة من قبل المديريات.
من حيث المبدأ، يعطي القانون الحق للوزراء إحالة أيا كان إلى التقاعد، وعلى ما يبدو أن الوزراء الحاليين يتعسفون في استخدام هذا القانون لسببين أساسيين:
الأول: الاقتصاص ممن يعتقدون جهلا أنهم شكلوا إخلالا بالنظام مثلما يحدث الآن مع وزير التربية والتعليم د. صبري صيدم، الذي أحال إلى التقاعد صامد صنوبر (31 عاما) دون طلب منه، وعلى خلفية عمله النقابي ضمن حراك المعلمين، دون أن تتجاوز سنوات خدمته في التعليم 7 سنوات كما قال صنوبر، وهو أمر يحدث مع معلمين آخرين منهم إياد عودة مسؤول الحراك في رام الله الذي تقدم بطلب تقاعد لأنه لم يعد يستطيع العمل ضمن المنظومة الحالية.
الثاني: التخلص ممن يُشكلون عامل تعرية لضعف الوزير وحداثته في منصبه وعدم إلمامه ومعرفته بأمور اختصاص الوزارة تماما مثلما حدث مع وكيل وزارة التنمية الاجتماعية د. محمد أبو حميد الذي أحاله الوزير ابراهيم الشاعر على التقاعد دون طلب منه.
الأمران بكل تأكيد لا يمتان بصلة إلى الأسباب الحقيقية التي لأجلها يُقر قانون التقاعد في الدول التي هدفها الحفاظ على حياة كريمة للمواطن بعد سنوات عمل طويلة، لضمان شيخوخة كريمة له، بينما يهدف في ذات الوقت إلى إتاحة الفرصة أمام الجيل الشاب لرفد المؤسسات الوطنية بالطاقات والإبداع، وهو ما يُخالف أيضا فكرة التمديد لرئيس هيئة مكافحة الفسادة السيد رفيق النتشة الذي يبلغ من العمر (84 عاما).